4 مارس، 2014
المنظومة الفكرية العربية والقضية الفلسطينية جدلية السبب والنتيجة
صدر عدد جديد من نشرة تحليلات سياسية في عددها السادس في شباط 2014 والتي تضمن مقالة للباحث فارس تركي محمود حول (المنظومة الفكرية العربية والقضية الفلسطينية جدلية السبب والنتيجة)فارس تركي محمودجامعة الموصل / مركز الدراسات الإقليمية / قسم السياسية والإستراتيجية مما لا شك فيه أن المنظومة الفكرية لأي شعب من الشعوب هي السبب الأساس والعامل الحاسم في تقدم أو تقهقر هذا الشعب، وهي المسؤولة عن نجاحه أو فشله في تحقيق أهدافه وطموحاته وفي حل مشاكله ومعالجة قضاياه، وفي قدرته على تبني مشاريع تحررية أو تنموية أو وحدوية وتحويلها إلى واقع ملموس، وهي المسؤولة عما ينتجه من ثقافة وأفكار ورؤى ومسلمات وعادات وتقاليد، وهي التي تحدد مدى قدرته أو عجزه عن المنافسة والتنافس مع الشعوب الأخرى أو التناغم والانسجام مع المنظومة العالمية بشكل عام، وهي الإطار العام الذي يحكم أفعاله وردود أفعاله ويشكّل خارطة وعيه وعقله الجمعي. إذاً فان المنظومة الفكرية هي المصنع وما الشعب إلا إحدى منتجاته وبذلك تكون تلك المنظومة هي القضية المركزية للشعوب فإذا صلحت واستقامت صلح كل شيء وإذا تدهورت تدهور وتعثر كل شيء. وإذا ما طبقنا هذه المقولة على المنطقة العربية لخرجنا بنتيجة مفادها أن قضية العرب المركزية ليست فلسطين بل هي منظومتهم الفكرية، فكل الإخفاقات والنكسات والهزائم والاضطرابات والتوترات التي شهدها ويشهدها العرب في فلسطين والعراق وسوريا ومصر ولبنان والسودان وغيرها من البلدان العربية ما هي إلا نتاج لتلك المنظومة، وتبقى القضية الفلسطينية – بكل ما تختزنه من مرارة وآلام وانكسارات وشعور بالعجز والهوان – المنتج الأبرز لها أي للمنظومة الفكرية العربية، كذلك تبقى هذه القضية بمثابة مقياس دقيق يمكن به ومن خلاله قياس مدى فاعلية تلك المنظومة ومدى نجاحها أو فشلها في صراعها ضد المشروع الإسرائيلي، ومعرفة أين أصبحت والى أين انتهت الشعارات التي رفعها العرب عند بدء هذا الصراع، وكيف أصبحوا اليوم يطالبون بالنزر اليسير ولا يحصلون عليه، وكيف تحولت القضية الفلسطينية من قضية مركزية إلى قضية شبه هامشية نشاهد فصولها وأحداثها على شاشات التلفاز بدون أن نحرك ساكنا، بل وأحيانا بدون أن نحس بأنها تخصنا. ولسنا هنا بصدد محاكمة المنظومة الفكرية العربية محاكمة أخلاقية، كذلك لسنا بصدد تقييمها أو توصيفها أو إطلاق مسميات عليها سواء بالسلب أو الإيجاب، لكننا نحاول أن نعرف مدى قدرة هذه المنظومة على إنتاج استجابات عقلانية ومنطقية للتحديات التي تواجهها، وهل تستطيع أن تنتج مشروعا عمليا وقابل للتطبيق ينافس المشروع الصهيوني ويتحداه؟ فالصراع بين الأمم والشعوب ليس صراعا بين الخير والشر وليس صراعا بين الحق والباطل بل هو صراع بين مشاريع والمشروع الأقوى والأقدر على البقاء والمنافسة هو الذي ينتصر ويفوز في النهاية بغض النظر عما إذا كان هذا المشروع مبرر أخلاقيا أم لا، فكونك على حق لا يعني انك ستنتصر وكونك على باطل لا يعني انك ستخسر، لكنك ستنتصر إذا خططت بشكل جيد وعملت على تنفيذ ما خططت له، وستخسر إذا خططت بشكل سيء أو لم تخطط أصلا وتصرفت بشكل عشوائي ووفقا لردود الأفعال العاطفية والمواقف المرتجلة. وقدرة أو عدم قدرة أي شعب على التخطيط بشكل جيد والتنفيذ بشكل جيد ليست مسألة خيار أو قرار يتخذه ذلك الشعب في وقتٍ أو ظرفٍ بعينه بل هو مرتبط ارتباطا لا انفصام له بمنظومته الفكرية. قبل قرن من الزمن أي في بداية القرن العشرين كان هناك مشروع قومي عربي في طور التبلور والنضوج وكانت كل الظروف والمؤشرات تؤكد إمكانية أو حتمية نجاح هذا المشروع فالعرب كأمة كانوا موجودين بالفعل وليسوا فكرة تم اختلاقها، ويقطنون أرضا بعينها تمتد من المحيط إلى الخليج، والقواسم المشتركة بينهم أكثر من أن تعد، والنوايا كانت أكثر من صادقة والحماسة كانت أكثر من كافية، ومن الناحية الأخلاقية كان المشروع مبرر جدا، ولكن ما الذي تحقق على ارض الواقع بعد قرنٍ من الزمن. عند خط الشروع أي في بداية القرن العشرين كان العرب يخططون لمشروع قومي ينتهي بإقامة دولة تضم العرب كلهم أو جلهم، أما اليوم في بداية القرن الواحد والعشرين فجل همهم وأسمى أمانيهم وطموحاتهم أن لا يتقسم العراق أو سوريا أو مصر أو لبنان أو غيرها من الدول العربية بعد أن تقسم السودان وبعد أن ضاعت فلسطين. وبالمقابل وقبل قرن من الزمن أيضا كان هناك مشروع صهيوني لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين يداعب مخيلة عدد من الصهاينة المتعصبين، وكانت كل المؤشرات والظروف تؤكد عدم إمكانية وربما استحالة نجاح هذا المشروع فليس هناك شعب اسمه الشعب اليهودي بل اختلق اختلاقا، وليست هناك ارض بعينها يسكنها اليهود بل هم موزعين في مشارق الأرض ومغاربها، وليست هناك أية قواسم مشتركة بين هؤلاء اليهود باستثناء العقيدة الدينية ، وليس هناك أي تبرير أخلاقي لهذا المشروع بل هو مدان أخلاقيا ويمثل الباطل بعينه، ولكن ما الذي تحقق على ارض الواقع بعد قرن لقد نجح المشروع الصهيوني نجاحا كبيرا وتحول إلى حقيقة ماثلة للعيان تقض مضاجعنا ليل نهار. فأي المشروعين كان حقاً وأيها كان باطلاً ؟ ومن الذي نجح الحق أم الباطل؟. إن هذه المقارنة تبين بوضوح فشل المنظومة الفكرية العربية في خلق استجابة تتناسب مع حجم التحدي الذي واجهته، وفي عجزها عن تبني مشروع واضح المعالم وقابل للتطبيق، وقد دفع العرب – وما زالوا يدفعون – ضرائب باهضة نتيجة لهذا الفشل والعجز كان أفدحها وأكثرها إيلاما هي فلسطين. نعم منظومتنا الفكرية هي من أضاع فلسطين وإذا ما استمرت تحكمنا وتتحكم بنا ربما سنفقد ما هو أكثر من فلسطين. وهنا سوف نحاول وبشكل موجز أن نحلل ابرز خصائص المنظومة الفكرية العربية وكيف أثرت بشكل أو بآخر في القضية الفلسطينية :1 – يمكن القول أن المنظومة الفكرية العربية أو الفكر العربي بشكل عام – ولأسباب لا يتسع المجال لذكرها هنا – هو فكر يؤمن بالمطلق فالخير لديه خير مطلق والشر كذلك شر مطلق، وكذلك الخطأ والصواب كلاهما مطلقان، لا يرى من الألوان سوى الأسود والأبيض، عدوه عدو دائم وصديقه صديق دائم، لا يؤمن بالحلول الوسط ومفهوم النسبية بعيد عنه وغريب عن تاريخه، حقائقه ومسلماته ثابتة لا تتغير ولا تقبل الجدل والنقاش. وبغض النظر عن تقييمنا لمثل هذا الفكر سواء اتفقنا أو اختلفنا معه، إلا أن فكرا بهذه المواصفات لا يمكنه أن يطرح مشروعا قابلا للتطبيق لان المشروع القابل للتطبيق ينبغي أن يكون بالضرورة مشروعا واقعيا يأخذ معطيات الواقع بنظر الاعتبار، وليس هناك في عالم الواقع شيء مطلق بل كل شيء نسبي قابل للأخذ والرد ويحتمل الخطأ والصواب. لذلك لا يمكن لمنظومة فكرية تتخذ من المطلق منهجا وأسلوبا في التعامل أن تنجح أو تنتج مشروعا ناجحا على ارض الواقع. هذا فضلا عن أن المنظومة الفكرية التي تؤمن بالمطلق لا تترك لمعتنقيها خيارات كثيرة فهي تضعهم في حالة صدامية دائمة مع الآخر – الذي يمثل الشر المطلق -، وبالتالي لا يكون أمامهم سوى خيارين أولهما تدمير وإلغاء هذا الآخر والقضاء عليه بضربة واحدة والى الأبد حتى في حالة انعدام القدرة على القيام بعمل كهذا، وثانيهما تجاهل وتحقير هذا الآخر، والتعلل بالأماني والآمال بأن تحصل معجزة ما تقضي عليه وتريحهم من وجوده، أو الذهاب باتجاه تبني خيارات عدمية وعبثية لا تسمن ولا تغني من جوع. وقد طبق العرب الخيارين في تعاملهم مع القضية الفلسطينية والمشروع الصهيوني، الخيار الأول – الصدامي – تم تطبيقه منذ صدور قرار تقسيم فلسطين عام 1947 وحتى عام 1973 حيث لم يقبل العرب بهذا القرار وقرروا القضاء على الدولة اليهودية بشكل تام وإزالتها من الوجود وخاضوا في سبيل ذلك حروب عديدة. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو لماذا اتخذ العرب هذا القرار ووفقا لأية معطيات؟ وهل كانوا يمتلكون القدرة لتنفيذه؟ وهل كانت الظروف الدولية والإقليمية تسمح بنجاح مثل هذا القرار أو المشروع؟ وهل كان نتيجة لدراسة علمية ومنطقية؟ وباختصار هل كان مشروعا واقعيا قابل للتطبيق على ارض الواقع ؟ والجواب لا فهو لم يكن مشروعا واقعيا ولم يكن نتيجة لدراسة منطقية تأخذ كل المعطيات بنظر الاعتبار. إذا ما الذي دفع العرب لاتخاذ مثل هذا القرار غير منظومتهم الفكرية المبنية على فلسفة المطلق، ونتيجة لهذه الفلسفة تبنى العرب مشروعا غير واقعي انتهى بهزيمتهم العسكرية أكثر من مرة، واستمر هذا الوضع حتى جاءت حرب أكتوبر عام 1973 وما تلاها ليسدل الستار على هذا المشروع الغير واقعي والذي تسبب في زيادة خسائرنا وإخفاقاتنا ولم نجني منه شيء يذكر فيما يخص القضية الفلسطينية. ومنذ عام 1973 وحتى ألان والعرب يدورون في فلك الخيار الثاني فبعد أن عجزوا عن إزالة هذا الكيان من الوجود فضل بعضهم تجاهله وتجاهل خطره على المنطقة والتصرف وكأنه غير موجود، والعمل على التقليل من شانه وتهوين خطره من خلال إطلاق تسميات غير واقعية عليه مثل الكيان الصهيوني، والكيان المزعوم، والدولة المزعومة، وشذاذ الآفاق. وفي الحقيقة إن الدول إذا كانت تقاس باستقرارها السياسي وقدرتها الاقتصادية وقوتها العسكرية وحجم تحالفاتها الخارجية فان المنطقة العربية تضم بالفعل الكثير من الدول المزعومة لكن إسرائيل ليست من بينها. وبعد أن ازداد ضعفنا وظهر بشكل واضح عجز مشروعنا عن مواجهة المشروع الصهيوني التجأنا – في محاولة للتخلص من هذا العبء الذي أثقل كاهلنا – إلى تراثنا الديني نبحث فيه عن أية إشارة تنبأنا ولو من بعيد بان نجاح المشروع الصهيوني هو تقدير الهي وجاء وفقا لخطة ربانية، وإن القضاء على هذا المشروع مرتبط أيضا بتلك الخطة ووفقا لميعاد وتوقيت محدد سلفا، إذا فيما التخطيط وبذل الجهود ما دام الله قد شاء هكذا ولا راد لمشيئته ! ؟.2 – كذلك يمكن القول أن المنظومة الفكرية العربية تعتمد الأسلوب أو المنهج الخطابي البلاغي ألتنظيري البعيد كل البعد عن المنهج التجريبي العملي الذي لا يعترف إلا بما هو متحقق على ارض الواقع ولا يؤمن بشيء ولا يصدق بشيء إلا بعد أن يخضعه للتجربة والتمحيص، وهذا أمر طبيعي جدا بل وحتمي فالمنظومة الفكرية التي تؤمن بالمطلق لا غنى لها عن المنهج الخطابي البلاغي الذي لا تستطيع بدونه أن تسوق أفكارها ورؤاها الغير واقعية من جهة، وتبرر إخفاقاتها وفشلها من جهة أخرى، فالمنهج الخطابي هو بمثابة إكسير الحياة للفكر المطلق لأنه يخاطب المشاعر والغرائز ولا يخاطب العقل والمنطق، ولأنه يثير الناس ويهيجهم بدلا من أن يفهمهم ويوعيهم، ونجاحه لا يعتمد على ذكر الحقائق والوقائع كما هي بقدر ما يعتمد على قدرة الخطيب البلاغية وشطارته في السفسطة وبراعته في الجدل وفي تصوير الأمور على غير حقيقتها. لذلك عندما حلت الكارثة وخسر العرب حرب عام 1948 هرع فكرنا المطلق إلى المنهج الخطابي البلاغي الذي كان عند حسن ظننا كما هو دائما فأسعفنا بوصفة وخلطة غريبة اشتملت على تآمر دولي وإقليمي، وصفقات أسلحة فاسدة، وعملاء في الداخل والخارج وغير ذلك من تبريرات وأعذار، وهكذا خرجنا من المأزق مرتاحي الضمير والقينا بالعبء والمسؤولية على إطراف وجهات أخرى، والأهم من ذلك أن منظومتنا الفكرية خرجت أيضا معافاة وسليمة وغير متهمة – وهل يمكن اتهام من صوابه مطلق – أو مذنبة ولم يمسسها سوء. وهكذا وبدلا من أن نخرج من هزيمة 1948 بدروس واقعية وبدل أن نحللها تحليلا علميا يساعدنا على النجاح في محطات الصراع القادمة، أصبحت هذه الهزيمة – وبفضل منظومتنا الفكرية – مقدمة لهزيمة ونكبة اكبر حلت علينا في الخامس من حزيران عام 1967 وعندها هرعنا مرة أخرى إلى منظومتنا الفكرية ومنهجها الخطابي السفسطائي الذي لم يبخل علينا هذه المرة أيضا وأغاثنا بتبريرات تتراوح ما بين تهاون أو خيانة بعض القادة العسكريين العرب، مع شبهة وجود مؤامرة ! فتنفسنا الصعداء وحمدنا الله كثيرا على أننا لسنا المسؤولين، وعلى أن منظومتنا الفكرية ما زالت بخير وليست هي المسببة لهذه الهزيمة النكراء !. وكانت المحصلة لذلك كله والنتيجة النهائية هي ضياع فلسطين وبقاء منظومتنا الفكرية شامخة عزيزة وتستحثنا إلى المزيد والمزيد من هذا الفشل والعجز.3 – كذلك يمكن القول أنه ليس هناك امة على وجه الأرض مسكونة بنظرية المؤامرة كالأمة العربية ، والشغف العربي بتلك النظرية ليس بالأمر المستغرب فمن كانت منظومته الفكرية مبنية على فلسفة المطلق ومتبنية للمنهج الجدلي السفسطائي لا بد أن يتعلق بنظرية المؤامرة تعلق الغريق بالقشة، كيف لا وهذه النظرية توفر درعا واقيا لفكره المطلق. فبالنسبة لمعتنقي الفكر المطلق فأنه – ولأنه مطلق – لا يمكن أن يخطئ وإذا حدث وأخطئ فنتيجة لمؤامرة خارجية أو داخلية، ولا يمكن أن يفشل وإذا فشل فهناك حتما مؤامرة، ولا يمكن أن يهزم وإذا هزم فابحث عن المؤامرة. وهكذا فلا حياة للفكر المطلق بدون نظرية المؤامرة والتآمر والمتآمرين. أما أين هي المؤامرة ؟ ومن هم المتآمرين ؟ وكيف ؟ ومتى ؟ ولماذا ؟ فهذا ما يتكفل بالإجابة عليه المنهج الخطابي الجدلي السفسطائي التنظيري الذي سيستخدم كل قدراته في اللف والدوران وفي النبش والبحث عن اصغر الأشياء وابسطها ثم يقوم بتوليفها والربط بينها ليخرج لنا بمؤامرة تريحنا وتروي ظمأنا التآمري، وحتى إذا عجز عن إيجادها بهذه الطريقة الفجة والملتوية فسوف يسعى لاختلاقها اختلاقا وسوف نصدقها لأنه ليس لدينا خيار فإما أن نعتقد ونؤمن بوجود مؤامرة، وإما أن نعترف بأننا فشلنا وهزمنا وبما أن حامل الفكر المطلق في صحته لا يمكن أن يفشل ويهزم فلا مناص من تبني نظرية المؤامرة. ولم ترتبط قضية من قضايا العرب بنظرية المؤامرة كما ارتبطت القضية الفلسطينية بل أصبحت هذه القضية – وفقا للعقل الجمعي العربي – بمثابة سفر يحكي قصة التآمر الدولي علينا، ويحكي كذلك قصة التآمر الداخلي، وتآمر العرب بعضهم على بعض، وخرجت عن كونها تجسيدا لمشروع صهيوني توسعي يحتاج إلى مشروع عربي يواجهه ويرد عليه. ولا نبالغ إذا قلنا أن مصطلح القضية الفلسطينية أصبح مرادفا لمصطلح المؤامرة في العقل الجمعي العربي. وعندما يصل شعبٌ ما إلى هذا المستوى في تفسير الأمور والأحداث لا يمكن أن يرتجى منه النجاح في أي مشروع حتى لو كان صغيرا فما بالك بمشروع مصيري ومعقد يستطيع أن يواجه المشروع الصهيوني. فالإيمان بنظرية المؤامرة تقتل أي قدرة على الإبداع والعمل الجاد، وتدعو إلى التقاعس والتشاؤم والسلبية فكيف تستطيع أن تتبنى مشروعا وتسعى من اجل إنجاحه وأنت مؤمن سلفا أن هناك من سيتآمر عليك ويدمر هذا المشروع ؟، وكيف ستبني وتطور قدراتك ووسائلك، وتنمي مهاراتك وقدرتك على منافسة الآخرين وأنت تتصور أن مؤامرة ما ستجهض كل هذا ؟ والأخطر من ذلك كيف سننجح في بناء مشروعٍ واقعي نواجه به المشروع الصهيوني إذا كنا نعتقد سلفا أن العالم كله سيتآمر من اجل إجهاض مشروعنا وإنجاح المشروع الصهيوني ؟. وعلى فرض انه هناك فعلا مؤامرات قد حيكت وما زالت تحاك ضدنا فالسؤال هو لماذا ينجح الآخرون دائما في التآمر علينا، وفي تنفيذ مؤامراتهم ومخططاتهم ؟ ولماذا لا يكون الحال بالعكس أي لماذا لا نتآمر نحن عليهم وننجح في التآمر عليهم، وفي تنفيذ مخططاتنا وندمر بالتالي مشاريعهم ومخططاتهم ؟ وليس هناك من جواب مقنع إلا إذا أقررنا بأن الخلل فينا وفي منظومتنا الفكرية. نعم هذه المنظومة هي التي أضاعت فلسطين، وهي التي أضعفت العرب ومزقتهم، وهي التي وضعت الأمة العربية في ذيل الأمم من حيث القدرة الاقتصادية، والقوة العسكرية، والاستقرار السياسي والاجتماعي، والمستوى التعليمي، وهي المسؤولة عن تردي وتدهور أوضاعنا وعلى الأصعدة كافة. والأخطر من ذلك أن هذه المنظومة ما زالت تسيطر علينا وتوجه أفعالنا وتتحكم بتصرفاتنا وتقودنا إلى مزيد من الضعف والهوان والتمزق، والى هزائم جديدة ونكبات جديدة ستطال كل البلدان العربية. فإذا لم نبادر إلى إصلاح شاننا، والى إعادة النظر في رؤانا وأفكارنا وفي منظومتنا الفكرية بشكل عام، وإذا لم نبادر إلى إطلاق عملية نقد ذاتي حقيقي وغير مجامل، وإذا لم نسعى إلى فهم الواقع والتفاعل معه كما هو لا كما نتخيله أو كما يصور لنا، فنحن أمام مأزق خطير ربما يهدد وجودنا ذاته.المنظومة الفكرية العربية والقضية الفلسطينيةجدلية السبب والنتيجةفارس تركي محمودجامعة الموصل / مركز الدراسات الإقليمية / قسم السياسية والإستراتيجيةالملخص يحاول السيد فارس تركي محمود في هذا المقال تقديم رؤيته حول المنظومة الفكرية العربية والقضية الفلسطينية والعجز الذي تواجهه تلك المنظومة في فهم واقع تلك القضية عبر مراحلها التاريخية.***** *****Arab Intellectual system And Palestinian Issue Controversial of case And EffectMr. Faris Turky Mahmmodextract
In this article Mr. Faris T. Mahmood tries to present his own view about the Arab in tellectualsystem and Palestinian issue and the weakness in facing such topic to understand the reality of this issue a crass its historical stages.
|