28 نوفمبر، 2012
مؤرخة عراقية تبحر إلى عالم الثغور الإسلامية
تعد المؤرخة الدكتورة سناء عبدالله عزيز الطائي من أوائل من اهتم بالتأريخ للثغور الإسلامية، وتوضيح دورها في حركة التاريخ العربي والإسلامي. ففضلا عن أنها كتبت عن مدينة طرسوس باعتبارها ثغرا إسلاميا متقدما على الحدود بين الدولة العربية والإسلامية والدولة البيزنطية، فإنها قدمت أطروحتها للدكتوراه عن الحياة الفكرية للثغور والعواصم. وهي اليوم تدريسية وباحثة في مركز الدراسات الإقليمية، ومحاضرة في كلية التربية للبنات بجامعة الموصل. كما سبق لها ان حاضرت في كلية الآثار بجامعة الموصل، وفي مادة الحضارة العربية والاسلامية.
ولدت في ٢١ ماس/آذار ١٩٦٩ في مدينة الموصل ووالدها هو المربي المعروف الأستاذ عبدالله عزيز الطائي. وبعد أن أكملت الابتدائية في مدرسة الغزالي للبنات، والمتوسطة في متوسطة الجزائر، والإعدادية في إعدادية الطلائع، دخلت "فرع الاجتماعيات واللغة العربية" في "معهد المعلمين المركزي في الموصل"، وتخرجت في السنة ١٩٩٢، وعينت لفترة قصيرة معلمة في إحدى المدارس الابتدائية، وبعدها اندفعت باتجاه الحصول على البكالوريوس، فدخلت قسم التاريخ بكلية التربية – جامعة الموصل سنة ١٩٩٥. ولم تكتف بهذا بل واصلت دراستها وحصلت على الماجستير سنة ١٩٩٨ وكان عنوان رسالتها "مدينة طرسوس ودورها في التاريخ العربي الإسلامي ١٧٢-٣٥٤ هـ ٧٨٨-٩٦٥ "، وبإشراف الدكتور طه خضر عبيد، وقد قدمت الرسالة إلى مجلس كلية التربية بجامعة الموصل سنة ٢٠٠٢، ومنحت الشهادة بتقدير جيد جدا اعتبارا من ١٢ مارس/آذار ٢٠٠٣.
وفي يناير/كانون الثاني ٢٠٠٧ قدمت أطروحتها للدكتوراه إلى القسم ذاته وبأشراف الأستاذ نفسه وكانت بعنوان "الحياة الفكرية في الثغور والعواصم حتى القرن الخامس للهجرة الحادي عشر للميلاد". وكانت لجنة المناقشة تتألف من الدكتور عبدالمنعم رشاد، والدكتور محمود ياسين التكريتي، والدكتور حسين علي الطحطوح، والدكتور طارق فتحي سلطان، والدكتور غانم عبد الله خلف فضلا عن المشرف على الأطروحة.
عينت باحثة وتدريسية في قسم الدراسات الاقتصادية والاجتماعية بمركز الدراسات الإقليمية في ١٨ فبراير/شباط سنة ٢٠٠٨ وهي تحاضر في الوقت نفسه في كليتي الآثار والتربية للبنات – جامعة الموصل، ولديها طلبة تشرف على بحوثهم للتخرج. كما أنها عضوة هيئة تحرير مجلة "دراسات إقليمية" التي يصدرها مركز الدراسات الإقليمية وهي مجلة علمية محكمة.
من كتبها المنشورة :
* مدينة طرسوس ودورها في التاريخ العربي الإسلامي ١٧٢-٣٥٤ هـ (٧٨٨-٩٦٥) ٢٠٠٩ .
* الحياة الفكرية في الثغور والعواصم حتى القرن الخامس للهجرة (الحادي عشر) ٢٠١٠ .
وترى الدكتورة سناء عبدالله عزيز الطائي أن تناول المدن بدراسات تاريخية توضح أسباب تسميتها وتاريخ إنشائها وحركة العلوم والفكر فيها خلال قرون من الزمن، ستسهم، دون شك، في تكوين دليل تاريخي لأهلها وللسياح الذين يزورونها، فيتعرفون على مكانتها التاريخية وعلى حاضرها بشكل يساعدهم في تكوين فكرة شاملة وثرية عنها.
لها بحوث ومقالات منشورة في العديد من المجلات العراقية والعربية. ومنها بحث "قضية الحجاب في تركيا" وفيه تتحدث عن الحجاب في تركيا وتقول: "إن من أبرز ما حرص عليه مصطفى كمال أتاتورك وهو يحث الخطى نحو جعل تركيا دولة علمانية, إبراز الجوانب المظهرية في الشخصية التركية من خلال إصدار سلسلة من الإجراءات والقوانين التي أكدت على قطع صلة بلاده بالشرق وبتقاليده, ومن بين ما أكد عليه هو ضرورة التزام المرأة التركية بنوع من اللباس الغربي الذي عكس إلى حد كبير ما شهدتهُ تركيا منذ مطلع القرن العشرين من تغيرات جوهرية في البنى الاجتماعية والاقتصادية والثقافية, ومن هنا فقد شكلت قضية الحجاب الراهنة في تركيا إحدى المشاكل التي لا تزال تقض مضجع العلمانيين بل والمؤسسة العلمانية التركية برمتها.
وبقدر ما يتعلق الأمر بالقوى والتيارات الإسلامية، فإن قضية الحجاب تمثل لديهم حالة مهمة من حالات التمسك بالثوابت الإسلامية, لذا فإننا نلحظ باستمرار أن ثمة صراعا ذا أبعاد مختلفة يدور في تركيا بين العلمانيين والإسلاميين حول قضية الحجاب، ولغرض فهم هذه القضية ووضعها في إطارها التاريخي لا بد من معرفة الكثير من جوانبها سواء من الناحية الشكلية أو الناحية الجوهرية".
وللدكتورة الطائي دراسة بعنوان "مغزى نفي صفة الإرهاب عن حزب العمال الكردستاني التركي" أشارت فيه إلى عدة تحركات أوروبية وغير أوروبية تستهدف إعادة النظر في اتهام حزب العمال الكردستاني التركي بصفة الإرهاب وعده حركة تحررية وطنية بشرط أن يتواءم الحزب مع الواقع الدولي الجديد وان يقصر نشاطه على الأراضي التركية وان يغادر الأراضي العراقية، ولا يثير مشاكل لسكان المنطقة الآمنة ويدخل مع الحكومة التركية في حوار وتفاهمات سياسية تعود على الطرفين بالفائدة وهذا لا يكون إلا إذا تحول إلى منظمة سياسية تتبنى النضال السلمي.
كما كتبت عن" الأديرة في الموصل "وقدمت البحث إلى "ندوة موروفولوجية مدينة الموصل" التي عقدها مركز دراسات الموصل بجامعة الموصل قبل سنوات. ومما قالته الدكتورة سناء عبدالله عزيز الطائي في بحثها أن الموصل ضمت عددا كبيرا من الأديرة، والتي تقع في مناطق متفرقة منها، معظمها تمتاز بجمالية عالية في النقوش والزخارف، والمتتبع لهذه الأديرة يجد أنها تعود إلى جميع الطوائف المسيحية، ولكن ذلك لم يمنع المسلمين في الموصل من أن يشاركوا إخوانهم زيارة تلك الأديرة والاحتفال بأعيادها. وكان لهذه الأديرة دور كبير في اغناء حركة البحث والتأليف في موضوعات دينية وأدبية وعلمية وفلسفية وغيرها.
ونظرا لأهمية الأديرة ودورها الديني والاجتماعي والثقافي في مثل ظروفنا هذه، فقد أكدت ضرورة الاهتمام بها، وتوثيق تاريخها، وصيانتها، والسعي باتجاه ربطها بطرق ومواصلات مناسبة، وتسهيل زيارتها من قبل الناس. كما دعت الباحثين وطلبة الدراسات العليا لاختيار موضوعاتهم عن الأديرة. سواء من النواحي التاريخية أو الاثارية أو المعمارية أو الدينية أو الاجتماعية.
وللدكتورة الطائي دراسة حول "موقف تركيا من البرنامج النووي الإيراني" جاء فيها انه ليس من شك في أن البرنامج النووي الإيراني المتنامي، لا يزال يثير الكثير من الإشكالات ليس على الصعيد الدولي وحسب وإنما على الصعيد الإقليمي كذلك.
وعن دور المرأة في الثغور والعواصم (١٣٢-٣٥٤هـ) إلى نهاية القرن الرابع للهجرة/ العاشر للميلاد ، كتبت بحثا نشر في مجلة "دراسات إقليمية" السنة ٥ العدد ١٤ ،٢٠٠٩ والتي يصدرها مركز الدراسات الإقليمية بجامعة الموصل، وقدمت له بالقول إنه عندما جاء الإسلام، حرر المرأة مما كانت تعانيه من امتهان، وأعطاها حقوقها كاملة في مباشرة حياتها الخاصة والعامة، وذلك داخل إطار من العفة والحياء وبما يتفق وروح الإسلام وآدابه.
وفي "مجلة أبحاث كلية التربية الأساسية" التي تصدرها كلية التربية الأساسية في جامعة الموصل (المجلد ٩، العدد ٣ حزيران ٢٠١٠ ) نشرت بحثها الموسوم "اقتصاديات الثغور في القرنين الثالث والرابع للهجرة التاسع والعاشر للميلاد" رصدت فيه أوضاع الثغور الاقتصادية ووارداتها (ومنها الخراج والجزية والموارد الاقتصادية والعشور والغنائم والصدقات)، ونفقاتها وأوجه الصرف فيها ومنها النفقات العسكرية والعطاء ومما أكدته الدكتورة الطائي أن لدراسة التاريخ الاقتصادي للثغور أهمية كبيرة في رصد التطور الذي حصل في تلك الثغور وبنيتها التحتية وانعكاس ذلك على قدراتها في أداء وظيفتها الجهادية.
وقد أسهمت الدكتورة الطائي في ندوات ومؤتمرات داخل العراق وخارجه، وكرمت بالعديد من كتب الشكر الموجهة لها، كما كرمت من كلية الدراسات التاريخية في جامعة البصرة بدرع الكلية لمشاركتها في نشاطات الكلية العلمية.
ومع أن تخصص الدكتورة الطائي الدقيق هو في التاريخ الإسلامي ألا أنها أحبت التاريخ الحديث ووجدت بأنه – من خلال كتابة أطروحتها عن الثغور الإسلامية – قريب من اهتماماتها، وقد برعت – حقا – في كل كتاباتها والتي نالت الاستحسان من أساتذتها وزملائها.
وترى أنها تخصصت بدراسة الثغور والعواصم الإسلامية لاعتقادها أن هذا الموضوع في جوانبه السياسية والحربية والإدارية قد حظي بعناية المؤرخين والباحثين العرب والأجانب، لكن الجوانب الحضارية وخاصة الفكرية والعلمية لم تنل ما تستحقه من اهتمام وتقول إن الثغور – كمدن وعواصم – قدمت للفكر العربي والعلوم العربية الكثير حتى صار ما قدمته جزءا من العطاء الفكري للمشرق والمغرب العربيين. وكما هو معروف فإن الثغور والعواصم لم تكن دور مرابطة فحسب بل أنها أسهمت من خلال عدد كبير من الفقهاء والعلماء والنحاة والمحدثين والشعراء والأدباء والمفسرين في ترصين الحضارة العربية والإسلامية وإعطائها بعدا إنسانيا.
كما أن تلك الثغور والعواصم كانت تضم مراكز دينية كالمساجد والجوامع والكنائس والأديرة والكتاتيب ودور الربط والحصون والمدارس ومجالس العلم وكل هذه كان لها دورها في التعليم والتأليف والقراءة والإجازات العلمية. ومما تؤكده الدكتورة الطائي بأستمرار، كجزء من تقاليد المدرسة التاريخية العراقية المعاصرة ، أن الرجوع إلى المصادر الأصيلة وتحليلها لهو من أهم ما يجب أن يقوم به الباحثون والمؤرخون في كل أنماط الكتابة التاريخية. ولاتقتصر تلك المصادر على الكتب والوثائق التاريخية وإنما لا بد من العودة إلى الكتب الجغرافية وكتب التراجم والطبقات ودواوين الشعراء وكتب الفقه والحديث والقضاء والأدب. وهذا ما فعلته هي عند دراستها لتاريخ الثغور ودورها الفكري والحضاري.
*نشرت لاول مرة في موقع ميدل ايست اونلاين