22 سبتمبر، 2012
التوجهات المعاصرة للسياسة الخارجية العُمانية
واثق محمد السعدونقسم الدراسات السياسية والإستراتيجية/ مركز الدراسات الإقليمية/ جامعة الموصل لم يكن هنالك في سلطنة عُمان قبل العام 1970 ما يسمى بسياسة خارجية بالمفهوم المطلق والمركزي؛ بل إنه لم يكن هناك أصلاً دولة بمفهومها العصري. فضلاَ عن أن نمط الإدراك لطبيعة العلاقات الدولية لدى السياسة العُمانية ما قبل مجيء السلطان قابوس بن سعيد كان يستند إلى مخرجات صراع القوى في الخليج وفي المحيط الهندي،والذي كانت عُمان طرفاً فيه بصورة مستمرة. لذا،فإن الخبرة المستمدة من هذا الارتباط وهذا الاندماج قد شكلا معظم مكونات الفكر السياسي لدى القيادة العُمانية آنذاك. وكان من مظاهر هذا الفكر أنه لم يعط أية أهمية أو أي اعتبار للأبعاد العربية أو الخليجيةومعطياتها، التي كانت في تلك المرحلة تسعى جاهدة لتشكيل نظام إقليمي عربي،يكون مرتَكَزاً للعمل العربي المشترك، والذي كان يهدف إلى إقامة نظام سياسي عربي،له مضامينه ورموزه،وآليات عمله التي جاءت جامعة الدول العربية في مقدمتها. ولم ترضى التوجهات السياسية العربيةوحركاتهابموقف الدولة العُمانية، ووجدت أنها تسلك منهجاً ينأى بها عن التقارب العربي ومحاولات بناء الجهد المشترك، الأمر الذي كرّس العزلة العُمانية. استمر هذا الوضع حتى تسلّم السلطان قابوس الحكم في عُمان في تموز/ يوليو من العام 1970،وقام بإدارة السياسة الخارجية للدولة العُمانية الحديثة على مستوى فهم جديد للمتغيرات الإقليمية والدولية، وإدراك مدى أهمية الانخراط العُماني في التفاعلات السياسية في المنطقة. لذا،بدأ السلطان قابوس بالانفتاح على البلاد العربية،محاولاً الخروج من العزلة التي عاشتها الدولة العُمانية لفترة طويلة، وإشراك عُمان في التفاعلات العربية،ولكن بسياسة ممنهجة وحذرة، وآخذة في الاعتبار ذلك التباين بين مزيتين رئيستين في الطابع العام للنظام العربي، أولهمـا إن مرحلة السبعينيات من القرن العشرين قد شهدت استقلال عدة دول خليجية،وبالتالي تعزّز النظام الإقليمي العربي، وبخاصة أن عدداً من هذه الدول قد شهد تدفقات نفطية وضعتها على خارطة الاستراتيجيات الدولية. وثانيهما بالرغم من ذلك التعزّز للنظام الإقليمي العربي، ولكنه شهد في ذات الوقت تمزقاً بين مفهوم "القومية"،مقابلاً لمنطق "الدولة" والمنطق القطري الذي يستند إلى واقع التجزئة العربي، ومنطق "الإسلام السياسي" الذي وجد دعماً من داخل النظام العربي ومن خارجه، وبخاصة بعد قيام الثورة في إيران في عام 1979، وبعد ازدياد التوجهات التركية إلى مزيد من "التغريبية". ثم دخلت السياسة الخارجية العُمانية مرحلة فهم محددات هذه السياسة ومكوناتها والعوامل المؤثرة فيها وأدوات تنفيذها. ومن أهم هذه الاعتبارات والفواعل إدراك أن السياسة الخارجية لأية دولة قائمة على أساس الارتباط المباشر والمعمّق بينها وبين السياسة الداخلية ومؤسسات الحكم المحلي. لذا فقد بدأت السياسة الخارجية العُمانية تؤكد في أسلوبها على تجنب إقحام الذات في شؤون الآخرين،وهو الأمر الذي عانت منه عُمان كثيراً، والتمعن في قراءة الأوضاع المحيطة بالدولة، والانحياز إلى الحلول السلمية في التعامل مع كلالمنازعات التي تكون هي طرفاً فيها،أو التي تكون في دائرتها الخليجية، أو الإقليمية. لقد تبنت عُمان صياغة إستراتيجية سياستها الخارجية عبر بناء خطاب سياسي يلتزم بما يتفق والثوابت للدولة،ويتوافق مع إمكاناتها وقدراتها؛ وذلك حتى يأتي القرار السياسي منسجماً مع ذاته،وأن يكون متواتراً على صورة واحدة يحكمها "الثابت" ولا تحكمها الآنيّة والمرحلية". لقد تميزت السياسة الخارجية العُمانية بالواقعية والحياد، فبادرت بالتعامل مع معطيات الأحداث بكل حيادية إيجابية، فلم تنكر على مصر توقيعها لاتفاقية السلام مع (إسرائيل) – كامب ديفيد- في أيلول/ سبتمبر سنة 1978، ولكنها أكدت أنها ستقف مع الحق العربي كيفمااستدار.كما سعت السلطنة إلى المشاركة الفاعلة في الجهود التي بذلت لإعادة مصر إلى الصف العربي، بعد أن تعرضت لنقد وهجوم بسبب زيارة الرئيس المصري أنور السادات إلى القدس في تشرين الثاني/ نوفمبر 1977 ولتوقيعها إتفاقية (كامب ديفيد). وفي الحرب العراقية- الإيرانية (1980- 1988) نهجت السياسة الخارجية العُمانية مسلكاً توفيقياً، إذ رفضت سلطنة عُمان دعوات القطيعة مع طهران، ولكنها لم تقف كليةً مع إيران، بالرغم من خصوصية العلاقة الجيو-ستراتيجية والاثنيةالتي تربط عُمان بإيران، وبذات الوقت لم تتخلّى عُمان عن العراق واستمرت في الوقوف معه لحين إنتهاء هذه الحرب. وفي قضية دخول العراق إلى الكويت ظلت السلطنة تمارس سياسة الحياد والتعقل الأمر الذي مكنّها من قيادة محادثات واتصالات بإتجاه إبقاء العراق في الصف العربي، وفي نفس الوقت خروجه من الكويت.وفي حروب الخليج المتعاقبة لم تكن السياسة العُمانية تشتط وتندفع باتجاه ما، ولكنها عملت على اغتنام علاقاتها مع كل أطراف النزاع: العراق، ودول الخليج، والولايات المتحدة الأمريكية، للاحتفاظ بمخرج يمكن أن تمر به مقدرات الأحداث، إن هي اتجهت نحو الحلول السلمية.- طبيعة علاقات عُمان بباقي دول مجلس التعاون الخليجي: تعد قضية واحات البريمي التي تم حلها منذ منتصف خمسينات القرن المنصرم، المشكلة الحقيقية الوحيدة التي واجهت علاقات عًمان المعاصرة بجاراتها من الدول الخليجية، التي يجمعها معهم في الوقت الحاضر مجلس التعاون الخليجي، إذ أن دول المجلس تشترك بالكثير من الصفات البنيوية وتربطها علاقات إقتصادية وإجتماعية، حتى أنها تشترك في أطر سياساتها الخارجية، فجميعها على علاقة طيبة بالولايات المتحدة والغرب بشكل عام، وتوجهاتها متشابهة بخصوص بعض القضايا المهمة كفلسطين و(الإرهاب)، إلا أنهعند تسليط الضوء على الوقائع ومجريات الأحداث نجد أن هناك ما يشوب هذا التقارب والتناسق، سياسيا واقتصاديا، وبخاصة فيما يتعلق برؤية كل دولة من مجلس التعاون الخليجي حول العلاقة مع إيران، والتنافس الاقتصادي في مجال الإستثمار، فضلاً عن محور آخر يبقى ثانوياً وهو التسابق للتأثير السياسي في الساحة الإقليمية والدولية. ظهرت اختلافات بين الدول الخليجية في طبيعة المواقف حيال إيران وفي طريقة التعامل مع هذه الدولة الجارة لهم، ويعد موقف سلطنة عمان من إيران الأكثر تبايناً بخصوص هذه القضية، فالمذهب الديني السائد في السلطنة (الأباضية) لا يرى ضيراً من إقامة مختلف العلاقات مع إيران والتحاور معها، وهذا الموقف المسالم أو المتعاطف – إنصح التعبير- مدعوم بالأسلوب المعروف للسلطنة في سياستها الخارجية والمتلخص بكلمتين، هما الهدوء والحيادية. ولكن من جهة أخرى تتمتع السلطنة بعمق سكاني وموقعجغرافي مميز يجعل منها تهديد ليس بالهين إذا ما أرادت إيران استغلاله مستقبلا، فهو اختراق خطير في قلب الخليج، وهذا الاحتمال يبقى وارداً خصوصا مع النشاط المتزايد للمخابرات الإيرانيةفي السلطنة، وما يزيد الأمور تعقيدا أن الكثير من المواطنين العُمانيين يخدمون في الأجهزة الأمنية لباقي دول الخليج فهم من أفضل الأفراد – إذا لم يكونوا الأفضل- من ناحيةالجهوزية والتدريب في المنطقة، ومجرد التفكير في إمكانية اختراقهم من قبل المخابراتالإيرانية تجعل منهم تهديد حقيقي. وفي مجال التنافس الاستثماري، تحاول معظم الدول الخليجية جلب أكبر قدر من الإستثمارات الأجنبية إليها والدفع قدر الإمكان نحو التطوير الخدمي الشامل في بلدانها. إذ إن التنافس الإقتصادي وإختلاف إستراتيجيات التطوير والتباين في قوة الإقتصادات الخليجية كانت الأسباب الأساسية لتأخر إصدار العملةالخليجية الموحدة التي كان من شأنها زيادة ترابط دول الخليج إقتصاديا وإجتماعيا، فضلاً عن ان الإنسحاب النهائي لسلطنة عُمان ودولة الإمارات العربية من هذا المشروع سيؤخر كثيراً منموعد تنفيذه، ويرى بعض المحللون بأن أسباب الإنسحاب من هذا المشروع هي بالأساسسياسية وليست إقتصادية. من جهة أخرى نلاحظ تأثر العلاقات العُمانية- الخليجية بعض الشيء بالاختلافات المذهبية، وبخاصة مع المملكة العربية السعودية، فهنالك في عُمان من يرى أن الخطاب والفكر الديني لدعاة الملكة العربية السعودية، والمفاهيم العقائدية التي يحملونها، تمثل تحدياً للدعوة الأباضية، وبالتالي قد يشكل هذا الأمر خطراً أيضاً على المصالح العُمانية بموازاة الأنشطة الإيرانية في المنطقة. فسلطنة عمان دولة مسلمة، ينتمي أغلب سكانها إلى طائفة "الأباضية" الذين يقولون أنه على مدى السنوات الماضية حاولت الكثير من الشخصيات الدينية السعودية نشر الفكر السلفي في سلطنة عُمان، مما أثار حفيظة العُمانيين، ويوضح سعيد الهاشمي مدير البحوث في مجلس الدولة العُماني هذا الموقف بقوله: "نحن لا نسمح للسعوديين بالعمل في مجتمعنا".- طبيعة العلاقات العُمانية- الإيرانية: تنفرد عمان بعلاقات متميزة مع إيران بخلاف باقي دول مجلس التعاون الخليجي، وتمكنت العلاقات بين الدولتين من اجتياز اختبارات غاية في الصعوبة، أظهرت فيها السلطنة دورا مختلفاً ورؤية مغايرة لما هو سائد في باقي دول مجلس التعاون الخليجي، وكانت قطـرفي السنوات الأخيرة تماثل إلى حد ما سياسة عُمان تجاه إيران، ولكن من منطلقات وأهداف سياسية مختلفة.يشعر السلطان قابوس بأنهمدين لإيران منذ أيام حكم الشاه، الذي بادر في الاعتراف بشرعية الحكومة عندما تسلم السلطان قابوسالسلطة عام 1970. وكان لتدخل إيران العسكري المباشر الدور الحاسم في القضاء على حركة ظفار المسلحة منتصف السبعينات، الأمر الذي انعكس إيجابيا على العلاقة بين البلدين، وترجم في أكثر من طريقة، إذ أسس لثقة متبادلة واطمئنان بين الدولتين، وبإمكانية التعايش بينهما. وحتى بعد سقوط الشاه عام 1979 حافظت السلطنة على سياستها الودية تجاه إيران، وخلال الحرب العراقية- الإيرانية زار وزير الخارجية العُماني طهران، ووقع معها مسودة تفاهم للتعاون السياسي والاقتصادي، وتحولت عُمان إلى قناة للحوار بين إيران وخصومها الخليجيين. وخلال العقود الأخيرة، تصاعدت المخاوف العالمية والإقليمية، وبخاصة الخليجية، من المساعي الإيرانية لامتلاك السلاح النووي، ومحاولة فرض نفوذ وهيمنة في الخليج العربي، ولكن عُمان انتهجت سياسة مغايرة عن باقي دول مجلس التعاون في هذا الخصوص، إذ رفضت رسمياًالمشاركة في مشروع مظلة الدفاع الأميركية لحماية أمن الخليج، وتبنت طرحاتفاقية التجارة الحرة بين دول مجلس التعاون وإيران، وابتعدت عن سياسةالمحاور والاستقطاب، ونأت بنفسها عن كل أشكال المواجهات السياسية والإعلامية مع إيران، والتزمت سياسة الهدوء. كما دعت إلى قيام تفاهم أميركي- إيراني منشأنه ضمان أمن الخليج وحماية المصالح الأميركية، فضلاً عن ترسيخ العلاقات بينهاوبين إيران بزيارات على جميع المستويات (رؤساء الدول، لجان مشتركة، توقيعاتفاقيات، تعاون عسكري) وهو ما أوجد حالة استثنائية بالكامل قياساً بدول مجلس التعاون الخليجي الأخرى. ووقعت عُمان اتفاقية للتعاون الأمني عام 2009 من ضمن سبع اتفاقيات في مجالات أخرى، واشتركت في مشروع استثمار حقل غاز (كيش) الإيراني، الذي يحتوي على احتياطي قدره (48) تريليون قدممكعبة من الغاز الطبيعي. تعد العلاقات الوثيقة بين إيران وعُمان، أحد الأسباب التي تقف وراء فشل الغرب في شل قدرات إيران بفرض عقوبات تجارية عليها، فضلاً عن عدم قدرة خصوم إيران لبناء جبهة عربية وإقليمية معارضة وموحدة ضد النفوذ الإيراني المتنامي في المنطقةوصده.ويقول سالم المحروقي الدبلوماسي العماني السابق والذي خدم في واشنطن، ويعمل حاليا في وزارة الثقافة العُمانية:"بالنسبة لنا التعبير الواقعي هو أن إيران جارة كبيرة، وأنها موجودة هناك لتبقى".يرى بعض المحللون إن عُمان تشترك مع سوريا، وقطر إلى حد ما، في النظر إلى إيران على إنها حليفاً مهما، سياسياً واقتصادياً، ويحتمل أن تحصل نتائج خطرة جدا على تجاهل عدم التعامل مع إيران كحليف استراتيجي،ويتذرع العُمانيون بأن الخلاف بين دولة الإمارات العربية المتحدة وإيران حول الجزر الثلاث المتنازع عليها في الخليج العربي وحالة العداء الخفي لم تمنع وصول حجم التبادل التجاري السنوي بينإيران ودولة الإمارات العربية إلى عدة مليارات من الدولارات. ونادرا ما تذكر سلطنة عُمان في الأخبار رغم الدور المحوري الذي تلعبه نتيجة لقربها من كل الأطراف، لكنها تفضل أن تظل وراء الكواليس.وعُمان ذات نظام الملكية المطلقة، قاد حاكمها السلطان قابوس بن سعيد منذ عام 1970 حركة عززت النهج الدبلوماسي الذي يعطي شعبه حالة فريدة من وجود علاقات وثيقة مع كل من إيران والولايات المتحدة الأمريكية. وقد تمكنت عمان في بعض الأوقات أن تكون بمثابة الوسيط بين البلدين، رغم حديث الكثيرين عن ترك الباب مفتوحا أمام احتمال أن تقوم الولايات المتحدة باستخدام القواعد العسكرية العمانية لانطلاق عملياتها في المنطقة ضد طهران. ورغم اشتراك عمان مع سوريا وقطر في الرؤية حول ضرورة عدم تحويل إيران إلى عدو، إلا أنها لا ترغب مثلهما بدور أكبر إقليميا، وتسعى السلطنة بشكل قوي ومركز على تعزيز استقرارها الداخلي. ويقولالعُمانيون أنهم سيواصلون العمل على استقرار العلاقات مع إيران بسبب طبيعة العلاقات التاريخية بينهم؛ لأنهم يدركون أنه لا يمكن بسهولة تجاوز أمة حضارية قامت تاريخيا بقربهم وتعاملوا معها مرارا، ولهذا يفضل العمانيون أن تكون إيران شريكا تجاريا هامافي الوقت الحالي وللأجيال القادمة. وكمؤشر واضح لهذا التعاون بين البلدين ساعدت سلطنة عُمان المهربين الإيرانيين في تهريب البضائع تحايلا على العقوبات التجارية الدولية المفروضة على إيران، ويتم التهريب عادة في الطرف الجنوبي من شبه جزيرة مسندم العُمانية. أدت العوامل الاقتصادية دوراً مهماً في إيجاد نوع من التقارب بين عُمان وإيران، فسلطنة عُمان تواجه عجزاً في الميزانية يتزايد عاما بعد آخر، ويرجع ذلك جزئيا لانخفاض عائدات النفط، وهي تستخرج نفطا أقل بكثير عما يستخرجه العديد من جيرانها، نتيجة لذلك تسعى عُمان إلى توفير العائدات الهامة عن طريق تنويع اقتصادها،لذلك تحرص سلطنة عُمان على البحث عن تحقيق مصالحها الاقتصادية من خلال التفاهم والتوافق مع إيران، وعدم الاشتراك في نظام العقوبات المفروض عليها،ومعارضة مبدأ استبعادها وعزلها.وهذا ما يجعل عُمانتسمح للمهربين بالعمل على تهريب البضائع إلى إيران، ففي كل صباح تقبع قوارب التهريب السريعة متجاورة على طول ثلاث أرصفة صغيرة في مسندم، مباشرة بجانب وأمام أنظار مراكب الشرطة العُمانية الكبيرة التي تَقوم بدوريات مستمرة في منطقة التهريب البحرية.- طبيعة العلاقات العُمانية- الأمريكية: كانت عُمان أول بلد خليجي يرتبط بمعاهدة صداقة وتجارة مع الولايات المتحدة الأمريكية عام 1833، وانحصرت العلاقات العُمانية الأمريكية حتى الحرب العالمية الأولى بالجوانب التجارية و السياسية، وكانت هذه العلاقات بين المد والجزر، فسياسة العزلة التي سارت عليها الولايات المتحدة في بعض فترات هذه المرحلة من العلاقات أدت إلى عدم تطورها في الجانب التجاري، وهذا انعكس على مستوى العلاقات الدبلوماسية، لذلك رأت حكومة الولايات المتحدة إغلاق القنصلية في مسقط إبان تلك الحقبة. ومنذ الثلاثينات من القرن الماضي دخلت العلاقات العُمانية الأمريكية في مرحلة جديدة واكبت تسلم السلطان سعيد بن تيمور الحكم في السلطنة، وذلك لوجود الرغبة لدى الطرفين في تقوية وتطوير تلك العلاقات، وأصبحت لدى السلطان سعيد بن تيمور الرغبة للاتصال المباشر مع الأمريكيين، وتمثل ذلك بالزيارة المشهورة التي قام بها السلطان للولايات المتحدة عام 1938. ثم بدأت الولايات المتحدة الأمريكية بالتحرك نحو تقوية صلاتها بالخليج العربي بشكل عام وعُمان بشكل خاص لظهور عنصر جديد وهو النفط، وقد شكل إمكانية وجود النفط في عُمان مصلحة هامة للولايات المتحدة، كما أن موقع عُمان الاستراتيجي أظهر أهميتها في الحرب العالمية الثانية، مما دفع الولايات المتحدة أن تجري مفاوضات مع سلطان مسقط وعُمان لأجل الحصول على التسهيلات العسكرية، واستمرت حاجة الولايات المتحدة لعُمان حتى ما بعد الحرب مباشرة، ودخل على موضوع العلاقات بين الطرفين حاجة سلطان مسقط وعُمان للسلاح من أجل مواجهة المشكلات الداخلية في عُمان وكانت هذه الحاجة قد أعطت دفعة قوية لتنمية العلاقات بين الطرفين. ولم تكن بريطانيا، القوة الرئيسة المهيمنة على الخليج العربي وأقطاره ومنها عُمان، في ذلك الوقت، غائبة عن مسرح هذه العلاقات، وكانت الولايات المتحدة تدرك تلك الهيمنة والصلات القائمة بين السلطة الحاكمة في عُمان والحكومة البريطانية، لذلك كانت الولايات المتحدة تضع بريطانيا دائماً في صورة ما تقوم به من إقامة علاقات مع عُمان أو ما تقوم به عُمان من طرفها. كانت بريطانيا تمثل عائقاً رئيسياً في تقوية العلاقات العُمانية الأمريكية، وتحد من تطورها، وكانت تدخلاتها أحياناً تربك هذه العلاقات وإذا كانت بريطانيا قد غضت الطرف أحياناً عن ذلك، فقد كان ذلك ناجماً عن سياسة تقوم على أساس عدم المس بمصالحها في منطقة الخليج العربي التي كانت من وجهة نظرها تنظر إليه كوحدة واحدة، ولكن مجرى الأحداث والتطور الزمني في حركة التاريخ لم يكن في صالح بريطانيا، وهذا ما قوّى العلاقات بين عُمان والولايات المتحدة. قدمت سلطنة عُمان تسهيلات عسكرية للقوات الأمريكية العاملة في منطقة الخليج العربي باستخدام المرافئ والمطارات العُمانية حسب الاتفاقية التي أبرمتها مع الولايات المتحدة في حزيران/ يونيو سنة 1980، كما أن الاتفاقية أتاحت إقامة منشآت في جزيرة مصيرة والثمريات والسيب لاستخدام سلاح الجو الأمريكي فضلاً عن منشآت أخرى لقوات البحرية الأمريكية.أن الروابط العسكرية بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي الست كانت تتركز في توفير التسهيلات العسكرية المحدودة والمؤقتة، إلا ان اندلاع حرب الخليج الثانية (1990-1991) شكل تحولاً نوعياً في هذه الروابط فتخلى الطرفان عن مفهوم الوجود العسكري "المستتر" وتم نشر القوات الأمريكية على أراضي دول الخليج على نطاق واسع وإقامة قواعد عسكرية وتجهيزات شبه دائمة. وكان لأحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001 أثرها في إحداث تحول آخر في الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة إذ غدا ذلك الوجود أكثر عدداً وأوسع انتشاراً، فالولايات المتحدة عندما شرعت في غزو أفغانستان في سنة 2001، قدمت كل دول الخليج التسهيلات اللازمة للعمليات الأمريكية وخصوصاً سلطنة عُمان وقطر والبحرين والسعودية.وفي أيلول/ سبتمبر من العام 2011، نجحت عُمان في مساعيها للإفراج عن ثلاثة سجناء أمريكيين في إيران متهمين بالتجسس كانوا قد احتجزوا في تموز/ يوليو من العام 2009، بعد دخولهم الأراضي الإيرانية من جهة الحدود العراقية.أن أمن منطقة الخليج العربي قضية جوهرية تهم قوى إقليمية مثل إيران وقوى دولية كالولايات المتحدة الأمريكية،لذلك من الضروري أن تحاول عُمان الموازنة بين علاقاتها مع إيران والولايات المتحدة الأمريكية مع ضرورة الإدراك لحجم المتغيرات الجيو- بوليتكية المتوقعة. ومن جانب آخر فأن المواقف الأمريكية تجاه حركات التغيير التي شهدتها المنطقة العربية خلال العام2011 برهنت على ان الولايات المتحدة الأمريكية لا تتردد في تغيير توجهاتها والتزاماتها تجاه الأنظمة الحليفة عندما تفقد تلك الأنظمة سيطرتها على الأوضاع الداخلية جراء رفض شعوبها لها بشكل واضح وشامل. ذكرت كوندوليزارايس CondoleezzaRice،وزيرةالخارجيةالأميركية السابقةفيخطابألقتهفيالجامعةالأميركيةبالقاهرة في العشرين من حزيران/ يونيو2005: "سعتالولاياتالمتحدةعلىمدى (60)عاماً من سياستها في هذه المنطقةإلىتحقيقالاستقرارعلىحسابالديمقراطية… ولمتحققأيمنهما. والآن،أصبحنانتخذمساراًمختلفاً. إنناندعمالطموحالديمقراطيلجميعالشعوب".خاتمة واستنتاجات من خلال دراسة الظروف السياسية المعاصرة لسلطنة عُمان، سواء الداخلية منها، أو المحيطة بها إقليمياً وعالمياً، ومن خلال تفحص العوامل المؤثرة في هذه الظروف، التاريخية والإجتماعية والإقتصادية، تتبين لنا خصوصية التجربة السياسية العُمانية التي تميزها عن باقي دول مجلس التعاون الخليجي، وان المعايير المشتركة التي يمكن من خلالها فهم وقياس الأوضاع في جميع الدول الخليجية قد لا تكون ملائمة للتطبيق في الحالة العُمانية. وان هذا التباين ناتج من الأرث التاريخي والسياسي والثقافي، فضلاً عن التنوع الفكري والاجتماعي الذي تنفرد به سلطنة عُمان عن باقي دول مجلس التعاون.وتوصلت المقالة إلى مجموعة من الإستنتاجات، أبرزها:-1- أدت الدعوة الأباضية دوراً مهماً في تشكيل التاريخ السياسي الحديث لسلطنة عُمان، ولازالت المضامين الفكرية لهذا المذهب تؤثر في توجهات السياسة العُمانية المعاصرة، المحلية والإقليمية.2-عدم تناسب سياسة الحياد المفرط في التحفظ والعزلة التي تتبعها السلطنة في الوقت الحاضر وموقع عًمان الحالي في التفاعلات الإقليمية والعالمية مع المكانة السياسية والعسكرية والحضارية التي كانت يتمتع بها هذا البلد طوال القرنين ال