19 يوليو، 2023

طقوس الحطب … عرض مسرحي لجامعة الموصل ومسرح قره قوش في مهرجان الطف المسرحي

الزمان : ١٨ تموز
المكان : محافظة النجف الاشرف
المناسبة : مهرجان الطف المسرحي الدولي الثالث

طقوس الحطب أرادة الحياة والموت وكسر أفق التوقع

تراتيل طقوسية كنسية تستقبلك وتفاجئك و تحيلك منذ الوهلة الاولى نفسياً وذهنياً لمشاهدة عمل تقليدي محلي خاص بهذه المدينة العراقية المسالمة بفلكلورها وموروثها وتراثها السرياني الثر، الا ان هذا الانطباع سرعان ما يتبدد ويتلاشى مع مفتتح المسرحية وفي مشهدها الأول لينقلك فريق العمل وممثليه الثلاثة الى عرض مسرحي يحمل هم وطن من اقصى شماله الى اقصى جنوبه، وليتجاوز مؤلفه (ابراهيم كولان) ومخرجه (نشأت مبارك) المحلية المناطقية الى الاحترافية الوطنية كخطوة اولى. والقصة ابتدأت من ضابط عسكري متقاعد (شوقي حكمت) يطلب من ابنه الصغير (وسام بربر) الالتحاق بخدمته العسكرية ليزجه في اتون الحرب وسعيرها وأن يضحي بنفسه أن اقتضى الأمر!! مقابل معارضة الاخوين (وسام) وشقيقه الأكبر (صدام سالم) لهذا المنطق اللاعقلاني، وذلك الحوار الديالتيكي الممتد طوال المسرحية مع تناول مفردات مثل (الحرب- الواجب- الامانة – التضحية – الاخلاص – الوطن) لسرعان ما ينكشف طرفي الصراع (المركز- شوقي) المستبد برأيه المتطرف وبحجته (الوطن) مقابل (الهامش وسام – صدام) الابناء التواقين الى العيش بحب وسلام، الا ان المتسلط (شوقي) يصر على اضطهاد الابن الصغير ومصادرة اراء الابن الكبير بهوسه بالحرب وبما تخلفه من ويلات ودمار والآلام يساعده في ذلك الخطاب الطاغي وتمكنه الادائي للطقوس الروحانية الوجدية التي يستعين بها مع بداية دعواته للحروب التي لا تنتهي، روحانيات وظفها مخرج العمل رفضاً لتغييب عقل الانسان وارادته بتعدديتها الدينية. الحال ينقلب في المشهد الثاني (المحكمة) عندما يحاكم الابناء الأب بتأثيث سينوغرافي لأربع مشانق متدلية وموزعة على فضاء خشبة المسرح والاضاءة العازلة لشخصية الحاكم (الابن الكبير) وشخصية المتهم (شوقي) مع استدعاء الشاهد الأول والاخير والأهم على مر تاريخ العراق في عصره الحديث (الام الثكلى) التي تندب حظها وتقوم (باللطم) على جسدها بطريقة موروثة أحالت الرائي الى الخاسر الأكبر جراء هذه الحروب العبثية بعد أن خسرت فلذة كبدها. مشهد مؤثر جسده (وسام بربر) ابهر من كان يشاهده لا سيما في نهايته وقطرات العرق تتساقط من وجهه بغزارة. ليستمر الحال هكذا ” فبين حرب وحرب حرب اخرى” وصولا الى العام ثلاثة بعد الألفين ليرتاح ابناء هذا الوطن ويدشنوا عهدا جديدا لكن سرعان ما تذهب احلامهم الوردية ادراج الرياح بعد حقبة سوداء بات الانسان المغلوب على امره وقوداً للحطب يقتل فيها لا لشيء سوى لأنه من طائفة اخرى! أو من دين اخر!!، ومع هذا ووسط كل هذه الصورة القاتمة السواد التشاؤمية فما زال الانسان العراقي (يحب- يرقص – يغني- يتفاءل) متجاوزاً المحن والصعاب واحدا تلو الاخرى ليتحدث (وسام) عن حبيبته معشوقته المتلهف للقائها والرقص معها والاقتران بها، لكن (القائد – الضابط – الأب- المتنفذ- الأداة – المهيمن- شوقي) يدخل الى خط الاحداث ويعلن عن بدء حرب جديدة ويحول (وسام – صدام) الى الات مبرمجة أو بالأحرى (ربورتات) تنفذ الاوامر وحسب وصولاً الى احداث عام 2014م وما صاحبها من احداث اليمة ومؤامرة اشتركت فيها قوى الظلام من الداخل والخارج ولتبدأ مرحلة مأساوية اخرى من القتل والتنكيل والتعذيب و (التهجير) وبيع كل شيء بلا حياء في مزاد علني الحجارة والانسان وحتى الوطن مع استمرار رفض الابناء لأوامر الاب الجائرة وللعبة المنتفعين والوصوليين وتجار الحروب القذرة ” لسنا لعبة بأيديكم” وعودة (الاب – شوقي) لسماع الاخبار وتلقي اوامر جديدة لتنتهي المسرحية من النقطة التي انطلقت منها.
ولا بد القول ان هذا العمل الناضج فكراً واخراجاً للدكتور (نشأت مبارك) امتعنا طوال عرضه عدا وجود بعض الملاحظات التي تتعلق بالاستلام والتسليم لاسيما في بداية المسرحية بين (صدام وشوقي) فضلاً عن البونية في الاداء وصولا الى الاداء الخارجي لا سيما ان اخد الممثلين قاد حوارات الفكر المعارض للدمار والقتل بكل ثقة.
صاحب هذا العرض جماليا ترتيلا وتصميما وتنفيذا وتقنياً وادارةً وتصويراً (الاب دريد بربر- انمار بربر- فارس عيسو- سامر انطون- سنان ازهر- صباح مجيد زكريا- ربيع ابراهيم- يورام طلال- احسان ككي- ستفين حبيب). حري بنا ان نفتخر بأعمال ترتقي بالمسرح العراقي وبفرقة مسرحية تقدم عروضاً منتخبة باستمرار لتضيء المشهد الفني في محافظة نينوى بشكل عام والمشهد الفني في مدينة بغديدا بشكل خاص مع املنا ان يشارك هذا العرض المستحق في محافل عربية قادمة في المدينة التي ولد من رحمها المسرح العراقي.

د. زيد طارق فاضل السنجري
شعبة إعلام كلية الفنون الجميلة

مشاركة الخبر

مشاركة الخبر