9 يناير، 2014
الاتفاق النووي بين إيران والدول الغربية وانعكاساته على دول الخليج
الاتفاق النووي بين إيران والدول الغربيةوانعكاساته على دول الخليجتقديم يقدم لنا الدكتور بشار فتحي جاسم العكيدي رؤيته حول الاتفاق النووي الذي جرى بين ايران والدول الغربية والذي اتاح للدبلوماسية ان تقول كلمتها الفصل في هذه الازمة التي استمرت سنوات عدة شهدت خلاله الاطراف تجاذبات سياسية وصلت الى مرحلة التهديد والتلويح باستخدام القوة العسكرية خاصة من قبل الولايات المتحدة الامريكية . ومايريد ان يؤكده الدكتور العكيدي المتخصص في الشأن العراقي في هذه المقالة هو انه على الرغم من الهواجس الخليجية من الاتفاق النووي الا انه قد يسهم في جعل المنطقة خالية من أي اشكال التهديد والتوتر وقد يسهم في حلحلة جميع ازمات المنطقة ، ومن اجل تحقيق هذه الرغبة لابد من ايجاد عوامل مشتركة تعمل على إزالة حدة التوتر فيما بينهما, ويمكن للعراق أن يسهم وبشكل كبير في إيجاد نوع من التقارب وتوحيد وجهات النظرومتى ماتحقق ذلك فيمكن الحديث عن بيئة امنة ومستقرة تضع مصالح شعوبها نصب اعينها وبدون ذلك فالمنطقة قد تتجه في النهاية الى مستقبل مجهول بسبب سياسات خاطئة تؤدي في النهاية الى نتائج لاتحمد عقباها … سكرتير التحرير د. فواز موفق ذنونتعد الازمة النووية الايرانية احدى ملفات التوتر في العلاقات الايرانية – الغربية بسبب اتهام الاخيرة لإيران بسعيها لامتلاك السلاح النووي وتهديد دول المنطقة والمصالح الغربية فيها وهو الامر الذي تنكره طهران وتؤكد على سلمية برنامجها النووي .ودخلت ايران في مفاوضات عدة بين الوكالة الدولية للطاقة الذرية وكذلك مع الدول الغربية شهدت خلالها تجاذبات سياسية واقتصادية من قبل تلك الدول لحث ايران على العدول عن تخصيب اليورانيوم الذي من خلاله ايران من اكمال برنامجها النووي والدخول الى مصاف الدول النووية في الشرق الاوسط .وكانت قد بدأت المفاوضات بين الدول الغربية وإيران منذ العام 2002, وضمت وزراء خارجية دول مجموعة 5+1 (الولايات المتحدة، الصين، روسيا، بريطانيا، فرنسا وألمانيا)من جهة, وإيران من جهة أخرى, واستمرت سنوات عدة توجت أخيرا باتفاق وٌقِعَ في 24 تشرين الثاني 2013, نص على أنتواصل إيران التخصيب النووي في حد لا يتجاوز5%، وترك ما تم تخصيبه في حدود20% لإيران من أجل التصرف به للأغراض السلمية. هذا وتضمن الاتفاق رفع بعض العقوبات. وأُعطي مدّة ستة أشهر لتنفيذ كل بنود الاتفاق من قبل الأطراف الموقعة عليه، وصولاً إلى اتفاق شامل حول النووي الإيراني، أي كل ما يتعلق بحدود التخصيب ومراكزه، وبالمراقبة الدولية، وبرفع العقوبات. ومن خلال الاتفاق يتعين على إيران وقف تخصيب اليورانيوم بدرجة أعلى من 5 % وتجميد مخزونها من اليورانيوم المخصب بدرجة 3,5 % والتوقف عن إنتاج أو تركيب أو تحديث أجهزة الطرد المركزي, والتوقف عن إنشاء المزيد من منشآت التخصيب, ووقف كافة الأنشطة بمفاعل (آراك) النووي, والسماح بإجراءات أوسع وأكثر تدقيقاً للتحقق من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بما في ذلك عمليات التفتيش اليومية للمنشآت.وبغض النظر عن بنود الاتفاق وما تضمنته من نقاط, فان هذا الاتفاق سبب الكثير من الغموض في هذه المنطقة من العالم, التي تتسم بكثرة النزاعات, فضلا عن كونها من اكبر مناطق الصراع في العالم. لذلك فان الاتفاق بين إيران والدول الغربية فيما يتعلق ببرنامجها النووي قد أثار العديد من التساؤلات المتعلقة بمستقبل المنطقة.إن الاتفاق الموقع بين إيران والغرب يمكن عده نتاج لرغبة قوية من قبل الطرفين لحل هذه الازمة, فإيران من جانبها وبسبب العقوبات الاقتصادية التي فرضها عليها الغرب كانت تخسر في القطاع النفطي شهريا ما قيمته 3-5 مليار دولار منذ 11 كانون الأول 2011, حسبما أكده ديفيد كوهن مساعد وزير الخزانة الأمريكية المكلف بمكافحة الإرهاب, كما أن الولايات المتحدة الأمريكية والغرب كانت لديهم رغبة في التوصل إلى حل لهذا الملف في محاوله منها لحل الأزمة السورية بالاستفادة من تأثير إيران المباشر, فقد أشارت بعض المصادر إلى وجود مفاوضات سرية بين كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإيران وسوريا تفضي بإطلاق يد إيران تجاه البحرين مقابل حل الملف السوري.شكل هذا الاتفاق هاجسا قويا لدول الخليج العربي التي شعرت بوجود نوع من المحاباة والتقارب بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية, والتي أعربت عن قلقها منه, فعلى الرغم من التطمينات الأمريكية للملكة العربية السعودية من خلال الاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس الأمريكي باراك اوباما بالملك عبد الله بعد التوقيع على الاتفاق, إلا أن المملكة لم تخفي مخاوفها من هذا الاتفاق,إذ نقلتالصحافة عن مصادر رسمية أن الرياض "غير راضية" عن الاتفاق، وإنها لا تفهم اندفاع الولايات المتحدة نحو إيران رغم السلبية التي تراها في سياسات طهران في المنطقة وتجاه دولها. وأما السفير السعودي لدى لندن فقال إن بلاده "لن تقف مكتوفة الأيدي أمام خطر البرنامج الإيراني النووي إذا فشلت الولايات المتحدة والمملكة البريطانية والدول الكبرى في وقف هذا البرنامج". ولم يخفف من الغضب السعودي مسارعة وزير الخارجية الأميركي إلى زيارة السعودية لطمأنتها, كما أن دول الخليج العربي الأخرى عبرت عن رفضها هذا الاتفاق, فقد أعلنت البحرين عن صدمتها من هذا الاتفاق إذ عبر وزير خارجيتها وخلال الاجتماع الدوري لوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي في 28 تشرين الثاني 2013 عن قلق حكومته من هذا الاتفاق وان الغرب بدا يغير سياسته تجاه إيران, متجاهلا العلاقات السياسية والاقتصادية الكبيرة التي تربط دول الخليج العربي بالغرب, وقال الوزير البحريني معلقا على هذا الاتفاق "إن على إيران والدول الكبرى أن تؤكد لقادة وشعوب المنطقة أن ما تم التوصل إليه من اتفاق سيخدم تحقيق الاستقرار الأمني الإقليمي, ولن يكون على حساب امن أي دولة من دول المجلس". في حين قللت باقي دول الخليج العربي الأخرى من شأن هذا الاتفاق، و أشارت كل من الإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت إلى أن هذا الاتفاق يمكن عده هزيمة لإيران ومثل ضعفا للولايات المتحدة الأمريكية, لا سيما وان الإمارات العربية المتحدة كانت تأمل من الضغط الغربي على إيران استعادة جزرها الثلاث التي احتلتها إيران عام 1972. وبقدر تأثير هذا الاتفاق وانعكاسه على دول الخليج العربي, فان الصورة السياسية المستقبلية لمنطقة الخليج العربي والشرق الأوسط بصورة عامة تحتاج إلى الكثير من التحليل والتصورات لما ستؤول إليه, لاسيما مع وجود تغيير في السياسة الأمريكية الخارجية تجاه الحلفاء الخليجيين, فقد اعتبرت دول مجلس التعاون العربي الخليجية أن الولايات المتحدة الأمريكية قد (غدرت) بهم باتفاقها مع إيران, وتفاجئت من هذا الموقف, وعلى ما يبدو فان الولايات المتحدة ومع التقديرات التي أطلقتها إدارة معلومات الطاقة الأمريكية من أن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تكون اكبر منتج في العالم للنفط الخام والغاز الطبيعي في عام 2013, مع وجود احتياط هائل للنفط فيها, فضلا عن وجود دراسة اقتصادية أعدتها شركة بي بي (بريتيش بتروليوم) تشير إلى أن الولايات المتحدة ستتحرر تماماً من الاعتماد على نفط الشرق الأوسط ودول أجنبية أخرى بحلول عام 2030, كل ذلك يشير إلى أن هنالك تغييرا في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة, وقد يبدوا الاتفاق الغربي مع إيران تجاه ملفها النووي بداية لهذا التغيير. وعليه يمكن عده بداية لتغيير السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط, والخليج العربي تحديدا, لذلك فان دول المنطقة مطالبة بإعادة رسم سياستها وفق التصورات المستقبلية ووفق ما تمليه عليها مصالحها, ومن هذا المنطلق ومن اجل أن تكون منطقة الشرق الأوسط خالية من أي شكل من إشكال التهديدات والتوترات التي تؤدي إلى قيام صدامات وحروب فيما بينها, لابد لها من تنقية الأجواء فيما بينها والعمل على خلق تكتل اقتصادي إقليمي يستطيع من خلاله المشاركة في رسم سياسات العالم, على غرار ما تقوم به الدول الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية, مع وجود القدرة النفطية الهائلة التي تمتاز بها المنطقة, والتي تمثل نسبة كبيرة من الإنتاج والاحتياطي العالمي. ومن اجل أن تتحقق هذه الرغبة لابد من إيجاد عامل مشترك فيما بين دول الخليج العربي وإيران, يعمل على إزالة حدة التوتر فيما بينهما, ويمكن للعراق أن يسهم وبشكل كبير في إيجاد نوع من التقارب وتوحيد وجهات النظر, فالعراق لا بد له من أن يتعافى وان يعود إلى سابق عهده وان تكون له حكومة قوية قادرة على نيل ثقة دول الجوار, وهو يرتبط بإيران بالكثير من الروابط التاريخية والسياسية والاقتصادية والدينية, والتي يمكن أن يستخدمها العراق في الضغط على إيران, وبالمقابل فان العراق يرتبط مع دول الخليج بروابط الأخوة والمصالح المشتركة والعمق التاريخي, لذلك بمقدوره أن يمارس سياسة متزنة في التقريب بين الجانبين تعود عليه بالنفع الكبير وتسهم في استرداد مكانته الطبيعية, وكسب ثقة الآخرين. إن ما تقدم وما يمكن أن يتحقق منه, قد يؤدي إلى خلق منطقة مستقرة آمنه تنأى بنفسها عن التهديدات المحتملة التي قد تتعرض لها في حالة استمرار انعدام الثقة, ويجب على الأطراف جميعها أن تضع مصالحها ومصالح شعوبها والمنطقة نصب أعينها في التعامل مع هكذا ملفات, قد تكون السياسة الخاطئة والتعنت في اتخاذ القرار يؤدي بها في النهاية إلى نتائج قد لا تحمد عقباها.