27 ديسمبر، 2012

مجيد خدوري: نصف قرن من الاهتمام بالكتابة التاريخية

جيد خدوري: نصف قرن من الاهتمام بالكتابة التاريخية

أ.د. إبراهيم خليل العلاّف

مركز الدراسات الإقليمية – جامعة الموصل- العراق

ولد الأستاذ الدكتور مجيد خدوري في الموصل في 27 أيلول سنة 1908 وأكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة والإعدادية فيها ثم تخرج من دار المعلمين العالية ببغداد سنة 1928 وحصل كذلك على البكالوريوس في الآداب من الجامعة الأمير كية في بيروت سنة 1932. وحصل على الدكتوراه في الآداب من جامعة شيكاغو سنة 1938 عن رسالته الموسومة: (الانتدابات في عصبة الأمم). ثم عاد بعدها إلى العراق ليعمل مدرساً لمادة تاريخ الشرق الأدنى الحديث في دار المعلمين العالية ببغداد.(1)

وخلال السنة الدراسية 1947-1948، عمل أستاذاً زائراً في جامعة أنديانا، وبين سنتي 1949و1980 استقر في جامعة جونز هو بكنز كما تولى إدارة مركز دراسات الشرق الأوسط فيها خلال الفترة من 1960و 1980 وقد زار القاهرة، وعمل أستاذاً في الجامعة الأمير كية فيها بين كانون الأول 1972 وكانون الثاني 1973. كما زار بغداد وألقى محاضرات سنة 1976. وفي آذار زار جامعة البصرة وألقى فيها محاضرات في تاريخ العراق المعاصر.(2)

أسهم مجيد خدوري في نشاطات علمية ودبلوماسية، ففي سنة 1945 عمل في وزارة الخارجية العراقية، وكان عضواً في الوفد العراقي الى مؤتمر الأمم المتحدة في سان فرانسيسكو سنة 1945 وعضواً في عدة لجان في وزارة التربية العراقية، وخاصة بين سنتي 1939و1947. وقد كان له دور في تأسيس الجامعة في ليبيا وشغل منصب رئاسة الجامعة هناك سنة 1957 وحينما ذهب إلى الولايات المتحدة، اختير كمستشار في بعض نشاطات وزارة الخارجية الأمير كية، خاصة بعد أن أصبح مواطناً أمير كيا سنة 1954.(3)

اهتم مجيد خدوري بتاريخ العراق المعاصر، وبدأ بإصدار سلسلة من هذه الكتب وأولها كتاب صغير لا تتجاوز صفحاته أل (72) صفحة من القطع المتوسط بعنوان: (أسباب الاحتلال البريطاني في العراق) وقد طبعه في مطبعة الشعب بالموصل سنة 1933. والكتاب بالأصل عبارة عن دراسة حاز فيها خدوري على جائزة (هوردبلس) الأولى في مباحث المباراة العلمية للسنة الدراسية 1930-1931 في الجامعة الأمير كية ببيروت. وقد ادخل عليها بعض التعديلات ونشرها بناءاً على طلب الأستاذ إبراهيم بيثون مرشد جمعية التوفير في المدرسة الثانوية في الموصل، وهي التي كان يعمل فيها مدرساً. وقد خصص ربع الكتاب للجمعية المذكورة.(4)

ويناقش خدوري في هذا الكتاب، أسباب الاحتلال البريطاني للعراق ويرى بأنها تنحصر في أسباب سياسية وأسباب اقتصادية. وفي النقطة الأولى يدرس ثلاثة أمور هي:

1.وضع العراق الجغرافي والعسكري.

2.الصراع بين بريطانيا وألمانيا على السيادة في الشرق الأدنى.

3.الحرب العالمية الأولى كسبب من أسباب الاحتلال.

أما النقطة الثانية المتعلقة بالأسباب الاقتصادية فيرى خدوري أنها تنحصر بما يلي:

1.العراق كسوق للمنتجات البريطانية.

2.العراق كمورد للمواد الأولية.

3.العراق كمحل لاستثمار رؤوس اموال بريطانية.

ويشير خدوري في ختام دراسته الى تقسيمه للأسباب التي ادت الى الاحتلال البريطاني، الى سياسية واقتصادية لغرض الدراسة ولتسهيل البحث. وينفي خدوري ان تعمل تلك الأسباب منفصلة الواحدة عن الأخرى في دفع بريطانيا لاحتلال العراق،وإنما كانت هذه الأسباب مشتبكة بعضها مع البعض.(5)

وفي سنة 1935 أصدر كتاب (تحرر العراق من الانتداب) ولم تكن التجربة العملية تنقص مجيد خدوري، ذلك ان وزارة الخارجية العراقية هيأت له هذه الفرصة حينما استدعته ووضعت بين يديه ما لديها من وثائق لأعداد ما يسمى بـ(الكتاب الأبيض) الذي كان من المؤمل صدوره في أيار 1941 ليعالج (التطورات التي أدت الى الاعتداء البريطاني الغاشم في أيار سنة 1941).(6) وفي سنة 1946 أصدر كتابه (نظام الحكم في العراق) وفي سنة 1951 نشر كتابه (العراق المستقل: دراسة في السياسة العراقية منذ 1932). ثم نقح وأعيد طبعه ثانية في مطبعة جامعة أكسفورد سنة 1960 وبعنوان (العراق المستقل: دراسة في السياسة العراقية منذ 1932 حتى 1958). وفي سنة 1969 نشر كتابه (العراق الجمهوري: دراسة في السياسة العراقية منذ ثورة 1958) وبعد ذلك بعشر سنوات نشر كتابه (العراق الاشتراكي: دراسة في السياسة العراقية منذ ثورة 1968).(7)ويعد كتابه الذي ألفه مع الدكتور ادمون غريب بعنوان ( حرب في العراق ) سنة 1991 من أحدث إصداراته .

نالت قضايا الوطن العربي، وتطور الاتجاهات السياسية فيه،ودور قادته في السياسة الكثير من اهتمامات مجيد خدوري. ذلك أنه يعد من المؤرخين العراقيين الرواد الذين كتبوا بحوثاً ودراسات في التاريخ العربي المعاصر. ففي سنة 1934 نشر في الموصل كتابه (المسألة السورية). وفي سنة 1939 خطط لنشر كتابه: عن (قضية الاسكندرونة) وتأخر طبعه حتى سنة 1953 وفي سنة 1963 أصدر كتابه: (ليبيا الحديثة: دراسة في التطور السياسي)(8). ووضع خدوري كتابين مهمين أولهما يتناول الاتجاهات السياسية في العالم العربي(9) وثانيهما يدرس (أدوار القادة في السياسة العربية)(10)وقد انطلق في تأليفه هذين الكتابين من أجواء النقاش والجدل الذي كان يدور بين المثقفين العرب حول فلسفة الإصلاح السياسي، في الوقت الذي كان فيه الزعماء والقادة العرب يسعون الى التوفيق بين الأيديولوجيات المتصارعة والتقاليد العربية الإسلامية(11). ويعد كتاب (حرب الخليج)(12) الذي أصدره سنة 1988 آخر إصداراته حيث لقي هذا الكتاب صدى واسعاً بين القراء وبهذا الكتاب بلغ مجموع مؤلفاته باللغة الإنكليزية 15 كتاباً فضلاً عن عشرة كتب صدرت باللغة العربية أثناء وجوده في العراق.

ولخدوري اهتمامات واسعة أخرى بمسائل الشريعة الإسلامية والقانون الدولي وله في هذا المجال كتب عديدة منها كتابه (قانون الحرب والسلام في الإسلام) ونشر في لندن سنة 1941 وكتابه المفهوم الإسلامي للعدالة ونشر سنة 1984.

ولم يقف إنتاج خدوري عند حدود الكتب، وإنما له بحوث كثيرة نشرت في مجلات عراقية وعربية ودولية ويمكن القول ان اولى بحوثه ظهرت في مجلة المجلة الموصلية التي صدرت سنة 1938 وقد دارت بعض هذه البحوث حول (النظم القيصرية الحديثة) و (الصلات الدبلوماطيقية بين هارون الرشيد وشارلمان). كما ان له مساجلات عديدة على صفحات مجلة المجلة، مع زميله المؤرخ الموصلي (سعيد الديوه جي) والتي تعكس حيوية هذين المؤرخين الموصليين وحرصهما على تقديم الحقيقة التاريخية إلى قراء هما (13). ومن بحوثه التي نشرها في مجلات عالمية: (مشروع الهلال الخصيب: دراسة في العلاقات الداخلية العربية 1951) و (ضباط الجيش ودورهم في سياسة الشرق الأوسط) 1955، وقد أسهم مع مؤرخين آخرين في إصدار وتحرير بعض الكتب ومن ذلك بحثه عن (دور الجيش في السياسة العراقية) ضمن كتاب س. ن فشر (الجيش في الشرق الأوسط). كما كتب خدوري عدداً من المواد في دائرة المعارف البريطانية ودائرة المعارف الإسلامية ودائرة معارف الدين وقاموس العصور الوسطى ودائرة معارف القانون الدولي ودارت هذه المواد حول (الجهاد) (حلف بغداد) (الهدنة) (المصلحة) (القانون الدولي الإسلامي) (الموصل) (ملكية الأراضي في الإسلام) (الشافعي).(14)

ان خدوري يجهد نفسه من خلال كتبه وبحوثه في التحري عن المقاييس الموضوعية للقيم والتأثير (مثالية)، ويحاول بعد ذلك ان يطبق مقاييس كمية (واقعية) ويميل الى المدرسة التعددية في التفسير التاريخي. ويهتم خدوري بما يسمى بـ(التاريخ الجديد)، وهو الذي يراد منه ان يعالج التطورات الاجتماعية والحضارية والسياسية والاقتصادية. ويرى خدوري انه لا توجد فواصل بين التاريخ والسياسة والاجتماع ويقول أنها تقسيمات اصطنعها العلماء لغرض تسهيل الدراسة.. وان الحياة، تتشابك أحداثها وتعقدها، ولا يمكن ان تفسر بعامل واحد. ويعتمد خدوري في تأليف كتبه على مبدأ أجراء المقابلات الشخصية مع الذين كان لهم دور في الأحداث السياسية، لا بقصد التدقيق في ماهو منشور أو معروف، وإنما التحقيق في سجلات تتحدث عنها.(15)

ومجيد خدوري كان خلال نصف القرن الماضي، مساهماً جاداً في دراسة الشرق الأوسط الحديث. ولذلك احتلت كتاباته عن الشريعة الإسلامية، والفكر العربي، والشخصيات العربية، والعراق المعاصر، مكانة متقدمة خلال هذه الفترة.(16)

وبالرغم من ان كتاباته، تعود إلى أوقات مختلفة وأنها كتبت في أماكن عديدة، إلا أن هناك (وحدة طبيعية) تجمع هذه الكتابات، فهي تتناول التاريخ العربي، والشريعة الإسلامية، ونظريات الحكم، او العلاقة بين مؤسسات الدولة، والعلاقات الدولية والتاريخ الفكري للعرب وأثره في تاريخهم السياسي(17)

ويعد خدوري نفسه عنصراً موازناً بين وجهتي النظر العربية والغربية، فلقد وجد في الغرب أفكار ووسائل تؤثر في حضارته العربية الإسلامية وهو في هذا لا يختلف عن زملائه وخاصة من أبناء جيله الذين درسوا في الجامعة الأمير كية ببيروت وتأثروا بأجواء الوعي القومي العربي التي سادت فيها خلال الثلاثينات والأربعينات من القرن الحالي. ومن هنا فان خدوري شأن هؤلاء، أظهر حماساً للاتجاه القومي العربي وعمل من اجل هذا الاتجاه سواء في بيروت أو في بغداد عندما أصبح عضواً في جمعيات قومية ذات واجهة ثقافية مثل نادي القلم البغدادي(18) وقد قاده هذا إلى أن يصبح معارضاً للانتداب البريطاني على العراق وكان اهتمامه بمسائل القانون الدولي، والمؤسسات الدستورية، والمجتمع السياسي، يتأنى من معارضته تلك ولرغبته الجامحة في فهم هذه الموضوعات ومعرفة إبعادها وسبل إنقاذ بلده من وهدة الخضوع لبريطانيا. ولهذا فإن مجيد خدوري يبدو في نظر بعض النقاد أنه كان في كتبه (معلماً) أكثر مما كان (كاتباً) ومهما يكن من امر فإن الدكتور مجيد خدوري قد خدم بلده وأمته بطريقة تجعله يحتل موضع تقدير وإعجاب الكثير من مواطنيه.(19)

الهوامش والتعليقات:

1. James piscatori and George S. Harris, Law, personalities and

polities of Middle East, (Washington, D.C, 1987), pp.17-19.

2. Abid A. Al Marayati: A Diplomatic History of Modern Iraq, (New

York, 1961) pp. 203 – 204, piscatori and Harris, op. Cit, pp.17-18.

3.Ibid, pp.17-19.

4.مجيد خدوري، أسباب الاحتلال البريطاني للعراق، (الموصل 1933).

5 البريطاني للعراق، .خدوري، أسباب الاحتلال (الموصل، 1933) ص ص 70-72.

6. James piscatori, the life and work of Majid khadduri in piscatori

and Harris, op, cit, p.6.

7.Majid khadduri, Independent Iraq, A study in Iraq politics since

1932,(London, 1951).

8. Majid khadduri. Modem Libya: A study in political Development, (Baltimore, 1963).

9. Majid khadduri, political Trends in the Arab World, Baltimore, 1970.

10.طبع بالإنكليزية في مطبعة جامعة أكسفورد ونشر سنة 1969 وترجم الى العربية بعنوان: عرب معاصرون: ادوار القادة السياسية/ بيروت 1972).

11. المصدر نفسه، ص1.

12.Majid Khadduri,The Gulf War, (Oxford, 1988).

13.انظر على سبيل المثال: مجلة المجلة، العدد (9)، 1 شباط 1939،ص ص 23-29 وكذلك العدد (8) 16 كانون الثاني 1939، ص ص 6-8.

14.Piscatori and Harris op. Cit.,pp.20-24.

15.انظر على سبيل المثال، خدوري، العراق الجمهوري، ص ص 5-6.

16.piscatori and Harris, op. Cit.,p.13.

17.Ibid,p.3.

18.تأسس نادي القلم أواخر 1934 بمبادرة من بعض الشخصيات القومية ببغداد. وكان اتجاه النادي قومياً، واسهم معظم أعضائه في نشاطات ثقافية ولقاءان دورية أسبوعية ويهدف إلى إيجاد صلة بين حملة الأقلام في العراق وأقرانهم في الوطن العربي. انظر: إبراهيم خليل العلاف، الجمعيات والنوادي الثقافية والاجتماعية، في نخبة من الباحثين العراقيين، حضارة العراق، ج13 (بغداد 1985) ص 166

مشاركة الخبر