19 سبتمبر، 2012
الحراك السياسي والشعبي في الأردن في ظل قضايا الفساد وتبدل الحكومات
د. فواز موفق ذنونمدرس/ مركز الدراسات الإقليمية / جامعة الموصل يعيش الأردن حالة من عدم الاستقرار السياسي الناجم عن التغيير المستمر للحكومات التي تتشكل لقيادة دفة الحكم لفترات مستمرة مما انعكس سلبا على أداء الدولة وبنيتها السياسية والاقتصادية على حد سواء . فخلال السنوات الثلاث الأخيرة ، تم تشكيل أربع حكومات أردنية بدءا من حكومة سمير الرفاعي مرورا بحكومة معروف البخيت وحكومة عون الخصاونة وانتهاءا بحكومة فيصل الطروانة ، ولم تستطع تلك الحكومات التعامل مع قضايا ومشاكل البلاد الداخلية والخارجية في ظل تصاعد ظاهرة الفساد السياسي والمالي الذي خلف عجزا مستمرا في ميرانية الدولة الأردنية مما دفعا بالتالي إلى تقديم استقالتها بعد أشهر قليلة من تكليفها . وتقف أسباب أخرى وراء التغيير المستمر في الحكومات الأردنية ، وهذه الأسباب تتعلق بطبيعة الشخصيات التي يتم اختيارها لتشكيل الحكومات وهي دائما ماتكون مقربة من النظام السياسي الأردني وأصبحت هذه السمة البارزة في معظم أنظمة الحكم العربية ، فضلا عن أسباب أخرى تتعلق بضعف الرقابة التشريعية وقوة نفوذ السلطة التنفيذية ،إلى جانب ضعف الأحزاب السياسية وغياب دور مؤسسات المجتمع المدني في البلاد.وعلى اثر تصاعد حركات التغيير في المنطقة العربية ، سرعان ماانعكست هذه المتغيرات على الساحة الأردنية التي شهدت حراكا سياسيا وشعبيا مطالبا بضرورة اخذ العبر من هذه المتطورات وضرورة القيام بإصلاحات سياسية واقتصادية شاملة.ففي شهري تموز وآب 2012 شهدت العاصمة الأردنية عمان مسيرات خرج الآلاف في مسيرة من المسجد الحسيني وسط العاصمة دعت لها الحركة الإسلامية لاسيماحركة الإخوان المسلمينوتنسيقية الحراكات الشبابية الشعبية ورفع المتظاهرون علما أردنيا كبيرا ويافطات تطالب بإصلاح النظام.وقد تمسكت قوى الحراك الشعبي بمواصلة المسيرات التي تنطلق من أمام المسجدالحسيني كل يوم جمعة مؤكدة في بيان لها أن المطلوب ليس تغيير حكومة بحكومة ورجل برجل بل تغيير النهج و السياسات برمتها و التأسيس لتحولات ديمقراطيةواسعة انطلاقا من دستور عام 1952 تكفل تداول حقيقي للسلطة و فتح ملفات الفساد وتحرير الإرادة العامة من الوصاية و التبعية و الاملاءات الأجنبية السياسية والاقتصادية ،وبرغم هذا الحراك الشعبي واسع النطاق ، يرى المحللون والمتابعون للشأن الأردني على أن الحراك في الشارع الأردني لم يصل في حجمه واتساعه وسقف مطالبه إلى مستوى حراك الشارع في بعض البلدان العربية، ويصنف هؤلاء المحللون هذه الحراكات بثلاث اتجاهات هي أولا :يرى أصحاب هذا الاتجاه أن التحركات التي يشهدها الشارع الأردني "تبلورنفسها ضمن خصوصياتها الوطنية" بوصفها انتفاضة ضد النخب الحاكمة وفسادهاونهجها في الإثراء للأقلية والإفقار والتهميش للأغلبية"، ثانيا : خلافاً للرأي المذكور، يعتقد خبراء في الشأن الأردني أن "قوى التّغيير لمتصل إلى الدّرجة التي يمكن فيها القول إن الشعب الأردني متفق على قيادةالتحول أو على إنجاز مشروعه التّغيير بمعنى إن المتابع لموجة الاحتجاجات العامة التي وقعت في الأردن في الفتراتالأخيرة سيلاحظ دون شكّ أنّها لم تكن تستند إلى دعم شعبيّ يمكن فيه القولبأنها حركات "شعبيّة"، بل كانت أشبه بتحركات خجولة لبضع مئات أو ألوفيخرجون في أغلبهم لدوافع حزبية بينما القلة منهم تندفع بإرادة ذاتية ، ثالثا : قاطع آراء مؤيدي هذا الاتجاه مع أراء أصحاب الاتجاه الأول في اعتبار الحراكالشعبي الأردني يشكل امتداداً للتحركات المطالبة بالتغيير، لكن ذلك لا يلغي، حسبوجهة النظر الثالثة، إمكانية اعتباره "امتداداً لحركات التغيير في تونس ومصر، التي لم تتكشفْ كل أصدائها وتداعياتها في المنطقة العربية . ويؤكد الباحث الدكتور امجد شموط في تحليله لإبعاد الحراك الشعبي الأردني بان الحراك عليه أن يدرك حقائق مهمة قد تكون غائبة عن وعيه السياسي وهذه الحقائق هي انبعض الحراكات الشعبية ترفع شعارات لا تعي مضامينها وشعارات غير قابلة للتحقيق أو تتنفذ وربما في المرحلة الحالية ، وربما آخرين يحاولون استنتاج أو استيراد نماذج أو تجارب من الخارج إما يحسن فيه أو بأجندات مشبوهة أو على الأقل خاصة فضلا عنإن هناك عدم فهم أو تأخر في فهم التحول الديمقراطي الذي ساد في المنطقة بفضل الثورات العربية ، كما أن قواعد اللعبة السياسية تغيرت ، حيث ظهرت قوى وقيادات ناشئة ممن هم يمثلون الحراكات الشبابية يجب استيعابهم في اللعبة السياسية من خلال توسيع باب المشاركة السياسية والديمقراطية فربما يكونوا من أكثر الفئات المؤثرة والفاعلة على الساحة الأردنية ، بالإضافة الى ضرورة عقد مؤتمر وطني لجميع كافة ( القوى السياسية والأحزاب والحراكات الشعبية والشبابية والأكاديمية والنقابات ) برعاية ملكية باعتبار أن الملك محل إجماع وثقة لجميع الأردنيين وضمانة للإصلاح ، يتم من خلاله الخروج بتوصيات توافقية قابلة لتحقيق والتنفيذ وضمن الإمكانيات الأردنية في جميع القطاعات ( الاقتصادية ، السياسية ، والاجتماعية ) ووفقا ً لخارطة طريق زمنية فهذا هو إنجاز عظيم يتم من خلاله اختزال وتنسيق الجهد المتغير ( العام والمدني ) من أجل تحقيق المصلحة الوطنية العليا للدولة الأردنية .ويبقى السؤال المطروح دائما أين الملك من كل مايجري اليوم في الشارع الأردني ؟ إذ يرى المراقبون أن رهان الملك عبد الله عاهل الأردن على أن الأردن "مختلف" وان المظاهرات ضعيفة قد لا يكون في محله. فالبلد الذي يعتمد على المعونات والمساعدات الأمريكية والأوروبية والسعودية، ، يعاني أزمة اقتصادية عميقة وبطالة تزيد عن المعدل الرسمي المعروف وهو 30 في المئة وينقل أيان بلاك الصحفي في جريدة الغارديان البريطانية أراء متناقضة حول مدة جدية الملك الأردني في الإصلاح، مقابل الحفاظ على الوضع الراهن مع تصور أن حركات التغيير العربية أخذت في الانحسار.وفي نفس السياق أصدرت جماعة الإخوان المسلمين هناك ما يمكن وصفه بأشد بيان سياسي صدر عنها منذ انطلقت حركات التغيير العربية ،وفي هذا البيان اتهمت الجماعة النظام السياسي وليس الحكومة كما جرت العادة بالسعي إلى فرض الوصاية الأمنية والسياسية على إرادة الشعب الأردني وتغييب الإرادة السياسية نحو الإصلاح الجذري مؤكدة غياب الإرادة الحقيقية للإصلاح لدى النظام الحاكم.ووفق ماسبق نجد أنفسنا أمام سؤال ربما سوف تجيب عن تفاصيله قادم الأيام وهو مامستقبل الحراك الشعبي في الأردن ؟وربما يجيب عن هذا السؤال في انتظار بقية تفاصيله الكاتب الأردني ناهض حتر الذي يراهن على قوة الشعب في التغيير القادم ولن تستطيع الحكومات إجبار الشعب الأردني على تناسي فكرة التغيير والإصلاح ، بينما الكاتبة السياسية ساندي أبو سيف تقول استطاع النظام في الأردنّ أن يحافظ على شكل من أشكال الاستقرار في العلاقةبين مؤسسة الحكم وبين الشعب، حيث لم تسجل حركات احتجاجية واسعة أو ذاتتأثير واسع يمكن أن توسم بالانتفاضة الشعبية وذات تأثير محدود على صناع القرار الذي لن يعمل على تغيير سياساته"بقي أن نقول أن الشعب الأردني هو من سوف يختار الطريق الذي بدأه في مسيرة المطالبة بالإصلاح والتغيير فهل سوف يستطيع الأردنيين أن يجبروا حكوماتهم على الرضوخ لهم وإحداث التغييرات السياسية والاقتصادية المنشودة ؟هذا ماسوف نعرفه ونحن نترقب مستجدات الحراك السياسي والشعبي في جارتنا الغربية .مصادر المقالة1- فواز موفق ذنون ، الأردن والحكومات المتعاقبة ، نشرة متابعات إقليمية ، ع (2) 2006.