27 أكتوبر، 2013
البعد الثالث لحركة الثلاثين من حزيران/ يونيو 2013 في مصر
مدرس التاريخ العسكري المعاصر/ قسم الدراسات السياسية والإستراتيجية/ مركز الدراسات الإقليمية/ جامعة الموصل
تعد حركات التغيير التي اندلعت في بعض البلدان العربية أواخر العام 2010 ومطلع العام 2011، إنتفاضات شعبية إنطلقت ضد أنظمة إستفحل فيها الظلم والفساد الحكومي والإستئثار بالسلطة والفشل الذريع في دفع عجلة التنمية البشرية نحو الأمام، وأدت هذه الموجة العارمة من الاحتجاجات الشعبية إلى قيام المؤسسات العسكرية والأجهزة الأمنية في الدول التي شهدت هذه الثورات بإعادة النظر في علاقتها بالأنظمة الحاكمة المستبدة، فتحولت في لحظة وعي وطني تاريخية وقراءة سليمة لواقع ومستقبل هذه الانتفاضات وحساب دقيق لمصالح هذه المؤسسات من دعم الحاكم المستبد إلى دعم الجماهير المنتفضة، فأنجزت المرحلة الأولى من التغيير وهي سقوط الأنظمة الديكتاتورية الحاكمة.
ولكن يجب التذكير بأن هذه الاحتجاجات الشعبية العفوية لم تخلو من تدخلات خارجية لأطراف دولية وإقليمية قامت بدعم تلك الانتفاضات (إعلامياً وتنظيمياً وسياسياً ومالياً)، فضلاً عن الدعم الذي قدمته التيارات السياسية والأحزاب المعارضة للأنظمة التي كانت تحكم في بلدان التغيير والتي إستثمرت تلك الاحتجاجات الشعبية العفوية وانخرطت فيها بعد اتساعها وظهور ملامح تراخي قبضة الأنظمة، وإن هذه التدخلات الخارجية والداخلية كانت إما بدافع الخصومات السياسية مع الأنظمة السابقة أو تنفيذا لمخططات إقليمية أو دولية، سياسية أو فكرية، يراد إخضاع المنطقة لها، وفي الوقت نفسه كان جزء منها نصرة صادقة لثورة شعوب مظلومة. وبالتالي أصبح لدينا ثلاث قوى فاعلة إضافية أسهمت في صنع هذه التغييرات، فضلاً عن قوة التغيير الرئيسة المتمثلة بالجماهير التي انتفضت عفوياً وقدمت التضحيات في سبيل إنجاز هذا التحول، وهذه القوى الإضافية هي (المؤسسات العسكرية والأمنية، الأطراف الدولية والإقليمية، التيارات والأحزاب السياسية المعارضة للأنظمة السابقة)، وكل واحدة من هذه القوى المختلفة ترى بأنها شريك مهم بهذا التغيير، ومن حقها أن تكون شريك مهم في صوغ مسارات هذا التغيير ومستقبله، في ظل إختلاف الرؤى والأهداف بين تلك القوى.
بعد انجاز المرحلة الأولى من التغيير والشروع بالتحول نحو بناء أنظمة ديمقراطية تنسجم مع تطلعات وآمال الشعوب التي انتفضت، اصطدمت هذه التحولات بصعوبات وعقبات جمة وانحرفت مساراتها عن أهدافها الحقيقية بسبب الكثير من التحديات، أهمها:
أولاً. تباين الأهداف والرؤى المستقبلية بين القوى المختلفة التي أسهمت في صنع التغيير، وبخاصة فيما يتعلق بـ(الخطاب السياسي للحكومات الجديدة، ترتيب الأولويات في جهود وتوجهات الحكومات الجديدة الداخلية والخارجية، الحقوق والحريات المتاحة، الأمن الوطني، الأمن القومي، دور المؤسسات العسكرية والأمنية، دور المرجعيات الدينية والفكرية، …إلخ).
ثانياً. تدهور الأوضاع الإقتصادية للبلدان العربية التي حدث فيها التغيير.
ثالثاً. الإنقسامات الفكرية والطائفية المتأصلة في مجتمعات البلدان التي حدث فيها التغيير، والتي أسهم سقوط الأنظمة الديكتاتورية، والفوضى التي أعقبت ذلك السقوط، في انفلاتها من عقالها وتصاعدها.
رابعاً. التأثير البالغ للصراعات المسلحة والأضطرابات التي تشهدها المنطقة العربية برمتها، في الأوضاع الداخلية للبلدان التي حدث فيها التغيير، عن طريق لجوء بعض الأطراف الداخلية المرتبطة بتنظيمات منخرطة في تلك الصراعات الإقليمية، إلى إستخدام العنف والوسائل المسلحة في الصراع السياسي.
إختلف الكثير من المراقبين للشأن المصري في توصيف ما حدث في الثلاثين من حزيران/ يونيو 2013، فإذا ما قمنا بنظرة مجردة لا تأخذ في الحسبان الأوضاع والظروف والمواقف والحقائق ومسارات الأحداث التي سبقت هذا التغيير، وفقط نركز على حقيقة واحدة إن الدكتور محمد مرسي كان رئيساً منتخباً، يمكننا حينها، وبكل إرتياح، أن نطلق على ما حصل في ذلك اليوم بـ(الإنقلاب العسكري). وإذا ما سلطنا الأضواء على الرفض الشعبي الواسع لسياسات الرئيس مرسي، والتي عدت بنظر معارضي مرسي والأخوان (الداخليين والخارجيين) مريبة وتهدف لتكريس هيمنة جماعة الأخوان المسلمين على مؤسسات ومفاصل الدولة المصرية، فضلاً عن السخط الجماهيري من التدهور المضطرد للأوضاع الأمنية والإقتصادية خلال مدة حكم الرئيس مرسي، والذي جسدته الإعتصامات والمظاهرات المليونية المناهضة له ولحزبه (الحرية والعدالة) ولجماعته (الأخوان المسلمين)، والتي بلغت أوجها عشية الثلاثين من حزيران/ يونيو 2013.
وإذا ما استحضرنا هذه المشاهد، وتغافلنا عن حقيقة إن الرئيس كان منتخباً، يمكننا وصف ما حصل في الثلاثين من حزيران/ يونيو بالثورة الشعبية المدعومة من الجيش. أما إذا ما نظرنا إلى حالة الإنقسام والإحتقان الخطير الذي وصل إليه الشعب المصري بين مؤيدين للرئيس مرسي ومعارضين له، والدلائل الواضحة على ان كل طرف في هذه المواجهة متهيئ ومتحفز للمضي إلى أقصى حدود التدافع السياسي، مهما بلغت درجة الصدام ونتائجه، فضلاً عن حوادث العنف والعنف المضاد بين التي سجلت في المظاهرات المناوئة والمؤيدة للرئيس مرسي، الأمر الذي أشر بأن الخصوم السياسيين يجرون البلاد إلى منعطف خطير قد يصل للحرب الأهلية، وضمن هذا السياق يكون تدخل الجيش لإزاحة الرئيس مرسي عن السلطة إستشعاراً وإستجابةً لتهديد يداهم الأمن الوطني والقومي لمصر وإنقاذاً لها من الدخول في متاهات صراع داخلي لا يمكن التكهن بأدواته ولا بوسائله ولا يعرف عقباه.
ولكن تبني أي من الأوصاف الثلاثة لحركة الثلاثين من حزيران/ يونيو 2013 (إنقلاب عسكري، ثورة شعبية وقف الجيش إلى صفها، تدخل الجيش لإنقاذ البلاد من حرب أهلية) بشكل منفصل عن الحقائق الأخرى سيكون طرحاً أحاديا غير موضوعياً يضعف الحجة، وبخاصة بعد القسوة الواضحة في الإجراءات الأمنية والسياسية والإعلامية التي اتخذت ضد جماعة الأخوان المسلمين بعد عزل الرئيس مرسي. وبالتالي وإذا ما طلب توصيف منصف لما جرى في الثلاثين من حزيران/ يونيو 2013 ، فليس أمامنا سوى القول بأنه إنقلاب عسكري مطلوب ومدعوم من قطاعات واسعة من الشعب والقوى الوطنية المصرية، جاء في وقت كانت البلاد تمر فيه بمرحلة من الإنقسام والإنسداد السياسي الخطير.
أما عن مستقبل الإحتجاجات المناهضة للسلطة التي تشكلت في مصر بعد عزل الرئيس مرسي في الثلاثين من حزيران/ يونيو 2013، فإن إستمرار الهجمة الأمنية والسياسية والإعلامية الموجهة ضد الأخوان المسلمين وحلفائهم ستمنح هذا التيار (شجاعة اليأس)، وستكسبهم المزيد من التعاطف والتحالف، داخلياً وخارجياً، الأمر الذي يعزز صمودهم وثباتهم في هذه الإحتجاجات، بغض النظر عن تزايد أو تناقص أعداد المتظاهرين، وبخاصة إن هذا التيار متمرس على مواجهة تعسف السلطات من جهة، وإنه تيار سياسي وفكري يحظى بتأييد قطاعات غير قليلة من الشعب المصري من جهة أخرى، ومن أجل تحقيق الإستقرار السياسي والإجتماعي وحتى الإقتصادي في مصر، فمن الضروري فتح قنوات حوار وتفاوض، جادة ومسؤولة، مع جماعة الأخوان المسلمين وحلفائهم على قاعدة المصلحة الوطنية العليا، و الإبتعاد عن نهج الإقصاء والتهميش الذي أثبتت التجارب السابقة في مصر وغيرها من البلدان العربية فشله، فهم بالنهاية شركاء في الوطن، وجزء اصيل من تاريخ وحاضر مصر، وبالتأكيد سيكونون جزء من مستقبلها، بشرط أن يقوم الأخوان المسلمين وغيرهم من تيارات الإسلام السياسي، بإجراء مراجعة وتقييم وتقويم، لسياساتهم وتوجهاتهم وتجاربهم، قبل وبعد حركات التغيير.
لقد شكل قيام الجيش المصري بحركة الثلاثين من حزيران/ يونيو 2013 حالة من الضبابية لمراقبي حركات التغيير العربية، وأثارت تساؤلات عدة، أهمها: هل انتكست حركات التغيير العربية؟، هل عدنا لحكم العسكر، والأنظمة الديكتاتورية القديمة؟ ..وهي تساؤلات مشروعة، في ظل النفوذ والهيمنة الواضحة للمؤسسة العسكرية المصرية على الحياة السياسية في مصر بعد الثلاثين من حزيران/ يونيو، وفي ظل انتشار التسريبات الإعلامية عن ترشح الفريق عبد الفتاح السيسي قائد حركة الثلاثين من حزيران/ يونيو لإنتخابات الرئاسة المقبلة. وعلى الرغم من كل هذه المؤشرات والتسريبات، تبقى هنالك حقائق مطمئنة تضعف من إحتمالية عودة الأنظمة الشمولية والديكتاتورية في البلدان التي حدث فيها التغيير، إذ إن وعي شعوب تلك البلدان وإستعدادها للتضحية في سبيل حريتها وكرامتها، وقدرتها على تنظيم نفسها وعلى التأثير والفعل ورد الفعل، وصل إلى درجة تجهض أي مشروع لتأسيس نظام ديكتاتوري، وبخاصة بعد ان استعادت تلك الشعوب ثقتها بنفسها أثر نجاحها خلال حركات التغيير في إسقاط أنظمتها الديكتاتورية التي كانت تجثم على صدرها لعقود من الزمن. وبالتالي يمكن تضمين ما حدث في الثلاثين من حزيران/ يونيو 2013 والأسابيع التي أعقبته في إطار الصيرورة التاريخية للتغيير، والتي من الطبيعي أن تواجه معرقلات وتوقفات مؤقتة، وبعض تلك التوقفات يكون مفيداً لتصحيح مسار الشعوب نحو أهدافها الرئيسة التي انتفضت من أجلها. المهم، وعلى وفق النهضة التاريخية للشعوب العربية أواخر العام 2010 ومطلع العام 2011، لا توجد فرصة لإعادة تأسيس أنظمة ديكتاتورية
ولكن يجب التذكير بأن هذه الاحتجاجات الشعبية العفوية لم تخلو من تدخلات خارجية لأطراف دولية وإقليمية قامت بدعم تلك الانتفاضات (إعلامياً وتنظيمياً وسياسياً ومالياً)، فضلاً عن الدعم الذي قدمته التيارات السياسية والأحزاب المعارضة للأنظمة التي كانت تحكم في بلدان التغيير والتي إستثمرت تلك الاحتجاجات الشعبية العفوية وانخرطت فيها بعد اتساعها وظهور ملامح تراخي قبضة الأنظمة، وإن هذه التدخلات الخارجية والداخلية كانت إما بدافع الخصومات السياسية مع الأنظمة السابقة أو تنفيذا لمخططات إقليمية أو دولية، سياسية أو فكرية، يراد إخضاع المنطقة لها، وفي الوقت نفسه كان جزء منها نصرة صادقة لثورة شعوب مظلومة. وبالتالي أصبح لدينا ثلاث قوى فاعلة إضافية أسهمت في صنع هذه التغييرات، فضلاً عن قوة التغيير الرئيسة المتمثلة بالجماهير التي انتفضت عفوياً وقدمت التضحيات في سبيل إنجاز هذا التحول، وهذه القوى الإضافية هي (المؤسسات العسكرية والأمنية، الأطراف الدولية والإقليمية، التيارات والأحزاب السياسية المعارضة للأنظمة السابقة)، وكل واحدة من هذه القوى المختلفة ترى بأنها شريك مهم بهذا التغيير، ومن حقها أن تكون شريك مهم في صوغ مسارات هذا التغيير ومستقبله، في ظل إختلاف الرؤى والأهداف بين تلك القوى.
بعد انجاز المرحلة الأولى من التغيير والشروع بالتحول نحو بناء أنظمة ديمقراطية تنسجم مع تطلعات وآمال الشعوب التي انتفضت، اصطدمت هذه التحولات بصعوبات وعقبات جمة وانحرفت مساراتها عن أهدافها الحقيقية بسبب الكثير من التحديات، أهمها:
أولاً. تباين الأهداف والرؤى المستقبلية بين القوى المختلفة التي أسهمت في صنع التغيير، وبخاصة فيما يتعلق بـ(الخطاب السياسي للحكومات الجديدة، ترتيب الأولويات في جهود وتوجهات الحكومات الجديدة الداخلية والخارجية، الحقوق والحريات المتاحة، الأمن الوطني، الأمن القومي، دور المؤسسات العسكرية والأمنية، دور المرجعيات الدينية والفكرية، …إلخ).
ثانياً. تدهور الأوضاع الإقتصادية للبلدان العربية التي حدث فيها التغيير.
ثالثاً. الإنقسامات الفكرية والطائفية المتأصلة في مجتمعات البلدان التي حدث فيها التغيير، والتي أسهم سقوط الأنظمة الديكتاتورية، والفوضى التي أعقبت ذلك السقوط، في انفلاتها من عقالها وتصاعدها.
رابعاً. التأثير البالغ للصراعات المسلحة والأضطرابات التي تشهدها المنطقة العربية برمتها، في الأوضاع الداخلية للبلدان التي حدث فيها التغيير، عن طريق لجوء بعض الأطراف الداخلية المرتبطة بتنظيمات منخرطة في تلك الصراعات الإقليمية، إلى إستخدام العنف والوسائل المسلحة في الصراع السياسي.
إختلف الكثير من المراقبين للشأن المصري في توصيف ما حدث في الثلاثين من حزيران/ يونيو 2013، فإذا ما قمنا بنظرة مجردة لا تأخذ في الحسبان الأوضاع والظروف والمواقف والحقائق ومسارات الأحداث التي سبقت هذا التغيير، وفقط نركز على حقيقة واحدة إن الدكتور محمد مرسي كان رئيساً منتخباً، يمكننا حينها، وبكل إرتياح، أن نطلق على ما حصل في ذلك اليوم بـ(الإنقلاب العسكري). وإذا ما سلطنا الأضواء على الرفض الشعبي الواسع لسياسات الرئيس مرسي، والتي عدت بنظر معارضي مرسي والأخوان (الداخليين والخارجيين) مريبة وتهدف لتكريس هيمنة جماعة الأخوان المسلمين على مؤسسات ومفاصل الدولة المصرية، فضلاً عن السخط الجماهيري من التدهور المضطرد للأوضاع الأمنية والإقتصادية خلال مدة حكم الرئيس مرسي، والذي جسدته الإعتصامات والمظاهرات المليونية المناهضة له ولحزبه (الحرية والعدالة) ولجماعته (الأخوان المسلمين)، والتي بلغت أوجها عشية الثلاثين من حزيران/ يونيو 2013.
وإذا ما استحضرنا هذه المشاهد، وتغافلنا عن حقيقة إن الرئيس كان منتخباً، يمكننا وصف ما حصل في الثلاثين من حزيران/ يونيو بالثورة الشعبية المدعومة من الجيش. أما إذا ما نظرنا إلى حالة الإنقسام والإحتقان الخطير الذي وصل إليه الشعب المصري بين مؤيدين للرئيس مرسي ومعارضين له، والدلائل الواضحة على ان كل طرف في هذه المواجهة متهيئ ومتحفز للمضي إلى أقصى حدود التدافع السياسي، مهما بلغت درجة الصدام ونتائجه، فضلاً عن حوادث العنف والعنف المضاد بين التي سجلت في المظاهرات المناوئة والمؤيدة للرئيس مرسي، الأمر الذي أشر بأن الخصوم السياسيين يجرون البلاد إلى منعطف خطير قد يصل للحرب الأهلية، وضمن هذا السياق يكون تدخل الجيش لإزاحة الرئيس مرسي عن السلطة إستشعاراً وإستجابةً لتهديد يداهم الأمن الوطني والقومي لمصر وإنقاذاً لها من الدخول في متاهات صراع داخلي لا يمكن التكهن بأدواته ولا بوسائله ولا يعرف عقباه.
ولكن تبني أي من الأوصاف الثلاثة لحركة الثلاثين من حزيران/ يونيو 2013 (إنقلاب عسكري، ثورة شعبية وقف الجيش إلى صفها، تدخل الجيش لإنقاذ البلاد من حرب أهلية) بشكل منفصل عن الحقائق الأخرى سيكون طرحاً أحاديا غير موضوعياً يضعف الحجة، وبخاصة بعد القسوة الواضحة في الإجراءات الأمنية والسياسية والإعلامية التي اتخذت ضد جماعة الأخوان المسلمين بعد عزل الرئيس مرسي. وبالتالي وإذا ما طلب توصيف منصف لما جرى في الثلاثين من حزيران/ يونيو 2013 ، فليس أمامنا سوى القول بأنه إنقلاب عسكري مطلوب ومدعوم من قطاعات واسعة من الشعب والقوى الوطنية المصرية، جاء في وقت كانت البلاد تمر فيه بمرحلة من الإنقسام والإنسداد السياسي الخطير.
أما عن مستقبل الإحتجاجات المناهضة للسلطة التي تشكلت في مصر بعد عزل الرئيس مرسي في الثلاثين من حزيران/ يونيو 2013، فإن إستمرار الهجمة الأمنية والسياسية والإعلامية الموجهة ضد الأخوان المسلمين وحلفائهم ستمنح هذا التيار (شجاعة اليأس)، وستكسبهم المزيد من التعاطف والتحالف، داخلياً وخارجياً، الأمر الذي يعزز صمودهم وثباتهم في هذه الإحتجاجات، بغض النظر عن تزايد أو تناقص أعداد المتظاهرين، وبخاصة إن هذا التيار متمرس على مواجهة تعسف السلطات من جهة، وإنه تيار سياسي وفكري يحظى بتأييد قطاعات غير قليلة من الشعب المصري من جهة أخرى، ومن أجل تحقيق الإستقرار السياسي والإجتماعي وحتى الإقتصادي في مصر، فمن الضروري فتح قنوات حوار وتفاوض، جادة ومسؤولة، مع جماعة الأخوان المسلمين وحلفائهم على قاعدة المصلحة الوطنية العليا، و الإبتعاد عن نهج الإقصاء والتهميش الذي أثبتت التجارب السابقة في مصر وغيرها من البلدان العربية فشله، فهم بالنهاية شركاء في الوطن، وجزء اصيل من تاريخ وحاضر مصر، وبالتأكيد سيكونون جزء من مستقبلها، بشرط أن يقوم الأخوان المسلمين وغيرهم من تيارات الإسلام السياسي، بإجراء مراجعة وتقييم وتقويم، لسياساتهم وتوجهاتهم وتجاربهم، قبل وبعد حركات التغيير.
لقد شكل قيام الجيش المصري بحركة الثلاثين من حزيران/ يونيو 2013 حالة من الضبابية لمراقبي حركات التغيير العربية، وأثارت تساؤلات عدة، أهمها: هل انتكست حركات التغيير العربية؟، هل عدنا لحكم العسكر، والأنظمة الديكتاتورية القديمة؟ ..وهي تساؤلات مشروعة، في ظل النفوذ والهيمنة الواضحة للمؤسسة العسكرية المصرية على الحياة السياسية في مصر بعد الثلاثين من حزيران/ يونيو، وفي ظل انتشار التسريبات الإعلامية عن ترشح الفريق عبد الفتاح السيسي قائد حركة الثلاثين من حزيران/ يونيو لإنتخابات الرئاسة المقبلة. وعلى الرغم من كل هذه المؤشرات والتسريبات، تبقى هنالك حقائق مطمئنة تضعف من إحتمالية عودة الأنظمة الشمولية والديكتاتورية في البلدان التي حدث فيها التغيير، إذ إن وعي شعوب تلك البلدان وإستعدادها للتضحية في سبيل حريتها وكرامتها، وقدرتها على تنظيم نفسها وعلى التأثير والفعل ورد الفعل، وصل إلى درجة تجهض أي مشروع لتأسيس نظام ديكتاتوري، وبخاصة بعد ان استعادت تلك الشعوب ثقتها بنفسها أثر نجاحها خلال حركات التغيير في إسقاط أنظمتها الديكتاتورية التي كانت تجثم على صدرها لعقود من الزمن. وبالتالي يمكن تضمين ما حدث في الثلاثين من حزيران/ يونيو 2013 والأسابيع التي أعقبته في إطار الصيرورة التاريخية للتغيير، والتي من الطبيعي أن تواجه معرقلات وتوقفات مؤقتة، وبعض تلك التوقفات يكون مفيداً لتصحيح مسار الشعوب نحو أهدافها الرئيسة التي انتفضت من أجلها. المهم، وعلى وفق النهضة التاريخية للشعوب العربية أواخر العام 2010 ومطلع العام 2011، لا توجد فرصة لإعادة تأسيس أنظمة ديكتاتورية