تطورات الأوضاع في اليمن بعد ثورة 2011
ميثاق خير الله جلود
مدرس/قسم الدراسات السياسية والإستراتيجية/مركز الدراسات الإقليمية/جامعة الموصل
شهد العالم العربي مطلع العام 2011 حركات إحتجاج شعبية، أدت إلى سقوط أنظمة حكم وإحداث تغييرات غير متوقعة، أدخلت المنطقة العربية في مرحلة تاريخية جديدة بعد سنوات طوال من الصمت، ومن التراجع والتخلف الذي شمل جميع مفاصل حياة المواطن العربي، والذي كان سببه الرئيس الدكتاتوريات الحاكمة وما تملكه من آلة بطش لكل من يعارض او يطالب بحقوقه المسلوبة، لذلك فان الشباب العربي الذي خرج في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا وضع نفسه مشروع فداء لصالح الأجيال القادمة، والتي من المؤمل ان تجني ثمار هذه الثورات اذا ما سارت باتجاهها الصحيح، وإذا ما تمكن من تسلم السلطة الشرعية الممنوحة من الشعب، ان يقف بوجه التحديات والمشكلات الداخلية لبلدان أنهكها الفساد وضعف الثقافة العامة للمواطنين، فضلاً عن التحديات الخارجية والمتمثلة بمصالح الدول الكبرى و(إسرائيل)، إذ من السذاجة الاعتقاد بأن هذه القوى ستترك الثورات العربية وما أنتجته ان تمضي قدماً دون ان تتدخل لجذبها نحو ما يؤمن مصالحها الإستراتيجية، وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا الإتحادية الباحثة عن مجد قديم تجدده على حساب العرب.
بعد الإنتفاضة الشعبية في تونس ومصر، جاءت الثورة اليمنية والتي انطلقت شرارتها الأولى في الثالث من شباط/ فبراير 2011 وتوسعت الاحتجاجات في يوم الحادي عشر من الشهر نفسه، و لم تكن هناك مصلحة واضحة للغرب في إنجاح الثورة أو إفشالها، ولم تكن الدول الكبرى قادرة على تحديد مسارها، مما أتاح للمملكة العربية السعودية أن تكون لها اليد الطولى في توجيه الثورة اليمنية، فهي لا تريد تغييراً ثورياً في اليمن بالشكل الذي قد يؤدي إلى إحداث فوضى تؤثر بشكل مباشر في دول الخليج العربي، لذلك تم توفير مخرج للرئيس السابق علي عبد الله صالح عبر المبادرة الخليجية التي وقعت في الرياض بتاريخ الثالث والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر2011 بين حزب(المؤتمر الشعبي) الذي يرأسه الرئيس السابق علي عبد الله صالح والمعارضة ممثلة بتكتل (اللقاء المشترك) وشركائه من أحزاب وتجمعات سياسية، برعاية جمال بن عمر مبعوث الأمم المتحدة، وتنازل الرئيس علي عبد الله صالح بموجبها عن السلطة لنائبه بعد إعطائه ضمانات بعدم الملاحقة القانونية له ولأركان نظامه، فضلاً عن وضع آلية ومواعيد محددة لتنفيذ المرحلة الانتقالية. وبالرغم من ان المبادرة الخليجية قد حققت الهدف الأهم للثورة في إنهاء حكم علي عبد الله صالح، إلا ان الثوار كانوا يرغبون بتغيير جذري شامل ينهي نظام الحكم بأكمله وليس رأس النظام وبعض المقربين حسب، فضلاً عن إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية والمؤسسات الأمنية، وهذا ما يفسر المظاهرات والتجمعات التي تشهدها اليمن بين حين وآخر. إلا ان النظر إلى الموضوع من جميع جوانبه يعطي نتيجة واضحة فحواها ان التغيير المنضبط في اليمن اضمن واسلم لوحدة اليمن وبخاصة في ظل الوضع المعقد طائفياً ومناطقياً فيها، إذ لم تزل هناك أصوات في الجنوب اليمني ترغب بالانفصال على الرغم من مضي نحو (22) عاما على الوحدة، وهذا الوضع يعطي انطباعاً واضحاً ان نظام الحكم اليمني السابق فشل في صهر المجتمع اليمني ومؤسسات الدولة بصورة محكمة كما هي الحال في الإمارات العربية المتحدة على سبيل المثال، مثلما فشل أيضاً في تأسيس جيش مهني بعيد عن الاستقطاب، وترى فيه مختلف فئات الشعب انعكاساً لطموحاتها وتعده ضمانة لأمنها وتطلعاتها في العيش بسلام، وفي هذا السياق قال أحمد محمد عبد الغني رئيس مركز دراسات الجزيرة والخليج في صنعاء: "أن الدور السلبي الذي لعبه النظام السابق على مستوى الشمال والجنوب، أعطى أصحاب المشاريع العنفية فرصة الظهور واستغلال الفراغ ". كما ان ضعف الإقتصاد اليمني وقلة موارد البلاد يمكن ان تؤديا إلى زعزعة الأوضاع في هذا البلد، لأن هذان العاملان كانا ومازالا محددان مهمان لأي نظام يحكم اليمن.
تواجه اليمن حاليا تحديات جمة على المستويين الداخلي والخارجي، والمتمثلة بمصالح دول وجماعات، فعلى الصعيد الداخلي مازال شبح الانفصال بين الشمال والجنوب أهم ما سيواجه أي رئيس أو حكومة تتصدى للأمور في اليمن، ومن ابرز القوى التي تنادي بانفصال جنوب اليمن حالياً علي سالم البيض الرئيس السابق لليمن الجنوبي (قبل الوحدة) المقيم حالياً في بيروت والمتهم بتلقي دعم إيراني، إلا ان مكتبه نفى هذه الاتهامات، فضلاً عن (الحوثيين) الذين يعدون أقوى تأثيراً وذلك لأنهم يمتلكون ميليشيا مسلحة، وخاضوا معارك عدة مع النظام السابق والمملكة العربية السعودية، فضلاً عن المعارك التي يخوضونها داخلياً ضد فصائل يمنية مسلحة، مستفيدين من الدعم الإيراني المادي والإعلامي، ولا تقتصر القوى الجنوبية على ما ذكر فهنالك أصوات وافكار اقل تعصباً ومنها تكتل (القوى الثورية الجنوبية) المؤيد للوحدة اليمنية، و(التكتل الديمقراطي الجنوبي) الراغب بحكم فدرالي. أما تكتل اللقاء المشترك في اليمن فإنه يتكون من (6) أحزاب هي؛ (حزب التجمع اليمني للإصلاح) و(الحزب الاشتراكي اليمني) و(التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري), و(حزب البعث العربي الاشتراكي القومي اليمني)، و(حزب الحق) و(اتحاد القوى الشعبية اليمنية). ويهدف هذا التكتل في العملية السياسية منذ تأسيسه قبل عشر سنوات إلى التنسيق بين مكوناته في الانتخابات البرلمانية, والعمل المشترك لضمان وصول جميع الأحزاب الستة الموقعة على الاتفاق إلىالمجلس النيابي. ويرى الكاتب والمحلل السياسي عبد الناصر المودعأن هذا التكتل ائتلاف ظهر في مرحلة تاريخية معينة لمواجهة نظام صالح, وأن العوامل التي تبقيه متماسكا إلى حد ما هي استمرار بقايا نظام صالح في السلطة. فضلا عن شعبيته الجيدة بين الأوساط اليمنية، وبخاصة في الشمال اليمني.
من جانب آخر تعاني اليمن الآن من أزمة إنسانية خانقة، فبحسب إحصائيات الأمم المتحدة فان (50)% من اليمنيين يعانون من الجوع او يقفون على حافته إذ هناك نحو (2) مليون أسرة يمنية بحاجة الى معونة غذائية، كما ان الخدمات في أدنى مستوياتها وبخاصة مياه الشرب التي باتت مشكلة تؤرق المواطنين، أيضاً تعد المشكلة الأمنية أهم تحدي يواجه اليمن، إذ تزايدت بعد الثورة حالات الاغتيال والتفجيرات، كما ان انتشار الفصائل المسلحة في اليمن جعل من هذا البلد أهم مناطق التدخل الأمريكي في العالم وبخاصة في الشؤون الأمنية، وأخذ الأمريكان ينفذون عمليات عسكرية بطائرات من دون طيار معدة للاغتيالات، فضلاً عن الأنباء التي تسربها الصحافة الغربية عن الوجود العسكري الأمريكي على الأرض بعيداً عن الإعلام.
وفيما يخص الجانب السياسي فقد أيدت الولايات المتحدة المبادرة الخليجية لتشاطرها مخاوف دول الخليج نفسها من انتشار الفوضى في اليمن، اذ تتبنى السعودية تنفيذ المبادرة الخليجية ومن هذا المنطلق أخذت تقدم دعماً مالياً لليمن لإعانتها على تخطي مشاكلها وتفادي الاضطرابات التي إذا ما تصاعدت ستؤثر حتماً في استقرار دول الخليج وأمنها، وبالمقابل لا يمكن إغفال المؤشرات التي تفيد بوجود تدخلات إيرانية في التفاعلات السياسية والأمنية في اليمن، مثل دعم جماعة الحوثي، والتأثير في سير المبادرة الخليجية، وفي هذا السياق تحدث (جيرالد فاير ستان) السفير الأمريكي في اليمن عن وجود محاولات إيرانية لعرقلة المبادرة الخليجية، كما ان الرئيس اليمني (عبد ربه منصور) أتهم إيران بالتدخل في شؤون بلاده ورفض لقاء الرئيس الايراني (احمدي نجاد ) في التاسع والعشرين من أيلول/ سبتمبر 2012 على هامش اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة.
من المقرر ان يعقد مؤتمر الحوار الوطني في الخامس عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر 2012 ، ووفق الظروف الحالية من المستبعد ان يخرج المؤتمر بنتائج مهمة. وعليه فأن اليمن تمر حالياً بمرحلة صعبة من تاريخها تحتاج الى تكاتف الجهود والاستماع الى صوت الحكمة في الداخل فضلاً عن الدعم الخارجي الإيجابي، وبخاصة من المملكة العربية السعودية وباقي دول الخليج، وهذا ما يحصل فعلاً، إذ حصلت اليمن على مساعدات مالية سعودية، الا ان الدعم السعودي المالي مازال دون مستوى الطموح، كما ان الولايات المتحدة الأمريكية مازالت تتعامل تعاملاً امنياً بحتاً مع اليمن، وهذه السياسة من الممكن ان تكون سبباً في تعقيد الأمور، وبالذات التدخلات الامريكية العسكرية بالاغتيالات او ماشابه، والتي تحرج النظام اليمني الجديد وتعطي مناكفيه أسلحة نقد جديدة، وفي موضوع ذو صلة فان أحداث سوريا وما ستؤول اليه الاوضاع في هذا البلد ستؤثر تأثيراً مباشراً في شؤون اليمن، وبخاصة في ما يتعلق بالسياسة الإيرانية تجاه اليمن، ومن هنا فسيكون من الصعوبة استشراف الأوضاع المستقبلية لليمن لسيولة الأحداث الشديدة، وسرعة تطوراتها التي من الممكن ان تحمل مفاجئات غير متوقعة.نص المقالة نشرت في نشرة تحليلات استراتيجية العدد 76 في تشرين الاول 2012