21 ديسمبر، 2012
مستقبل جيبولوتيكية نهر النيل بعد إعلان جمهورية جنوب السودان
الدكتور قيس حمادي العبيدي1. موارد النيل المشتركة بين السودان والدول الأفريقيةسيجري في هذا المجال تناول الموارد النيلية التي سوف تتأثر بعد إعلان جمهورية السودان، ولا سيما مياه نهر النيل الأبيض ، ومن الموارد المائية التي تجمع السودان بالعديد من الدول كالآتي:أ. النيل الأبيض: ينبع من بحيرة فكتوريا وهي مشتركة بين أوغندا ، كينيا وتنزانيا.ب. نهر كاغيرا: وهو من اكبر روافد الأنهار التي تغذي بحيرة فكتوريا والذي ينبع من راوندا وبوروندي.ج. بعد خروج نهر النيل الأبيض من فكتوريا، يدخل بحيرة البرت وهي مشتركة بين الكونغو وأوغندا، ويخرج من بحيرة البرت ليتجه شمالا.د. انهار النيل الأزرق والسوباط وعطبرة تنبع من أثيوبيا.ه. نهر ستيت: وهو من اهم روافد نهر عطبرة ويمر باريتريا.2. نسبة المياه المكونة لنهر النيل
التفاصيل | النسبة | الملاحظات |
الهضبة الأثيوبية | 86% | اكبرنسبة هدر للمياه هو في جنوب السودان |
النيل الأزرق | 59% | |
نهري السوباط،عطبرة | 13% | |
النيل الأبيض | 14% | ومن خلال النسب أعلاه، وكمية المياه التي تهدر من جنوب السودان، فأن اكبر فرصة لزيادة تدفق مياه النيل ، ومن خلال نسب الهدر تكون ممكنة من نهر النيل الأبيض وكالاتي:أ. جنقلي/1 بحر الجبل توفر 5 مليار م3.ب. جنقلي/2 بحر الزراف توفر 4 مليار م3.ج. مستنقعات بحر الغزال توفر 7 مليار م3.د. مستنقعات السوباط توفر 4 مليار م3. ومن تلك المعطيات يمكن الاستفادة من (20) مليار م3 من جنوب السودان، لتغذية نهر النيل الأبيض إلا أن هذا الموضوع يتطلب اتفاقا بين الخرطوم والقاهرة وجوبا .3. الوضع القانوني في حوض النيللقد كان الوضع القانوني في نهر النيل على مدى التأريخ يعد هذا النهر موردا مائيا يتعلق بالشأن المصري، لذا نرى أن كافة التوظيفات القانونية في حوض النيل، كانت تكرس عائدية نهر النيل لمصر وكما مبين أدناه:أ. بروتوكول عام 1898م بين بريطانيا نيابة عن مصر وايطاليا نيابة عن أثيوبيا.ب. معاهدة 1902م بين إمبراطور أثيوبيا والحكومة البريطانية .ت. معاهدة 1906م بين بريطانيا والكونغو . كل تلك الاتفاقيات، كان محتواها عدم القيام بأي عمل من شأنه أن يؤثر سلبيا على تدفق مياه النهر شمالا. ولكن منذ الاحتلال البريطاني للسودان، بدأ التفكير بأن يكون للسودان نصيب من مياه نهر النيل، وخاصة ان السودان يملك أراضي شاسعة صالحة للزراعة، إلا أن باغتيال "السير لي ستاك" "Lee Stack" حاكم عام السودان، قرر البريطانيون أن يخصص للسودان نصيب من مياه نهر النيل لمعاقبته، ولكي تستغل تلك المياه في مشروع ري الجزيرة في وسط السودان، وقد أدى ذلك لإبرام اتفاقية عام 1929م بين بريطانيا ممثلة عن السودان، وأوغندا وكينيا وتنزانيا، والحكومة المصرية على أن تكون حصة مصر (48) مليار م3 وحصة السودان (4) مليار م3 .لم يكن السودان بعد نيله الاستقلال مقتنعا بالوضع القانوني في حوض النيل، وبعد سلسلة من المفاوضات واللقاءات الثنائية بين مصر والسودان، أبرمت اتفاقية 1959م بين الحكومتين المصرية والسودانية، على أن يوزع كل فيض مياه النيل بينهما، أي بين السودان (دولة الممر) ومصر (دولة المصب). إلا أن هذا الاتفاق كان غير مقنعا للعديد من الدول الأفريقية المشاركة فيحوض النيل، وأدخلت بعض التعديلات على الاتفاقية ، وانطلقت مبادرة حوض النيل في بداية القرن الحالي ، والتي توصلت لاتفاقية شاملة تقوم بتنفيذ بنودها مفوضية مستقلة، وهو تطور ملحوظ في هذا المجال . الأمر الذي نركز عليه هو إغفال اتفاقية السلام بين السودان وجنوبه أي موضوع يتعلق بالوضع القانوني لنهر النيل وهي غفلة كبيرة، علما بان اغلب المحللين السياسيين والمتابعين للمشهد السياسي السوداني كانوا يتوقعون ان يكون موضوع مياه نهر النيل من أهم نقاط الخلاف وقد صرح "يوهانس أجاوين" "Youhans Ajaween" مدير منظمة عدالة أفريقيا بان استخدام مياه النيل موضوع من الأرجح أن يسبب احتكاكا جنوبيا شماليا مباشرة بعد التسوية أي بعد إبرام الاتفاقية.4. الرؤية "الاسرائلية" لمياه جنوب السودانلقد شهد السودان قضايا مهمة في صراعه السياسي، وبرزت نقاط توتر عديدة كان أبرزها التمرد في جنوب السودان، وبما أن السودان يزخر بمخزون استراتيجي زراعي وثروات متنوعة، تشد أنظار الطامعين باتجاهه لتفتيته ومحاولة السيطرة على تلك الثروات وكانت "إسرائيل " من بين أهم القوى التي تحاول استغلال الانفصال القسري لجنوب السودان، لاختراق القارة السمراء والسيطرة على مواردها الطبيعية. يبلغ عدد سكان جنوب السودان (8,6) مليون نسمة، ويشكل الأطفال أكثر من (50%) من السكان، أي انه مجتمع فتي على وفق المعايير الديموغرافية الدولية. ومن دلائل محاولة "إسرائيل" بناء علاقات قوية مع حكومة جنوب السودان الوليدة، ان "إسرائيل" كانت من أولى الدول التي اعترفت بها، واللافت للنظر إن وسائل الإعلام "الإسرائيلية" سلطت الضوء منذ اليوم الأول للاستفتاء على انفصال جنوب السودان، في بداية عام 2011م، وعل ضرورة بناء علاقات متميزة مع جنوب السودان، نظرا لاستحواذه على النسبة الأكبر من النفط في السودان من جهة، فضلا عن وجود مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية غير المستثمرة في الجنوب من جهة أخرى. وبجانب الدعم العسكري "الإسرائيلي" الموجه لعدد من دول حوض النيل، وخاصة أثيوبيا وأوغندا وكينيا والكونغو الديمقراطية، فان "إسرائيل" تسعى إلى ما هو اخطر من ذلك الدعم من خلال مشاريعها المائية المشتركة مع دول حوض النيل. ففي عام 2009م قدمت "إسرائيل" إلى كلمن الكونغو الديمقراطية وراوندا من (دول المنبع) دراسات تفصيلية لبناء ثلاثة سدود كجزء من برنامج متكامل تهدف "إسرائيل" من خلاله إلى التمهيد لمجموعة كبيرة من المشروعات المائية في هذه الدول، أما في أوغندا فتقوم "إسرائيل" بتنفيذ مشاريع ري في عشر مقاطعات يقع معظمها في شمال أوغندا بالقرب من الحدود الأوغندية المشتركة مع السودان وكينيا، ويجري استخدام المياه المتدفقة من بحيرة فكتوريا لإقامة هذه المشاريع، وهو ما يؤدي إلى نقص المياه الواردة إلى نهر النيل الأبيض احد أهم الروافد المغذية لنهر النيل في مصر. وفي أثيوبيا تقوم "إسرائيل" بإقامة أربع سدود على النيل لحجز المياه وتوليد الطاقة الكهرومائية، وضبط حركة وتدفق المياه باتجاه مصر والسودان، كما وتقوم شركات استثمارية يملكها جنرالات متقاعدون خدموا في الموساد بعروض للمساهمة، في تلك المشاريع المائية سواء في مشاريع بناء السدود على منابع النيل في الأراضي الأثيوبية او في مشاريع زراعية أخرى، علما بان أثيوبيا أقامت (102) سد وأوغندا وكينيا أقامت سدود على نهر النيل و بدعم "إسرائيلي" مما يرجح إمكانية تجفيف منابع النيل في دول المنبع مستقبلا، وحرمان مصر من هذه المياه في المستقبل البعيد وحسب تطورات الوضع السياسي في مصر بعد ثورة 25 كانون الثاني يناير 2011.5. مستقبل الأوضاع الجيوسياسية لحوض نهر النيلنهر النيل هو من اطول انهار العالم اذ يبلغ طوله (6650) كم، احد روافده بنبع من ثاني اكبر بحيرة في العالم "بحيرة فكتوريا"، وتقع على بعض روافده أكبر المستنقعات في العالم "السد في جنوب السودان" فالدول العشرة المتشاركة في نهر النيل (بوروندي، راوندا، الكونغو الديمقراطية، أثيوبيا، أوغندا، تنزانيا، اريتريا، السودان، مصر وجنوب السودان) يقع من ضمنها أفقر خمس دول في العالم، سبع من الدول المتشاركة عاشت خلال (15) سنة الماضية ولا زالت تعيش نزاعات مسلحة، ويعتمد أكثر من (300) مليون نسمة في هذه الدول على نهر النيل (أكثر من 10% من سكان أفريقيا)، ويتوقع أن يصل هذا العدد إلى (500) مليون نسمة بحلول عام 2025. إن حوالي (86%) من مياه نهر النيل تأتي من الهضبة الأثيوبية كما أوضحنا سابقا، بينما تساهم البحيرات الاستوائية بحوالي (14%) فقط من مياه نهر النيل، وتقدر كميات مياه نهر النيل التي تصل أسوان سنويا بحوالي (84) مليار م3، وهذا يجعل نهر النيل من اضعف واقل الأنهارمياها في العالم مقارنة بمساحة حوضه وطوله وعدد الدول المتشاركة فيه، إن هذا الضعف في وارد المياه السنوي يمثل المشكلة الأساسية والكبرى لنهر النيل ودوله وشعوبه, إن الازدياد المضطرد للسكان والاحتياجات المائية المتنامية لهم، إضافة إلى التغيرات المناخية والتدهور البيئي في دول الحوض سيجعل المشكلة تتفاقم. ان حوالي (45%) من حوض النيل يقع في جنوب السودان، كما ان حوالي (90%) من جنوب السودان يقع داخل حوض النيل، وان (28%) من مياه النيل تعبر الحدود من جنوب السودان إلى الشمال ومن ثم إلى مصر. وان كمية المياه التي يمكن استخلاصها من مستنقعات جنوب السودان وإضافتها إلى نهر النيل قد تصل إلى (20) مليار م3، لذا فقد تضمنت اتفاقية السلام الشامل بين حكومة الخرطوم والحركة الشعبية لتحرير السودان الحاكمة في جنوب السودان الإشارة إلى مياه النيل في بروتوكول تقسيم السلطة وليس بروتوكول تقسيم الثروة، وأعطى هذا البروتوكول كافة الصلاحيات حول مياه النيل إلى الحكومة المركزية في الخرطوم، ولم يتضمن البروتوكول أي إشارة إلى مشاريع زيادة إيراد مياه النيل من مستنقعات جنوب السودان او إلى قناة جونقلي التي كانت الحركة الشعبية لتحرير السودان قد أوقفت العمل فيها عام 1984.ومما تقدم ومن خلال المعطيات أعلاه نخلص القول إلى أن هذه الحقائق قد تخلق إشكاليات لشمال السودان وكذلك دول الحوض الأخرى، بعد استقرار جمهورية جنوب السودان، وكذلك ستجد حكومتي شمال السودان وجنوبه صعوبات كبيره في ترسيم الحدود باعتبار أن معظم الأجزاء من هذه الحدود لها تبعات مائية. إن اخطر التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والهيدرولوجية والبيئية التي يواجهها نهر النيل ودول الحوض، هو موازنة الاستعمالات القائمة لدولتي المرور والمصب (السودان ومصر) بالاحتياجات المتنامية لدول المنبع التسع المتبقية من ضمنها جمهورية جنوب السودان، وان الحل الأمثل هو التعاون الكامل لدول الحوض، والتركيز على تقاسم المنافع بدلا عن المياه هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق الاستفادة القصوى من نهر النيل وزيادة وحماية موارده. إن الدعم "الإسرائيلي" لجمهورية جنوب السودان وفي كافة المجالات وأمام حالة التغيرات الجيوسياسية فان انفصال جنوب السودان سيقود إلى تعميق أزمة تقسيم مياه النيل بسبب بروزالعوامل التالية:أ- ولادة دولة جديدة في جنوب السودان ، والتي ستطالب بحصتها من المياه والتي كانت توزع بين مصر والسودان على وفق اتفاقية عام 1959، إذ تعطي الاتفاقية لمصر حق استغلال (55) مليار م3 من مياه النيل من أصل (83) مليار م3 تصل إلى السودان.ب-تغلغل "إسرائيل" في منطقة القرن الأفريقي، حيث أقامت علاقات واسعة في المجالات السياسية والأمنية والعسكرية مع دول المنطقة، فضلا عن تقديمها الإغراءات لحكومة جنوب السودان في مساعدتها في بناء السدود المائية على نهر النيل، كما أبدت رغبتها بتقديم الدعم السياسي والأمني والاقتصادي لجنوب السودان.ت-تكمن خطورة تطوير العلاقات بين "إسرائيل" وحكومة جنوب السودان، بأن القادة "الإسرائيليين" يريدون استخدام جنوب السودان كمدخل استراتيجي وبدعم من الولايات المتحدة الأمريكية، لإنهاء النفوذ العربي الإسلامي عن طريق إقامة نواة افريقية صلبة في منطقة حوض النيل تتعاون مع "إسرائيل" أو إغلاق بوابة العبور العربية باتجاه أفريقيا والمتمثلة بجنوب السودان.الخاتمةخلصت الورقة البحثية إلى عدد من الاستنتاجات ومن أهمها :1. تداعيات العلاقات "الاسرائلية" مع جنوب السودان ، ستكون له انعكاسات خطيرة على المصالح المصرية في مياه نهر النيل ، وعلى علاقة مصر بشمال السودان وجنوبه.2. إن إعلان جمهورية جنوب السودان سيقود دول حوض النيل إلى تعميق أزمة تقسيم مياه نهر النيل، بعد مطالبة حكومة جوبا بحصتها من مياه النيل باعتبارها دولة ممر باتجاه الخرطوم والقاهرة.3. إن من ابرز عوامل الخلل في اتفاقية السلام بين حكومة الخرطوم والحركة الشعبية لتحرير السودان، لم يتضمن أي إشارة إلى مستقبل الثروة المائية في مياه النيل ، مما سيخلق مشاكل جيوسياسية عند القرار على ترسيم الحدود بين شمال السودان وجنوبه.4. إن مياه النيل الأبيض الذي يمر بجنوب السودان ويتدفق إلى شماله ومصر، في حالة إقامة أي منشآت مائية عليه من قبل حكومة جنوب السودان سيؤثر على حصة مصر والسودان من مياه هذا النهر، ومن المحتمل أن تستخدمه حكومة جوبا كورقة ضغط سياسية اتجاه حكومة الخرطوم لحلحلة بعض المشاكل العالقة بينهما ، وبذات الوقت فان الحكومة المصرية ستسارع إلى بنـاءعلاقات متميزة مع جنوب السودان لضمان تدفق واردات نهر النيل، ومن المحتمـل أيضـا أن تحدث عملية تجاذب سياسي يعقبها توتر بالعلاقات الثنائية بين القاهرة والخرطوم.5. إن مصر ستتأثر بواردات نهر النيل الأبيض والذي يقطع جنوب السودان من جنوبه إلى شماله في المستقبل البعيد، إذا أقدمت حكومة جنوب السودان على تنفيذ العديد من المشاريع المائية على نهر النيل الأزرق. المقالة منشورة في نشرةاوراق اقليمية اذار 2012 |