20 سبتمبر، 2012
التغييرات الوظيفية للقرار الدولي بعد الحرب الباردة
مركز الدراسات الاقليمية
جامعة الموصل
إن الواقع الدولي بعد الحرب العالمية الثانية تغير من خلال فكرة إنشاء تنظيم دولي يأخذ على عاتقه فكرة تجنب الحرب وإبعادها عن الواقع أو الحد منها إلى حد ما ، ولكن إذا كان الواقع الدولي قد افرز ايجابية الأمم المتحدة من حيث قيامها ونشأتها إلا انه اظهر إلى العالم تنافسا حادا بين قوتين عظيمتين أقامتا مناطق نفوذ لها في المناطق التي ترى إنها تدخل في حماها ولذلك نجد إن ذلك قاد إلى قيام حرب من نوع أخر لا تقوم على مفهوم المواجهة العسكرية المسلحة بل على المواجهة السياسة والاقتصادية والتهيؤ في كل وقت للمواجهة المباشرة، ألا وهي الحرب الباردة التي عصفت بالمجتمع الدولي وأربكت واقع عمل الأمم المتحدة من الناحية القانونية وفق الميثاق وأحكام القانون الدولي .
انتهت الحرب الباردة بنهاية التنافس الإيديولوجي والسياسي والعسكري بين المعسكرين الشرقي والغربي ، وأفرزت نهاية هذه الحرب تغيرات قانونية وسياسية كان لها أثرها في السياسة الدولية والقانون الدولي العام وعمل الأمم المتحدة وفق ميثاقها ،مما ترك لسياسة الأمم المتحدة تأثيرا قانونيا ألقى بظلاله على إليه اتخاذ القرار الدولي في ظلها من خلال التأثير الواضح للقطب الواحد على سياسية القرار الدولي داخل منظمة الأمم المتحدة .
إن الأمم المتحدة باعتبارها قمة التنظيم القانوني قد تأثرت بالتغيرات الدولية تأثرا واضحا ففي الأمس كانت الحرب الباردة تلعب دورا واضحا في محاولة تحييد القرار الدولي من خلال إتباع السياسة الخاصة بعدم تدخل الأمم المتحدة في شؤون الدول العظمى أو مناطق نفوذها، إما اليوم فالسياسة الخاصة بالأمم المتحدة تغيرت وتغيرت معها النتائج القانونية التي يمكن أن تشغل مساحة واضحة من الثاثير الدولي عليها من خلال سياسة القطب الواحد ومحاولته المستمرة في توظيف القرار الدولي الصادر عن الأمم المتحدة بما يخدم مصلحته .
التوظيف القانوني لقرارات الأمم المتحدة:
بانتهاء الحرب الباردة, وخلال قمة مجلس الأمن الدولي عام 1992, وضع تصوراً لإطار جديد لعلاقات الدول يتماشى مع الوضع القائم تضمن جملة من المبادئ أهمها البناء الأيدلوجي بوصفه أساسا للعلاقات الدولية, لانتهاء عصر الأيديولوجيات المتباينة و تقوية مجلس الأمن الدولي بصورته الحالية, وتوسيع نطاق صلاحيات الأمم المتحدة باعتبارها الآلية المنوط بها للحفاظ على السلم والأمن الدوليين وترسيخ الديمقراطية وحقوق الإنسان .
ويمكن بيان التوظيف القانوني للقرار الدولي الصادر عن الأمم المتحدة في عدة أمور قانونية عمد القطب الواحد إلى العمل بها لغايات سياسية واضحة دون اعتبارات قانونية من خلال :
1- تفعيل الفصل السابع من الميثاق :
يمكن تعريف الفصل السابع بأنه الفصل الخاص بتطبيق الجزاءات القانونية على المعتدي على السلم والأمن الدوليين ، وعند وضع ميثاق الأمم المتحدة عد الفصل السابع الجزء الأهم منه ، وتتلخص اجرائته بالوصول إلى حل عن طري تطبيق تدابير مؤقتة أو تدابير منع أو تدابير قمع تفرضها الأمم المتحدة وفق الميثاق من اجل المحافظة على السلم والأمن الدوليين واو إعادته إلى نصابه.في الفترة التي نطلق عليها الحرب الباردة كان النظام الدولي غير مستقر، لذلك فان فاعلية القرار الدولي في الأمم المتحدة كان هو الأخر قلقا وغير مستقر ، لان القوتين غادرتا الأمم المتحدة وأنشئت تكتلات إقليمية وأحلاف عسكرية مما ساعد على تجاوز الدور الفاعل للأمم المتحدة نحو تصعيد الدور الخاص بتلك الدول على حساب عمل الأمم المتحدة في الميدان وركنها شبه عاجزة عن تحقيق أهدافها التي أسست من اجلها .
أما في الفترة التي تلت سقوط القطب الشيوعي ونجاح القطب الرأسمالي في السيطرة على الكثير من الأمور القانونية أو تغييب الأمور لصالحه ، فقد اضطلعت الأمم المتحدة بدور مختلف، ففي ظل القطبية الواحدة بدأت سياسة الأمم المتحدة تتغير باتخاذ صيغة جديدة من القرارات الدولية ذات الصلة بالمشاكل القائمة منذ بدايات عام 1990 وحتى الآن، ولذلك فقد ظهرت مجموعة من القرارات عكست الطبيعة الجديدة لدور الأمم المتحدة من خلال حالة العراق عام 1990 وليبيا 1992 وذلك باللجوء إلى الفصل السابع من الميثاق.
لذلك نجد أنه وبمجرد دخول العراق إلى الكويت قرر مجلس الأمن فرض عقوبات عليه وفرض الحصار, وجعل العقوبات الاقتصادية ضد العراق مؤثرة, وقد كانت هذه الإجراءات الأسرع خلال الـ45 عاماً خلت منذ وضع ميثاق الأمم المتحدة في سان فرانسيسكو عام 1945.
من المعلوم أن هذا التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة كانت تدعمه الرغبة الروسية, فلقد نشبت (حرب الخليج) في وقت كان فيه الإتحاد السوفيتي (روسيا الاتحادية حالياً) في وضعٍ تحسين العلاقات مع المعسكر الغربي وأن تحسين العلاقة مع الغرب يدخل ضمن أولويات سياسته الخارجية مما ولدّ ذلك اتجاهين متناقضين داخل روسيا أولهما: الاتجاه الذي وضع المصالح الروسية مع المصالح الأمريكية ويظهر هذا الاتجاه من خلال الأيام الأولى للحرب
أما الاتجاه الثاني فهو الوقوف ضد الرغبة الأمريكية وبيان حجم وقوة الحرب الأمريكية ضد العراق, ويتجلى هذا الموقف الرافض للحرب بالمبادرة السوفيتية لوقف الحرب, التي كانت (دعائية أكثر منها عملية)، ومن هنا فإن الرغبة السوفيتية اتجهت نحو احترام القانون الدولي عبر المشاركة الايجابية في قرارات مجلس الأمن الدولي وهذا ما جعل من أزمة الخليج الثانية ان تفقد العلاقة السوفيتية – الأمريكية خصائص الحرب, فلقد أدرك الغرب حاجة الروس إلى الانفتاح على الغرب, ولهذا فإن الأمريكان أدركوا هذه الحقيقة, ويظهر من تقرير الكونكرس الأمريكي الصادر في 20/10/1990 الذي جاء تحت عنوان (Defense Policy Gudelines ) أو (توجهات سياسة الدفاع) (إلا أن الخطر القادم من الاتحاد السوفيتي, (لم يعد يحتل المكانة الأولى) وهو في طريقه إلى الاختفاء, وأنه ينبغي إعادة توجيه القوة العسكرية ووسائل التدخل العسكري وإمكانياته إلى اتجاهات ومناطق جديدة صوب الجنوب خارج الإطار الجغرافي التقليدي المنصوص عليه في ميثاق الأطلنطي) .
كذلك الحال في الصومال, فبعد انهيار النظام في الصومال وقيام الحرب الأهلية فإن هذه المسألة كانت بمثابة رخصة لتدخل الأمم المتحدة في الصومال, وكانت أقصى ما تستطيع الأمم المتحدة القيام به هو المساعدات الإنسانية والتنسيق مع الدول المجاورة والمنظمات الإقليمية ذات الصلة كجامعة الدول العربية أو منظمة الوحدة الأفريقية( الاتحاد الإفريقي حالياً ) وبناءً على القرار 814 الصادر في آذار (مارس) 1993، فإن المجلس طلب من الأمين العام للأمم المتحدة توفير المعونة الإنسانية لشعب الصومال,ضمن الفصل السابع من الميثاق.
وعلى الرغم من أن هذه العملية التي أطلق عليها عملية (إعادة الأمل) في الصومال فأن القوات الدولية العاملة هناك قامت بتصرفات خارجة عن اختصاصها, كالاستفزاز ضد المدنيين, وملاحقة بعض القيادات الصومالية, ما أدى في نهاية المطاف إلى خروج الأمم المتحدة من الصومال دون أن تحقق أهدافها التي جاءت من أجلها, وتفويض القوات الأمريكية المسؤولية هناك.
2- التحولات في مفهوم السيادة
بانتهاء الحرب الباردة ، ألغى مجلس الأمن المبدأ الداعم لسلطان الدولة الداخلي ومن ثم عدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية للدول, وجاء ذلك في التدخل لأسباب إنسانية, وعمليات حفظ السلام، التي كانت تواجه في بعض الأحيان صعوبات وإخفاقات جمة وأكدت المخاوف لأولئك المنتقدين لسياسة الأمم المتحدة. حيث أكدوا على وجوب كف الأمم المتحدة عن التدخل سواء عمليات لحفظ السلام أو لأسباب إنسانية أو غيرهما، إلا ان الواقع الجديد في ظل القطب الواحد أعاد مفهوما جديدا للسيادة من خلال اعتبار السيادة امرأ غير ذات أهمية في ظل النزاعات الدولية والحرب الأهلية التي تشهدها أكثر من دولة
وهذا ما أكده الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان " أن الفكرة التقليدية الغامضة لفكرة السيادة وحدها ليست العائق الوحيد أمام التحرك الفعال في الأزمات الإنسانية وقد أدت المدة التي تلت الحرب الباردة إلى إعادة تقييم مفهوم السيادة الوطنية"، ومع بروز المشاكل الدولية التي تجاوزت حدود الدولة الواحدة إلى فكرة تهميش مفهوم السيادة الوطنية, وعدم قدرة الدولة لوحدها على صد الخطر الموجود إلا بتدخل خارجي (دول أو منظمات).
لقد أصبحت الفعالية الدولية محتكرة في صياغة القرارات الدولية من طرف واحد لتنتهك بعد ذلك مبادئ القانون الدولي وتنهي معها حقوق الدول كالسيادة والدفاع عن النفس وغيرهما من الإجراءات، ومقابل ذلك يلاحظ التركيز على عوامل غير موضوعية وغير قانونية من اجل استغلالها لصالح تفكيك مبدأ السيادة الوطنية .
3- التوسع في مفهوم السلم والأمن الدوليين :
في فترة ما بعد الحرب الباردة فان مفهوم السلم والأمن الدوليين قد توسع عما كان عليه ذلك المفهوم في فترة الحرب الباردة, فبعد اجتماع مجلس الأمن الدولي عام 1992, أشاد القرار الصادر من المجلس ((أن غياب الحروب والنزاعات بين الدول لا يعني بالضرورة استتباب السلام والأمن العالميين, لقد أصبحت المصادر غير العسكرية لعدم الاستقرار تشكل تهديداً فعلياً للسلام والأمن الدوليين, تلك المصادر تتمثل في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية والبيئية))
لذلك نجد أن الأمم المتحدة تدخلت في مجالات مدنية لم تكن تقع ضمن اختصاصاتها, بل هي في واقع الأمر مسألة داخلية لا يحق لها التدخل فيها بموجب المادة 2-7 من الميثاق. وبالتالي فقد أصبح المجال رحبا قائماً على توظيف القرار الدولي بما يخدم القطب الواحد ، ففي هذه المجالات نجد أن الأمم المتحدة في فترة الحرب الباردة لم يكن يحق لها التدخل في هذه الأمور باعتبارها مجالات محجوزة للدول وتتنافى مع إحكام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة في وجوب عدم التدخل في الشؤون الداخلية ، أما بعد الحرب الباردة فقد أحيا القطب الواحد مفهوم السلم والأمن الدوليين المفقودين في العالم اليوم لينصب نفسه حاميا للسلم والأمن الدوليين ومراعيا للأمور القانونية التي تكتنف عمل الأمم المتحدة من خلال تعزيز دورها باتجاه وصولها إلى ابعد نقطة في الشأن الداخلي رغبة منها في السيطرة على صناعة القرارات الداخلية وتمكينا لها من تعزيز القرار الدولي تباعاً، من خلال عدة أمور يمكن تلخيصها بالاتي :
( أ ) تدخل القرار الدولي في الشأن الداخلي للدول :
اضطلعت الأمم المتحدة في عقد التسعينات بمهام الرقابة والإشراف ومراقبة حقوق الإنسان والديمقراطية في المناطق التي شهدت صراعات واقتتالا مثل (جورجيا, يوغسلافيا السابقة) أو التدخل لمراقبة الانتخابات كما حصل في كل من (انغولا, السلفادور), ومراقبة حقوق الإنسان كما هو الحال في (هاييتي) والنشاطات العسكرية كما هو الحال في (موزمبيق) وكانت هذه المهام قبل انتهاء الحرب الباردة من الأمور ذات الاختصاص الداخلي للدول, فالأمم المتحدة لم تكن تستطيع التدخل في هكذا مجلات الأبعد أن تم توظيف القرار الدولي لصالح عملية مسايرة هذه التغييرات من خلال إزاحة أي عقبة يمكن أن تؤدي إلى عدم توسع مديات عمل الأمم المتحدة في هذا المجال. ولا يخفى ما صاحب هذا التدخل من انتقائية وتحقيق مصالح الدول الكبرى.
(ب) توظيف القرار الدولي لغايات سياسية:
من المعروف أن الصراعات الداخلية في عقد التسعينات قد أثارت صعوبات في الوضع الإنساني مما شهدته تلك المناطق من تطورات في الاقتتال والتحارب بين أطرافها وما صاحبها من انتهاكات لحقوق الإنسان ولذلك قد جاء توظيف القرار الدولي الخاص بالأمم المتحدة كطرف ثالث من أجل إيصال المساعدات الإنسانية للسكان المدنيين في حالة الصراعات الداخلية في مناطق التوترات والصراعات المسلحة, فرخصة الأمم المتحدة بالتدخل تأتي ضمن الوظائف الجديدة لمجلس الأمن في المسائل الداخلية للدول كحجة (الوضع الإنساني) وهو ما دعا إلى إلغاء المبدأ الداعي بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء خاصة في الأسباب الإنسانية بشكل كبير, وهذا ما جعل الأمم المتحدة تصاب ببعض المعوقات والصعوبات في إهمالها كالفشل الذي منيت به في الصومال والبوسنة, إذ أكدت المخاوف منتقدي سياسة الأمم المتحدة في التدخل في الشؤون الإنسانية, ودعوها إلى الكف عن التدخل في شؤون الدول الداخلية لأسباب إنسانية
فضلا عن ذلك والتعزيز فكرة توظيف القرار الدولي بما يهيئ فرصة كبيرة في نجاحه فقد يصاحب المساعدات الإنسانية استخدام القوة من قبل الأمم المتحدة لضمان توزيع المساعدات الإنسانية للدول المتضررة, فالحالة الإنسانية السيئة التي تحدث نتيجة النزاعات المسلحة سوف تؤدي بالضرورة إلى تفاقم النزاع, في حين أن المساعدات الإنسانية قد تساعد في معالجة الأوضاع المتدهورة إنسانياً, ولكن مع مراعاة أمرين, أولهما ضرورة احترام سيادة الدول المتدخل في شؤونها ودورها الأساسي في توزيع هذه المساعدات. وثانيهما هي أن يكون تدخل الأمم المتحدة محدداً بالأغراض الإنسانية دون تحقيق غيرها بحجة المساعدات الإنسانية.
(ج) هيكلة القرار الدولي لتعزيز الأحادية القطبية من خلال نزع السلاح:
يعد مصطلح نزع السلاح مصطلحا قديما ، و يعني التدمير الشامل للأسلحة والتخلص منها, و يعني أيضاً التخلي عن الأسلحة وحل القوات المسلحة وعدم الإبقاء على أية قوة ما عدا الضرورية من الجيش والشرطة لحفظ الأمن, ويكون نزع السلاح شاملاً إذا تطلب الإلغاء الكامل لكل الأسلحة والقوات المسلحة الوطنية ويشمل كذلك مراكز إنتاج الأسلحة بينما يكون نزع السلاح جزئياً وهو مرادف لتخفيض السلاح وينطوي على إجراءات منخفضة للسلاح دون إلغاء للقوات المسلحة, فهو يبقى في حوزة الدول ويرادف بذلك مصطلح ضبط السلاح.
وجاءت مرحلة ما بعد الحرب الباردة لتضيف إلى الأمم المتحدة وظيفة جديدة تمثلت بنزع السلاح للجماعات المتحاربة داخل الدولة الواحدة وخلال الحرب الأهلية أو الصراعات مع الحكومة أو غيرها من الصراعات الداخلية, ومن الطبيعي فإن هذا الإجراء يسمح للأمم المتحدة بالتدخل في شؤون داخلية للدول بحجة نزع السلاح, ففي عقد التسعينات كان لانتشار الأسلحة و الألغام الأرضية انتشارا هائلاً في مناطق الصراع مما يهدد السلم, كالنزاع الدائر وقتذاك في الصومال, وتيمور الشرقية, وغيرهما من المناطق
ويتم نزع السلاح عن طريق الأمم المتحدة إما باتفاق يتم مع الأطراف المتحاربة في بعض الأحيان, كما هو الحال في كل من كمبوديا وموزنبيق, أو قد تلجأ الأمم المتحدة إلى نزع السلاح بالقوة عند رفض أطراف الصراع نزع أسلحتهم, ويلاحظ أن بعض الفصائل والأطراف المتحاربة ترفض نزع السلاح إلا بشروط معينة تضعها الإطراف المتحاربة من اجل إبقاء الوضع على ما هو عليه دون أن يرافق نزع السلاح أي مسؤولية دولية فيما بعد .
( د ) توظيف القرار الدولي لما بعد الصراعات:
تعد مهمة بناء المؤسسات من المهمات الجديدة التي اضطلع بها مجلس الأمن والمقصود بهذا الإجراء إعادة هيكلية المؤسسات التي انهارت أثر الحروب والصراعات,
أو تأسيس مؤسسات جديدة مدنية أو عسكرية فضلاً عن المؤسسات القائمة هناك, وتهيئة الكوادر وتدريب العاملين في هذه المؤسسات كما هو الحال في (الصومال, السلفادور, هاييتي, كمبوديا) والملاحظ, أن هذه المهام الجديدة للأمم المتحدة , تستتبع ذلك جهداً بشرياً ومالياً إضافياً لعمل الأمم المتحدة كذلك الحاجة إلى التعاون والتفاهم والتنسيق بين المنظمة الإقليمية ومنظمة الأمم المتحدة, وهذا التوسع الجديد ادخل إلى مجلس الأمن الكثير من الأمور واعتبرها بذلك مهددة للسلم والأمن الدوليين وأصبحت رخصة للأمم المتحدة لتوظيف عملية إعادة البناء لغايات سياسية وانتقائية ، إذ أن عمل الأمم المتحدة اقترن بحجم القضايا وأنواعها وحالة الاستقرار من عدمه الذي تشهده الساحة الدولية في هذه الحقبة من حياة الدول والأمم ومدى استمرار قدرتها القانونية والسياسية في ملاحظة القضايا وإثارتها قياساً لغيرها من الحلول الدولية المطروحة على الساحة العالمية .
الجهود الدولية لضمان حيادية القرار الدولي:
أصبحت الفعالية الدولية محتكرة في صياغة القرارات الدولية من طرف واحد لتنتهك بعد ذلك مبادئ القانون الدولي وتنهي معها حقوق الدول كالسيادة والدفاع عن النفس وغيرهما من الإجراءات، ومقابل ذلك يلاحظ التركيز على الكثير من عوامل موضوعية مؤثرة في صياغة القرار الدولي، لكن الرغبة الدولية المتمثلة بهيكلة القرار الدولي لصالح التعددية القطبية هي ما يدفع نحو مزيد من التحسين في فاعلية العمل الدولي من خلال محاولة إعادة الحيادية للقرار الدولي مما يساعد على توظيفه بالشكل القانوني الذي يتماشى مع مبادئ القانون الدولي العام وميثاق الأمم المتحدة، لقد سعت الدول التي تجد نفسها قد وقعت في مشكلة عدم التمثيل العادل داخل أروقة مجلس الأمن الدولي إنها يجب أن تلعب دورا في صنع القرار الدولي داخل الأمم المتحدة ، وتقدمت الجمعية العامة باعتبارها تضم كل دول العالم إلى الأمم المتحدة بمجموعة من الإصلاحات القانونية والسياسية بهدف التمثيل المناسب للدول بعد ازديادها وتطور العلاقات الدولية .وتتلخص هذه المطالب بما يأتي :
الأولى : زيادة عدد أعضاء المجلس من 15 إلى 24 عضواً وتمتع عدد من الدول الجديدة بعضوية دائمة مع حقها في استخدام حق النقض (الفيتو).
الثانية: وتشمل التوافق على مبدأ الزيادة، والى حد ما العدد (24) و يضمنه عضوية دائمة للدول الخمس الجديدة ممثلة للقارات الأربع دون أن تملك هذه الدول حق النقض (الفيتو).
ولكن هناك صعوبات تعيق عملية الإصلاح القانونية التي تهدف إليها الدول ذلك أن الأحادية القطبية التي تسعى واشنطن إلى إدامتها من خلال عدم السماح لقيام قطب ثان في العلم سواء كان دولة أو تجمع من الدول .كذلك رفض توسيع مجلس الأمن الحالي والإبقاء على التشكيلة المعهودة وذلك لإبقاء القرار داخل المجلس قرارا واحدا وعدم إقامة الفيتو الذي تناثرت هيبته بتناثر الاتحاد السوفيتي وتفككه ورفض،أو إفشال أية محاولة من الدول الأخرى (مناوئة، ممانعة، صديقة) لتعديل الصيغة الحالية، كونها قد تشكل خطوة نحو تعزيز المطالبة بالتعددية القطبية التي ترى فيها واشنطن حلماً ربما يتحقق لدول كثيرة كاليابان والصين أو الاتحاد الأوروبي. ومن سوء حظ الأمم المتحدة انه في الوقت الذي يجري فيه الحديث عن إصلاح شامل وتوسيع مقاعد مجلس الأمن الدولي وغير ذلك… فإن ما جرى بعد ذلك من أحداث ووقائع يمثل علامة فارقة في هذا الإصلاح ويؤكد إن الرغبة متوفرة نحو تجاوز الأمم المتحدة واستبعاد دورها في حل النزاعات الدولية.
إن ما يصادف الأمم المتحدة اليوم من تحديات العولمة والأزمات النووية المتفجرة وغيرها من المستجدات الدولية أمر يبعث على القول بوجوب إن تكون الأمم المتحدة لاعباً أساسياً في الساحة الدولية إلى جانب الدول على أن لا يكون دورها المشاركة السلبية ، فالحل الصائب ينبع من داخل الأمم المتحدة نفسها والتي تبقى مطلباً أساسيا وشرعياً دائما للدول المعتدى عليها للعمل من اجل رد المعتدي وردع غيره والعمل ضمن نطاق ميثاقها الذي رسمته منذ أكثر من 5 عقود مضت.
من خلال ذلك يمكن القول :
1- إن صياغة القرار الدولي داخل المنظمة الدولية هي عبارة عن قرارات تتم في خارج المنظمة ويختزل دور المنظمة على وضع الأختام لشرعنه ما يتم الاتفاق عليه خارج مؤسساتها القانونية بدون إن تحظى تلك الإعمال بدور قانوني يسبغ عليها .
2- إن الأمم المتحدة كانت ولا تزال الضحية الأولى للسياسة الدولية فالسياسة تركت محور القانون وجعلته غير فاعل في بناء القرار الدولي مما هيأ لوجود الكثير من الثغرات القانونية التي أصبحت واضحة لغياب الدور القانوني اللازم في توظيفها وإصدارها .
3- تتطلب فاعلية القرار الدولي أن يكون هناك توازن في إلية صنع القرار داخل الأمم المتحدة مما يهيئ الفرصة نحو التعددية القطبية أفضل من القطب الواحد وذلك من خلال بروز قوى جديدة كالصين واليابان أو ألمانيا أو الاتحاد الأوروبي تعمل على بناء تكاملات إقليمية قادرة على تحقيق التوازن
4- إن الجديد في المعادلة الدولية تمخض عن وجود قطب واحد يحكم النظام الدولي وقد بشر ت الولايات المتحدة بهذا القطب الذي يدعو في الوقت نفسه إلى ضرورة التغيير في الواقع الدولي من خلال وضع إليه جديدة في التعامل مع القرار الدولي ، ولذلك اتجهت الولايات المتحدة نحو تنشيط الأمم المتحدة في داخل النظام الدولي بمحاولة منها لإعادة الثقة بهذه المنظمة ، لكن مع الفارق إن هذه الرغبة كانت مدعومة من قبل القطب الواحد لتعزيز مفهوم وجوده ومصالحه في بقائه دون منافس وفق غطاء قانوني واضح
5- إن المسؤوليات التي تقع على عاتق الأمم المتحدة كثيرة وعميقة ، وان الانتقال من الأمم المتحدة في ظل القطب الواحد إلى التعددية في المستقبل يعطي الواقع الدولي ضرورة إجراء الإصلاحات القانونية في هيكلية القرار الدولي بما يخدم مصالح اكبر فئة من الدول وليس مجموعة دول بعينها
6- تدعيم القرار الدولي الصادر من الأمم المتحدة من خلال تفعيل رقابة الجمعية العامة أو محكمة العدل الدولية باعتبارهما أهم أجهزة المنظمة الدولية للوصول إلى قرار متوازن خال من التحييد والتوظيف نحو المصالح الخاصة بالدول العظمى وبالتالي خلق بيئة مناسبة للتعامل الواقعي ضمن إطار القرار الدولي بعيدا عن الانتقائية في صنع القرار أو اتخاذه فيما بعد مما يحقق انتقاله نوعية في إطار قانوني لعمل الأمم المتحدة في الميدان