الصومال … انتخابات 2012 … وحكومة جديدة واستمرار الصراع
د. عبدالرزاق خلف محمد الطائي
مدرس/ قسم الدراسات السياسية والإستراتيجية
مركز الدراسات الإقليمية / جامعة الموصل
تعد الانتخابات البرلمانية الصومالية في آب/ اغسطس2012 مرحلة حاسمة في احلال السلام في ارجاء البلاد فقد نجح الصوماليين بانتخاب 275 نائب ليشغلوا مقاعد البرلمان في الصومال الذي شهد على مدار أكثر من عشرين عام حرب أهلية ، ونتيجة للأوضاع الأمنية المضطربة التي تعيشها البلادبقي مكان انعقاد الجلسة الأولى للبرلمان الجديد سرياً ، حتى ساعات قليلة قبل موعد الجلسة ، إلى أن وقع الاختيار على ساحة داخل قاعدة لقوات الاتحاد الأفريقي في مطار مقديشو الدولي المحصن، ولان الساحة أعدت على عجل لجأت قوات الاتحاد الإفريقي إلى إضاءة المكان باستخدام أضواء الشاحنات والمدرعات التابعة لها. وسط إجراءات أمنية مشددة تحت حماية قوات الاتحاد الإفريقي وقوات الجيش والشرطة الصوماليتين . وقد أدى مائتان واحد عشر عضواً في البرلمان الصومالي من أصل مائتين وخمسة وسبعين القسم أمام رئيس المحكمة العليا، واختير أكبر الأعضاء سناً وهو الجنرال المتقاعد موسى حسن عبد الله (72 عاما) لإدارة الجلسات حتى انتخاب رئيس للبرلمان.
وبعد نحو ثلاثة أسابيع استطاع أعضاء البرلمان أواخر شهر آب / أغسطس 2012من انتخاب محمد عثمان جواري رئيساً للبرلمان ولمدة أربع سنوات بعد أن تنازل منافسه الرئيس الدكتور علي خليف غليز عن منافسته في الدورة الثانية من التصويت. ليدخل الصومال عهداً جديداً.
انتخاب رئيس الجمهورية
انتخب البرلمان الصومالي في10/9/ 2012 حسن شيخ محمود رئيساً جديداً للصومال ، اذ حصل الأستاذ الجامعي حسن شيخ محمود (56 عاماً) على 190 صوتاً في الدورة الثانية من الانتخابات، متغلباً على الرئيس المنتهية ولايته شريف شيخ احمد الذي حصل على 79 صوتاً، وانسحب المرشحان رئيس الوزراء المنتهية ولايته عبد الولي محمد علي وعبد القادر اوسوبلي من الدورة الأولى من الانتخابات لاختيار رئيس وهو ما يشكل نهاية لعملية سياسية طويلة رعتها الأمم المتحدة بهدف إخراج الصومال من عقدين من الحروب الأهلية والفوضى ، وحسن شيخ محمود مرشح غير معروف ينحدر من قبيلة هاويي مثل شريف شيخ احمد ، ويقول محللون انه شارك بشكل كبير في عمل المنظمات الأهلية،وهو أكاديمي وناشط سياسي ومدني عمل مع العديد من منظمات السلام والتنمية المحلية والدولية.
وبعد تولي الرئيس الصومالي الجديد حسن شيخ محمود بيومين تبنت حركة الشباب محاولة اغتياله ، اذ أعلن المتحدث باسم حركة الشباب الصومالية شيخ علي محمود رجي مسؤولية الحركة عن التفجيرين اللذين استهدفا في 12/9/2012 مقر الرئيس الصومالي الجديد حسن شيخ محمود ، ونقل راديو هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) ، عن رجي قوله (( نحن مسئولون عن الهجوم على ما يسمى الرئيس وأضاف نجحت الحركة في استهداف فندق قرب المطار في العاصمة مقديشو حيث كان يعقد اجتماع رفيع المستوى هناك)) ، اذ تعارض حركة الشباب الصومالية انتخاب حسن شيخ محمود رئيساً، وتعد الدول الغربية قد تدخلت في عملية انتخابه.
و بعد هذه المحاولة الفاشلة استطاع الجيش الصومالي إلى جانب القوات الكينية مهاجمة مرفأ كيسمايو في نهاية ايلول/ سبتمبر2012 آخر معقل" لحركة الشباب المجاهدين " الصومالية ، وقال الناطق باسم "حركة الشباب" علي محمد راغ لوكالة فرانس برس ((إن القيادة العسكرية لحركة الشباب أمرت بانسحاب تكتيكي من كيسمايو )). وبخسارتهم كيسمايو، يفقد الشباب الذين يقاتلون منذ العام 2007 السلطات الصومالية الضعيفة المدعومة من المجموعة الدولية، المنفذ الاقتصادي الذي صدروا منه في السنوات الأخيرة الفحم الخشبي وتسلموا من خلاله الأسلحة عبر المحيط الهندي ، وكانت كيسمايو آخر معقل مهم تسيطر عليه حركة الشباب الذين اضطروا في البداية إلى التخلي عن مواقعهم في العاصمة مقديشو في آب /اغسطس2011 ثم خسروا المدن الواحدة تلو أخرى التي كانوا يسيطرون عليها في وسط وجنوب البلاد ، بسبب التقدم المشترك الذي أحرزه الجيش الصومالي الضعيف المدعوم بقوة الاتحاد الأفريقي (اميصوم) والذي يبلغ عددهم 17 ألف جندي بالإجمال ،وفرقة من الجنود الإثيوبيين.
الحكومة الصومالية الجديدة
بعدانأعلن رئيس الوزراء الصومالي الجديد عبد فارح شردونفي4تشرين الثاني/ نوفمبر 2012 عن التشكيلة الوزارية للحكومة الجديدة تبينأنها اصغر تشكليه حكومية في تاريخ البلاد ، اذ تتكون الحكومة من 10 حقائب وزارية ، وتولت اثنتين منها سيدتان ، إذ أسندت وزارة الخارجية لأول مرة في تاريخ الصومال إلى السيدة فوزية يوسف حاج آدم التي تشغل في الوقت نفسه منصب نائب رئيس الوزراء.كما تشغل مريم قاسم حقيبة التنمية والخدمة الاجتماعية.
ويمكن رصد ملاحظة مهمة على ذلك وهي ان تشكيل حكومة بهذا العدد من الوزراء يحمل دلالات سياسية ويبعث رسالة فحواها ان المرحلة الجديدة التي دخلتها البلاد تتطلب تغييراً جذرياً يمس حتى التشكيلات الحكومية . لكن في المقابل تقليل عدد الوزراء بالحكومة الجديدة سيزيد من أعباء الحكومة الحالية، ويلقي على كاهل الوزراء الجدد مسؤوليات جسيمة تفوق قدراتهم ولا يستطيعون تنفيذ مهامها المطلوبة . كما ان غياب تمثيل قوي لبعض الكيانات التي تتمتع بالثقل السياسي سوف يزيد من تذمرها من تشكيل الحكومة المصغرة وسينعكس ذلك على الوضع في الصومال بعامة ، وخاصة في ظل عدم مراعاة سياسة "التوازنات القبلية" عند اختيار التشكيلة الوزارية، كما كانت تفعل الحكومات المتعاقبة خلال المدة الانتقالية الماضية ، لأن هذه السياسة كانت تهدف لتوسيع رقعة المشاركة، لضمان تأييد الكيانات الصومالية المختلفة ضمن مشروع وفاق وطني يشارك فيه الجميع ، حسب قول النائب بالبرلمان الصومالي ووزير الخارجية سابقاً عبدالله الشيخ إسماعيل .
لذا على الحكومة الصومالية الجديدة اخذ تقرير الأمم المتحدة عن التنمية البشرية في الصومال لعام 2012 على محمل الجد في معالجة الوضع الرهن ولضمان المستقبل ،اذ قدم التقرير رؤية لمستقبل الصومال تركز على بناء السلام والانتعاش الاقتصادي ، والذي يرتبط بدرجة كبيرة بتمكين القطاع الكبير من الشباب الذي يمثل 43 في المئة من عدد السكان. إذ اعتمد تقرير التنمية البشرية في الصومال لعام 2012 والذي أصدره صندوق الأمم المتحدة الإنمائي تحت عنوان ((تمكين الشباب من اجل السلام والتنمية)) على عمليات مسح شملت أكثر من ثلاثة الاف أسرة في جنوب وسط الصومال ومنطقتي بلاد بنط وارض شمال الصومال، وحذر التقرير من ان الشباب الصومالي يشعر بأنه مسلوب القوة بسبب العديد من الحواجز الهيكلية سواء فيما يتعلق بالعائلة والمؤسسات والحكومات المحلية والمجتمع ككل ، وقال التقرير ان استبعاد الشباب وسخطهم ومشاكلهم يمثل وقوداً لاضطراب الأوضاع في البلاد منذ انهيار الحكومة المركزية في أوائل التسعينات ، بعد ان فشلت 15 محاولة حسنة النية للمصالحة وإحلال السلام.
وكشف التقرير ان 73% من الصوماليين يعيشون بأقل من دولارين في اليوم ويفكر60% من الشباب في الهجرة من البلاد بحثاً عن فرص حياة أفضل، وأضاف التقرير ان استراتيجيات خفض الفقر وبناء السلام ينبغي ان تعمل أيضا على تقليص الفوارق في التمكين الاجتماعي والاقتصادي والسياسي التي تولد السخط وتزيد احتمال الصراع ، وحذر من ان عوامل الصراع والفقر وضعف التنمية يعزز بعضها بعضاً ولابد لأي تدخل مستقبلي من فهم أفضل للاقتصاد السياسي والتفاعلات القبلية والاجتماعية.
ومن الملاحظ ان الأوضاع في الصومال وخاصة السياسية تتحكم فيها أجندات إقليمية ودولية ،متمايزة و متداخلة في الوقت نفسه فالاهتمام الإقليمي يركز على امن الحدود بينما يركز الاهتمام الدولي على قضايا القرصنة ومكافحة الإرهاب، ووسط هذه الأجواء يحدث تجاوز لقضيتي امن الشعب الصومالي نفسه واستقراره. وحسب ما كشف التقرير أيضاً يبلغ معدل البطالة في الصومال 54 % لدى أبناء الشريحة العمرية من 15 سنة إلى 64 سنة ويصل المعدل لدى الشباب من سن 14 إلى 29 سنة إلى 67 % وهو من أعلى المعدلات في العالم.ويبلغ معدل البطالة لدى النساء 74 % مقابل 61 بين الشبان.
وأشار التقرير إلى ان الصومال واحد من أسوأ الدول في العالم فيما يتعلق بانتهاك حقوق المرأة ويصنف في المركز الثاني بعد أفغانستان كأسوأ دولة في العالم فيما يخص النساء. و يمثل الأطفال والنساء ما بين 70 و80 % من اللاجئين والنازحين داخلياً في الصومال.وحذر التقرير من ان استمرار تجاهل الواقع الحالي في الصومال يهدد بكارثة لن تقتصر على الصومال وحده وإنما ستمتد أثارها إلى كل العالم من خلال استمرار تضخم الجماعات المسلحة . وأشار التقرير إلى ان الشباب في الصومال يمثلون بالفعل اغلب المشاركين في الميليشيات والجماعات المسلحة بما فيهم حركة الشباب. لذا لابد من تحرك جريء وسريع يجعل الشباب في مركز عملية إعادة السلام والتنمية في الصومال .
وختاماً لابد من الإشارة إلى الآتي :
_ ان الصراع لم ينته بعد في الصومال ،اذ تقاتل حركة الشباب الحكومة الصومالية بل حتى أعضاء البرلمان الصومالي المنتخب ، وبالرغم انحسار الحركة عسكرياً إلا انها تشن هجمات انتحارية واغتيالات سياسية بين الحين والاخربحق من يشارك في الحياة السياسية الصومالية الحالية .
_ ان أمن الصومال بيد قوات حفظ السلام الأفريقية (اميصوم ) وهذه القوات هي المسؤولة عن امن العاصمة الصومالية مقديشو ، لذا لابد من تقوية الجيش الصومالي الضعيف والشرطة وتوسيعهما بحيث تضم مختلف أطياف المجتمع الصومالي .
_ ان الانقسام الاجتماعي والسياسي والأيدلوجي مازال موجودا في الشعب حيث ان الأقاليم الشمالية الغربية مازالت تصر على مبدأها الانفصالي والأقاليم الشمالية الشرقية تطالب بمنح مزيد من الحكم الذاتي والحقوق الاقتصادية والسياسية ، لذا لابد من تأسيس أحزاب وطنية لها تمثيل في كل الأقاليم ويتكون أعضائها من مختلف الأعراق والطوائف .
و من الأمور الايجابية التي ينبغي الإشارة أليها هو ان انتخاب الرئيس الصومالي الجديد داخل البرلمان الصومالي هو أمر جديد خلافاً للمؤتمرات السابقة التي كانت تعقد في العواصم المجاورة.
المصادر المعتمدة
1_ تقرير الأمم المتحدة عن التنمية البشرية في الصومال لعام 2012 والذي أصدره صندوق الأمم المتحدة الإنمائي تحت عنوان ((تمكين الشباب من اجل السلام والتنمية)) .
2_ مجموعة أخبار عن الصومال نقلاً عن قناة بي بي سي بالعربية (BBC) الإخبارية.
الصومال انتخابات 2012 وحكومة جديدة واستمرار الصراع
د. عبد الرزاق خلف محمد الطائي
مدرس/ قسم الدراسات السياسية والإستراتيجية / مركز الدراسات الإقليمية / جامعة الموصل
مستخلص
مرت الصومال خلال العشرين سنة الماضية بحرب أهلية والعديد من الحكومات الانتقالية وعدم وجود سلطة مركزية ، فهل تفتح الانتخابات البرلمانية في عام 2012 و الحكومة الجديدة مرحلة حاسمة في احلال السلام في أرجاء البلادفي ظل استمرار الصراع بين الحكومة وحركة الشباب المسلحة في الصومال .
Somalia2012 elections and a new government and the ongoing conflict
Abstract
By : Dr Abdulrazzaq KH. Mohammed Al-Taee
Somalia has passed, during the past twenty years, through a civil war, many transitional governments and no central authority. Would the new parliamentary election and the government bring a decisive stage and peace into being all over the country under the continuous conflict between government and the armed movement of AL – Shabab in Somalia.