24 نوفمبر، 2013

رؤية مركز الدراسات الإقليمية لمسألة المياه في العراق

د. ريّان ذنون العبّاسي د. عبدالله فاضل الحيالي

رئيس قسم الدراسات السياسية والإستراتيجية رئيس قسم الدراسات الاقتصادية والاجتماعية

مركز الدراسات الإقليمية /جامعة الموصل مركز الدراسات الإقليمية/جامعة الموصل

يطلق بعض الكتّاب على الأرض بالكوكب الأزرق، لأن المرئيات الفضائية تظهرها زرقاء، إذ أن الماء يغطي ثلاثة أرباع الكرة الأرضية، وتستحوذ المياه المالحة على نحو (97%) منها، في حين تمثل المياه العذبة نسبة (3%) منها، وتُشكّل مياه الثلوج في القطبين (68%) من المياه العذبة. وعلى هذا الأساس فإن نسبة المياه العذبة التي يحتاجها سكّان الأرض جدُّ ضئيلة، وعليه فإنَّ العالم يشهد أزمةً في المياه العذبة، وتعّد من بين أكثر المشكلات في التاريخ المعاصر تعقيداً لعلاقتها الصميمة بجوهر حياة الإنسان واستمرار حضارته على كوكب الأرض. ومما يزيد من إحتمالات تفاقم أزمة المياه، ما تتعرّض له حقوق الدول المتشاطئة على أنهارٍ لها صفة الأنهار المشتركة أو الدولية، نتيجة لتصرفات تُقدم عليها دول المنبع أو دول أعالي الأنهار وما تلحقه من أضرارٍ بحقوق دول الممر أو المصب. وتشير الدراسات إلى وجود نحو (263) حوضاً دوليّاً، التي تعبر الحدود السياسية لدولتين أو أكثر، وتغطي هذه الأحواض التي يعيش فيها نحو (40%) من سكّان العالم قرابة نصف مساحة الأرض، وهي مصدر لما يقّدر بنحو (60%) من تدفق المياه العذبة في العالم، وهناك (145) دولة تشمل أقاليم داخل الأحواض الدولية(1). ولا نظننا نبالغ إذا ما قلنا أن ما تقوم به بعض الدول من أفعالٍ تتمثل بحرمان الدول المتشاطئة من حقوقها في الأنهار الدولية يكاد أن يرقى إلى جريمة العدوان على وفق التعريف الذي وضعته الأمم المتحدة للعدوان، وما أقرته قواعد القانون الدولي للمياه من ضرورة الإنتفاع المشترك للدول المتشاطئة في مياه النهر الدولي. ويبدو أن الجارة تركيا قد دأبت على عدم الإلتزام بهذه القواعد والإصرار على إلحاق الضرر بكلٍ من سوريا والعراقالدولتين الجارتين والمتشاطئتين معها في نهريّ دجلة والفرات، وذلك من خلال تنفيذ سياسةٍ مائية تهدف إلى إحتكار مياه هذين النهرين، وذلك بإنشاء عدد من المشاريع وأحدثها مشروع جنوب شرقي الأناضول المعروف بمشروع الـ G.A.P، الذي يستهدف إنشاء (22) سداً منها (14) سداً ضمن حوض الفرات و (8) سدود ضمن حوض دجلة، فضلاً عن مجموعة من المشاريع الإروائية والخزانات والأنفاق والقنوات والمحطات الكهرومائية.

وقد أشارت العديد من الدراسات الحديثة التي أجرتها بعض المراكز العالمية للبحوث السياسية والإستراتيجية والاقتصادية ،فضلاً عن توكيد الخبراء المعنيون بشؤون المياهإلى أن القرن الحالي سيشهد صراعاتٍ وأزماتٍ حادة بين الدول فيما يُعرف بـ (حروب المياه)بسبب النقص المحتمل في موارد المياه العذبة للأنهار والتي قد تتجاوز أهميتها الاقتصادية أهمية النفط نفسه. وقد حذرت منظمة الأمم المتحدة في آذار من عام 2009من أن التغيرات المناخية الحاصلة في العالم قد تثير الصراعات حول المياهلاسيما في منطقة الشرق الأوسط التي تضم عدداً كبيراً من الأنهار الدولية المهمة كدجلة والفرات والنيل والأردنوالتي تعّد من بين أكثر المناطق الساخنة بهذه الصراعاتوأشدها حساسيةً تجاه هذا الموضوع على المدى المنظوربالنظر إلى محدودية موارد هذه الأنهار إزاء الاحتياجات المتصاعدة والمتنامية من جهة،وازدياد استغلال مياهها على نحوٍ واسع ومطرّد دون الاكتراث بحقوق الدول المتشاطئة الأخرى فيها من جهةٍ ثانية. إذ انه وبسبب موقعه الجغرافي بوصفه دولة المصب لنهريّ دجلة والفراتيُعّد العراق المتأثر الأول والمباشر من أي أعمالٍ أو مشاريع مائيةٍ تجريها تركيا أو سوريا في حوضيّ هذين النهرينلا سيما نهر الفرات الذي يمثل أهميةً بالغة الخطورة للعراق لا يمكن التغافل عنها بأي حال من الأحوال.فمنذ مدةٍ طويلة والأراضي العراقية تتأثر سلباً بتناقص المياه الواردة إليها عبر هذين النهرين،مما جعل هذا الموضوع بحسب تقديرات الخبراءأخطر أزمةٍ مائية في تاريخ العراق. إذ سببت هذه الأزمة خسارةً كبيرة للأراضي الزراعية تقّدر بنسبة (40%) من مساحتها. وأشار صندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونسيف) إلى تقريرٍ دولي يثير احتمال جفاف نهريّ دجلة والفرات بحلول عام 2040بالنظر إلى التغيرات المناخيةوانخفاض كميات المياهوالاستخدام المكثّف لأغراض الصناعة والاستخدام المنزلي(2). زد على ذلك أنتنفيذ مشروع جنوب شرقي الأناضول التركي بعامةٍوسد (اليسو) بخاصةٍ، يعّد ترجمةً خطيرة للموقف التركي الداعي إلى عَدِ نهريّ دجلة والفرات " نهران وطنيان تركيان". وإن لتركيا الحّقَ الشرعي في استثمار مياههما، وبسط سيادتها المطلقةِ عليهما حتى النهاية، بهدف نزع الصفةِ الدولية عنهما فيما يخص مسألة المياه بالرغم من مخالفة ذلك للاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية المتعلقة باستثمار الأنهار الدولية.وأخيراً فان مشروع سد اليسو لا يمثل وحده الخطر القادم كما يتصوره البعض، بل أن هناك مشروعاً أخر أكثر خطورة وتأثيراً في مستقبل العراق المائي وهو مشروع ( اليسو – جزرة )، لذا فانه على الحكومة العراقية التحرك سريعاً لمواجهة النقص المتوقع في واردات مياه نهر دجلة بعد اكتمال هذين المشروعين، من أجل تدارك أخطارهما المحتملة، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأراضي الزراعية الواقعة قرب الحدود الدولية مع تركيا.

ومن هذا المنطلق، فان رؤية مركز الدراسات الإقليمية لقضية المياه وعلاقتها بمسائل الغذاء والطاقة والأمن الوطني للبلاد، تتلخص بأن لجيران العراق وعلى وجه التحديد تركيا، وجهة نظرٍ ترى بأن هناك إسراف في استخدام المياه (الممنوحة لنا) – حسب اعتقادهم-، وإن هذا التبذير (غير المسوغ) يجري في ظل غياب الرقابة الحكومية (الصارمة)، وانعدام القوانين والأحكام التي تنظم عملية استغلال المياه من لدن الفرد العراقي، من دون وعيٍ أو إدراكٍ منه لقيمة هذه الثروة المائية(3).

ومن الممكن إيجاد نوعٍ من التفاهم والحوار مع تركيا حول موضوع المياه تارةً عبر التلويح لها بإقامة مشاريع مشتركة كإقامة (سد للصداقة) يقع على الحدود الدولية المشتركة بين البلدين تخصص منافعه لكلا الطرفين، أو عبر إعطائها استثمارت اقتصاديةٍ كبيرة من جهة، وإشراك منظمة الأمم المتحدة بعقد سلسلةٍ من المباحثات حول اقتسام المياه، الأمر الذي سيعمل في النهاية على إيجاد أرضيةٍ مناسبة لتحقيق التعاون المائي المشترك في إطارٍ دولي يصب في مصلحة العراق أولاً وأخيراً.

من جهةٍ ثانية تلوح في الأفق فرصة أخرى يمكن للعراق استغلالها وتتعلق بإمكانية الاستفادة من الظروف الدولية التي تمّر بها سوريا حالياً، تتضمن معاودة إكمال بقية مشاريعه المائية المتوقفة ونخص بالذكر منها مشروع (ريّ الجزيرة) بجزئه الجنوبي، وهو مشروع توازي أهميته مشروع جنوب شرقيّ الأناضول التركي، مما سيسمح له لإيجاد نوعٍ من التوازن بينه وبين سوريا عند الجلوس على طاولة المباحثات والتفاوض بشأن الحصول على حصصٍ عادلة من المياه مع تركيا .

أبرز العوامل التي تتحكم في قضية المياه في العراق:

1- العوامل الطبيعية:

ومنها ضياع كمياتٍ كبيرةٍ من مياه الأمطار الساقطة في أنحاء مختلفةٍ من البلاد وتذبذب معدلاتها من سنةٍ إلى أخرى، إذ نلاحظ أن العراق لم يستطع الاستفادة من هذه الأمطار بصورةٍ كلية، والتي زادت عن معدلاتها الطبيعية في السنوات الأخيرة الماضية، لدرجةٍ وصل به الحال إلى تعرّض بعض القرى والمدن الواقعة في شماله إلى الفيضان والغرق بسبب عدم وجود البيئة المناسبة لتجميع مياه الأمطار، على غرار ما تقوم به الدول المتطورة الأخرى التي تلجأ إلى عملية (حصاد المياه). وهذه نقطة يجدر بالحكومة العراقية أن تهتم بها ليتسنى معالجتها والاستفادة منها عن طريق إنشاء المشاريع المخصصة لهذا الغرض .

2- غياب التنسيق في إقامة الخطط والمشاريع الطموحة:

تحتاج الحكومة العراقية إلى توفير تخصيصات مالية كبيرة من أجل القيام ببناء السدود العملاقة لضمان توفير المياه، بالرغم من أن العراق ليس بحاجةٍ إلى بناء هذه السدود بسبب انخفاض واردات المياه الجارية إلى البلاد من جهة، ولحاجة مثل هذه المشاريع إلى مبالغ مالية ضخمة تستلزم دخول عدة جهات دولية لتمويلها، لهذا السبب يُفضّل توجه الحكومة نحو إقامة سدود صغيرة أو متوسطة الحجم تفي بهذا الغرض .

3- الهزات الأرضية والزلازل:

من المعلوم أن تركيا قامت خلال السنوات الخمسة عشر الماضية ببناء العديد من السدود والمشاريع الاروائية يقّدر عددها حسب رأي الخبراء نحو (30) سداً في عدة مناطق مختلفة من البلاد وبخاصةٍ في منطقة جنوب شرقي الأناضول، مما أثر ذلك بشكلٍ سلبي في الطبقات الأرضية فيها، بحيث أدى إلى اختلالها وحدوث عدة موجاتٍ زلزالية فيها، لان كل سدٍ يبنى يحتاج إلى عشر سنوات كي تبقى أجزاؤه مستقرة في تربة الأرض، على أن لا يجري بناء سدٍ آخر في المنطقة نفسها التي شيّد فيها المشروع الأول، وذلك من أجل المحافظة على تماسك هذه الطبقات(4)، ولعل الزلزال الأخير الذي تعرّضت له مدينة وان الواقعة جنوب شرقي تركيا في نهاية عام 2011، والذي بلغت درجة قوته على مقياس ريختر (3,7)، دليل على مصداق ذلك، إذ سبقته حدوث هزاتٍ عدة تراوحت درجة قوتها بين ثلاثة إلى خمسة على مقياس ريختر(5)، مما هدّد بحدوث هزاتٍ ارتدادية في محافظتي نينوى ودهوك بسبب اصطدام الصفيحة العربية بالصفيحة التركية. وهذه الزلازل من الممكن لها أن تستمر في العراق بخاصةٍ في منطقة شرق دجلة، بسبب اصطدام الصفيحة العربية بالصفيحتين الإيرانية والتركية(6)، الأمر الذي يستدعي قيام السلطات التركية الاهتمام بإنشاء السدود القريبة من الحدود مع العراق بمواصفاتٍ تتحمل الزلازل والهزات الأرضية وبما يؤمن الحفاظ على حياة السكان في كلا البلدين(7) .

ومن المعلوم أن الهدف من إقامة سد اليسو هو لإنتاج الطاقة الكهرومائية، لذا فانه سيعمل على هبوطٍ في قيمة موجات الفيضان المتوسطة والصغيرة في نهر دجلة، بينما سوف لن يؤثر في موجات الفيضان العالية الداخلة في خزانه، وان انحسار ترددات موجات الفيضان الصغيرة ولمددٍ زمنيةٍ طويلة، من شأنه أن يؤدي إلى استقرار السكان في حوض النهر معتقدين خطأً أن هذا المشروع سوف يصّد جميع موجات الفيضان(8).

بيدَ إن احتمالية انهيار هذا السد بتصريفٍ يبلغ نحو (مليون متر مكعب/ثانية)- (حسب دراساتٍ معّدة من مؤسساتٍ بحثية عالمية)- في مدةٍ لا تتجاوز ساعاتٍ قليلة، سوف يؤدي إلى تشكّل موجةٍ عالية ستهدم (سد جزرة) وحتى سد الموصل في العراق، ومن ثم حدوث كارثةٍ كبيرة في المدن الواقعة على طول النهر(9).

وهناك احتمال قائم أيضاً في إمكانية انهيار سد اليسو بسبب نشاط الفعاليات الزلزالية كما ذكرنا آنفاً، بالاعتماد على ما أكدته العديد من التقارير الجيولوجية بوجود فوالق فعّالة في حوض النهر، إذ أن هناك تسجيلات لحدوث فعاليات زلزالية بمقدار (6) درجات على مقياس ريختر، فضلاً عن احتمالية حدوث نشاطاتٍ زلزالية بعد ملء خزان السد بمدةٍ زمنية قليلة(10).

التأثيرات السلبية لإقامة السدود التركية على نهريّ دجلة والفرات في العراق:

1- مجال الطاقة:

أدى استمرار تركيا ببناء مشاريعها الاروائية على نهر الفرات بعامةٍ ودجلة بخاصةٍ، إلى انحسار المياه الجارية في النهر الأخير، مما أدى بدوره إلى حدوث تغيّراتٍ بيئية في حوض النهر من مثل تفرعه إلى عدة فروع وابتعاد المياه عن المضخات الخاصة بمحطات التحلية والإسالة، فضلاً عن تشكّل الجزرات الوسطية ضمن مقطع النهر، الأمر الذي اثر في الوضع الجمالي والبيئي لحوضه(11). ولا يمكن إغفال مسألة انخفاض مناسيب مياه النهر وانحسار كمياتها الداخلة إلى الأراضي العراقية، مما سيؤدي إلى توقف العمل في منظومات الطاقة الكهرومائية المقامة على النهر مثل منظومتيّ سد الموصل (السد الرئيس والسد التنظيمي) وسد سامراء ، الأمر الذي سيؤثر في النشاط الصناعي ومحطات تصفية المياه ومصافي النفط المعتمدة على الطاقة الكهرومائية في أداء عملها(12).

2- ظهور الجفاف وانتشار الكثبان الرملية:

في الواقع أدى انخفاض واردات المياه من نهريّ دجلة والفرات إلى انحسار مساحات الأراضي الزراعية الخضراء في البلاد، مما ساعد على زحف ظاهرة التصحر والجفاف إلى مناطق كانت في السابق بعيدةً عن هذا الخطر، فبدأت الكثبان الرملية تنتشر بشكلٍ كبير في أنحاء مختلفةٍ من المحافظات ومنها محافظة نينوى، إذ عملت هذه الكثبان على طمر بعض القرى الواقعة غرب الموصل مثل قرية (الجغايفة) التابعة لناحية التل، كما أدى انخفاض المياه إلى التأثير في احتياجات الاهوار المعتمدة في إحياء النظام البيئي فيها(13).

وعند الانتهاء من بناء سد اليسو فان نحو (400) كم من النظام البيئي لأنواعٍ فريدةٍ من النباتات والحيوانات ستتعرض إلى الانقراض. وبما أن المعدل السنوي للمياه الداخلة إلى العـراق سوف يقل من (25) مليار متر مكعب إلى (8,9) مليار متر مكعب وهذا يعني حرمان نحو (700) الف هكتار من الأراضي الزراعية من المياه في العراق مما سيؤثر في الإنتاج الزراعي بأكمله. وهذا التدمير البيئي الناجم عن انحسار المياه عن الأراضي الزراعية، وظهور التصحر بدلاً عنه سيؤثر فيما بعد في مناخ العراق ويساعد على تشكّل العواصف الرملية(14).

وتؤكد إحدى الدراسات أن امتدادات تأثير مشروع سد اليسو التركي سوف تصل في النهاية إلى الخليج العربي، إذ أثبتت الدراسات إن هناك تأثير في مواقع صيد الأسماك والروبيان، فمن المعلوم أن أهوار العراق تعّد محطةً انتقالية للأسماك البحرية التي تتخذ من أنهار العراق وأهواره أماكن ملائمةٍ للتكاثر ثم الهجرة إلى مياه الخليج العربي(15).

3- ازدياد ظاهرة التلوث النهري:

إن التلوث الذي أصاب المياه العراقية ناجم هو الآخر عن التراجع الكبير في الإيراد السنوي للأنهار العراقية، مما سيؤدي إلى تفاقم مشكلاته لان قلة التصريف المائي للنهر سيجعل الأنهار عاجزة عن تنقية مياهها من التلوث. وهذا الأمر جعل قسماً من مياه الأنهار في العراق تتحول إلى بيئاتٍ مائيةٍ ملوثة، بسبب انخفاض مناسيبها وقلة كمية التصريف المائي، فضلاً عما يُلقى فيها من ملوثاتٍ سائلة أو صلبة كما هو جاري حالياً في نهريّ الحلة والديوانية في جنوب العراق، كما أن إنشاء سد جزرة قرب الحدود العراقية مؤخر سد اليسو سوف يؤدي إلى تدميرٍ إضافي لنوعية المياه الداخلة إلى العراق، إذ أن التصاريف المطلقة من نوعية المياه الساكنة في خزان سد اليسو ودخولها إلى خزانٍ آخر (مياه ساكنة أخرى)، يعني هبوط في عملية التهوية وزيادة في تردي نوعية المياه(16). وبالمقارنة مع كمية المياه ونوعيتها التي كانت ترد إلى العراق قبل مشاريع التطوير المائية لتركيا وسوريا وبين كمية المياه ونوعيتها التي تدخل إلى العراق بعد إنجازهانرى الحقائق الآتية:

نهر دجلة عند الحدود

معدل الإيراد قبل التطوير :20,90مليار متر مكعب

معدل الإيراد بعد التطوير :9,16مليار متر مكعب

النوعية قبل التطوير :250ملغم / لتر

النوعية بعد التطوير :375ملغم / لتر

نهر الفرات عند الحدود

معدل الإيراد قبل التطوير :30,3مليار متر مكعب

معدل الإيراد بعد التطوير :8,45مليار متر مكعب

النوعية قبل التطوير :457 ملغم/لتر

النوعية بعد التطوير :1220 – 1275 ملغم/لتر

وإذا ما علمنا أن إجمالي الاحتياجات المائية المطلوب تأمينها للعراق في مختلف الأنشطة والأغراض ومع ازدياد عدد السكان فيه بشكل مطرد تقدر بأكثر من (74)مليار متر مكعب ابتداءً من عام 2000ونحو (101) مليار متر مكعب في عام 2020 ( من دون احتساب فواقد التبخر من الخزاناتوالمياه السطحية )لأدركنا حجم وأبعاد الكارثة الكبيرة وأبعادها التي تنتظر هذا البلد العريق لا قّدر الله. لذلك كان لابد من التوصل سريعاً إلى عقد اتفاقية ثلاثية مع تركيا وسورياتحدد بشكلٍ واضح وقاطع ونهائي حصة كل طرفٍ في مياه كل من نهريّ دجلة والفراتوقبل أن تستكمل الدولتان مشاريعهما المائية الحالية والمستقبليةعلى أن تُصاغ أحكام هذه الاتفاقية بما ينسجم وقواعد القانون الدولي في هذا الموضوع بعامةٍومبادئ وقواعد اتفاقية نيويورك لعام 1997 بشأن استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية بخاصة، وبما يتفق ومبادئ الإسلام الحنيف وحسن الجوار وحسن النية والتعايش السلمي بين الأمم والشعوب(17).

4- عمليات التخريب للمنشآت المائية:

بحسب وجهة نظر الحكومة التركية، فان الهدف من إقامة هذا العدد الكبير من السدود التي يقع أغلبها في جنوب شرقي الأناضول، هو للحّد من عمليات التهريب وتسّلل العناصر الإرهابية من منظمة حزب العمال الكردستاني وغيرها إلى الأراضي التركية، ناهيك عن مسألة التذّرع بالحصول على الطاقة الكهرومائية اللازمة لسد احتياجات البلاد، وتصدير الفائض منها إلى الدول المجاورة لها على أن يتم الانتهاء من بناء هذه السدود في غضون أقل من ثلاث سنوات(18) .

إن هذا الأمر يدل حسب رؤية مركزنا، إلى وجود تحّدٍ خطير يقع على عاتق السلطات التركية في تحمل مسؤولياتها، من أجل حماية مشاريعها المائية من أخطار التخريب الذي تقوم به عناصر حزب العمال الكردستاني، الذي هدّد بنسف العديد من هذه المشاريع، وإن تحّول هذه المنشآت المدنية المهمة إلى أهدافٍ عسكرية، ينذر بحدوث كوارث بيئية في المستقبل قد يصل تأثيرها إلى الأراضي العراقية والسورية معاً، الأمر الذي ينبغي على وزارتيّ الخارجية والموارد المائية في العراق، التحرك سريعاً لإفهام الحكومة التركية بالخطر الكبير الذي ستتعرض إليه المدن العراقية القريبة من المناطق الحدودية المشتركة مع تركيا، فيما إذا تعّرض أحد السدود القريبة إلى التدمير أو التخريب من العناصر المناوئة لها .

وبالرغم من هذا التحرك، فان تركيا عازمة على إكمال مشروع سد اليسو ومنظومة مشروع اليسو – جزرة فيما بعد، بابتكار أسلوبٍ جديد يقوم على الاتفاق مع شركة معينة لتنفيذ مرحلة معينة من السد، ومن ثم تتوقف أعمال هذه الشركة فتنسحب من المشروع، ليتم بعدها الاتفاق مع شركةٍ أخرى لإكمال جزءٍ آخر من السد وعلى هذا المنوال يسير الجزء المتبقي حتى يتم الانتهاء منه بصورةٍ كلية(19)، مما يتوجب على العراق القيام بالضغط على تركيا عن طريق حشد التأييد الدولي معه في أروقة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية .

مشاركة الخبر