22 سبتمبر، 2012
موقف روسيا الاتحادية من حركات التغيير العربية
أ.م.د محمد عبد الرحمن يونس العبيديرئيس قسم الدراسات التاريخية والثقافية. مركز الدراسات الإقليمية. جامعة الموصلشهدت عدد من الدول العربية ومنذ مطلع عام 2011 قيام احتجاجات ومظاهرات شعبية واسعة بهدف تغيير الأنظمة السياسية العربية القائمة فيها ، وكان هذا الحدث لا يقل في أهميته وتأثيراته العربية والدولية عما شهده العالم من أحداث كان لها تأثيراتها وانعكاساتها على الساحة الدولية كانهيار الاتحاد السوفيتي 1991عام ، وهجمات الحادي عشر من أيلول عام 2001.لقد جاء قيام حركات التغيير العربية أو كما يطلق عليها بالثورات العربية أو الربيع العربي، نتيجة لعقود من الظلم والاستبداد لعدد من الأنظمة السياسية العربية.ولأهمية ما جرى ويجري على الساحة العربية من تداعيات نتيجة لهذه الحركات وما قد تشهده من تطورات، وما قد ينتج عنها مستقبلا من متغيرات، وتباينت على إثرها المواقف الإقليمية والدولية كل بحسب مصالحه، فقد جاءت الدراسة لرصد الموقف الروسي من هذه الحركات، وانعكاسه على مستقبل العلاقات العربية – الروسية.وكما كان لحركات التغيير العربية انعكاسات كبيرة على الدول العربية نفسها، كان لها تأثير أيضا على دول أخرى بحكم العلاقات السياسية والمصالح الاقتصادية التي تربطها بالأنظمة السياسية الحاكمة في تلك الدول، فضلا عن أهمية الموقع الجغرافي، والثروات الطبيعية التي تمتلكها عدد من الدول العربية ، ومن هذا المنطلق تباينت مواقف الدول من هذه الحركات ، فكانت بين المرحب بها والمعارض لها والمتحفظ.وقدر تعلق الأمر بالموقف الروسي ، فقد اتسم في بداية انطلاق هذه الثورات بعدم الاهتمام بالنسبة لتونس واليمن وحتى مصر، وتطور هذا الموقف إلى المعارض بالنسبة للملفين الليبي والسوري بحكم المصالح الاقتصادية بين البلدين، واعتمدت السياسة الخارجية الروسية بشكل عام على مصطلحات "عدم الاستقرار" و" الاضطرابات " في وصف حركات التغيير العربية، وغاب استخدام مصطلحات التي شاع استخدامها في وسائل الإعلام وخطابات السياسيين مثل الثورات العربية أو الربيع العربي، وفي الوقت الذي أبدت فيه الولايات المتحدة الأمريكية دعمها ومساندتها لهذه الحركات واصفة إياها بالحركات الثورية من اجل الحرية والديمقراطية، فأن روسيا لم تخف القول أن حركات التغيير هذه " فوضى لا جدوى من ورائها " وعليه كان الموقف الروسي من الحالة الليبية واضحا منذ البداية، وأبدت روسيا معارضتها لأي تدخل دولي في ليبيا على وفق قرار 1973، الذي سمح لقوات حلف شمال الأطلسي بالتدخل لحماية المدنيين فقط في ضوء إدانة المجتمع الدولي لنظام معمر القذافي، لكن الموقف الروسي تراجع بعد ذلك في ظل تصاعد الصراع المسلح في ليبيا واتساع هجمات حلف شمال الأطلسي، اذ وصف الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف قرار مجلس الأمن 1973 " بالخاطئ وغير الصائب وانه قد أسيئ استخدامه من جانب عدد من الدول".وقد رأت بعض النخب السياسية في روسيا أن مصالح روسيا مع الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية هي اكبر من مصالحها في ليبيا أو في حماية بعض الأنظمة والدفاع عنها، لذلك لم تبد روسيا موقفا معارضا إلى النهاية في الحالة الليبية.أما فيما يخص الملف السوري فقد أبدت روسيا رفضها ومعارضتها الشديدة منذ البداية ولحد ألان لأي تدخل دولي يقود في نهاية المطاف إلى تكرار ما جرى في ليبيا، ومازال يقف بالضد من أية جهود تهدف إلى تدويل القضية السورية ، وأبدت روسيا معارضتها ورفضها لأية عقوبات دولية، بما في ذلك العقوبات الأمريكية والأوروبية ، وأكدت على أهمية أن يكون الحل سلمياً و عن طريق جامعة الدول العربية، من هذا المنطلق رحبت روسيا بجهود الجامعة العربية في إرسال بعثة المراقبين العرب، وعدتها خطوة باتجاه حل الأزمة السورية.ورغم أن موسكو أكدت ومنذ بداية قيام حركات التغيير التي جرت في الدول العربية على أهمية أن يكون التغيير سلميا بعيدا عن العنف، واعتماد الحوار والتوافق الوطني والأطر القانونية في حل هذه القضايا، ومع رفض استخدام القوة من جانب السلطة في مواجهة حركات التغيير العربية، لكن حقيقة الموقف الروسي وفي نظر الشعوب العربية التي شهدت قيام الثورات والتي لم تشهدها كذلك، كان مع الأنظمة العربية ومدافعا عنها بحكم المصالح بينهما، وما يؤكد هذا القول أن الموقف الروسي لم يتغير باتجاه تأييد موقف حركات التغيير العربية لحد ألان.عوامل أو محددات الموقف الروسي:أما أهم المحددات والعوامل التي حكمت الموقف الروسي أو أثرت عليه فهي :1-طبيعة النظام السياسي الروسي ، فهو يشبه إلى حد كبير الأنظمة السياسية العربية في آلية الحكم، من حيث التضييق على وسائل الإعلام، واعتقال المعارضين ، وفرض إرادة وفكر الحزب الواحد، إضافة إلى اعتماد التلاعب في الانتخابات لصالح الحزب الحاكم ، وهذا ما شهدته روسيا مؤخرا حيث اتهم الحزب الحاكم (روسيا الاتحادية ) من الداخل والخارج بالتلاعب في الانتخابات لصالحه، وخرجت مظاهرات في روسيا تطالب بإعادة الانتخابات، لذلك لا يمكن أن تكون روسيا من الدول التي تؤيد حركات التغيير العربية التي تدعو إلى الخلاص من النظم الشمولية، واعتماد الحرية والديمقراطية ، وبناء نظام سياسي تعددي وفق النظم السياسية الحديثة ، والخوف كذلك من امتداد تأثيرها إلى روسيا نفسها، وبذلك ينطبق عليها القول " فاقد الشيء لا يعطيه ".2-المصالح السياسية والاقتصادية والعسكرية الروسية في عدد من الدول العربية ، إذ تمتلك روسيا علاقات سياسية متينة مع بعض الدول العربية، فضلا عن المصالح والاستثمارات الاقتصادية والتعاون العسكري والتقني والتي تقدر بمليارات الدولارات، لذلك من الطبيعي أن تقف روسيا إلى جانب مصالحها بتأييد الأنظمة السياسية القائمة وبالضد من حركات التغيير العربية والتي ترى بأنها وفي حالة تمكنت من تحقيق ما تصبو إليه فهي اقرب ما تكون إلى الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية بحكم طبيعة النظم السياسية الغربية الديمقراطية والتي تؤيد وتدعم كل تغيير باتجاه إقامة نظام سياسي ديمقراطي حقيقي.3-الموقع الجغرافي والاستراتيجي لعدد من الدول العربية والتي يعد البعض منها مناطق نفوذ روسية في ظل الأنظمة السياسية العربية القائمة، فمن المؤكد أن تسعى روسيا إلى حماية مناطق نفوذها ومصالحها فيها والدفاع عن الوضع القائم والوقوف ضد أي تغيير قد يؤدي إلى تهديد نفوذها في ضوء مساعي الدول الغربية لاختراق هذه المناطق والهيمنة عليها.4-اعتمدت روسيا الاتحادية ومنذ انهيار الاتحاد السوفيتي(السابق) مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول كتوجه عام حكم السياسة الخارجية الروسية منذ ما يزيد على العقدين من الزمن ، وسعت باتجاه تحقيق مصالحها وحمايتها عن طريق توثيق العلاقات مع الدول العربية والتعاون والشراكة معها ، والابتعاد عن مفهوم الهيمنة أو التدخل المباشر في شؤونها.5-في ضوء طبيعة الوضع الداخلي لعدد من الأقاليم الروسية والتي تشهد حالة من عدم الاستقرار ولمدة زمنية ليست بالقليلة واعتماد روسيا وسائل مختلفة لإعادة الاستقرار إليها بما فيها القوة، جعل من الصعب أن تنتقد روسيا النظم السياسية العربية القائمة التي تستخدم نفس أسلوبها او تقف ضدها، وهو ما يعني انتقاد للنظام القائم في روسيا نفسه.6-ارتبط الموقف الروسي وتأثر إلى حد ما بمواقف الدول العربية والإقليمية ذات التأثير في المنطقة ، فعلى سبيل المثال وفي الحالة الليبية أشار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى انه " بدون وجود موقف واضح من قبل جامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي والتي تعد ليبيا عضوا في كليهما ،فان موسكو لا تستطيع النظر في أية خطوات "، وعليه كان موقف الدول العربية المندد بسياسية ألقذافي ضد المعارضين له، وترحيبها بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1973 الذي سمح بتدخل المجتمع الدولي لحماية المدنيين ، والذي أسهمت عدد من الدول العربية بقواتها من خلاله ،دفع روسيا إلى عدم رفض القرار أو استخدام الفيتو ضده.7-الانتقادات الداخلية ولاسيما من قبل عدد من كبار الساسة الروس والتي وجهت إلى الرئيس ميدفيدف نتيجة موقفه من الملف الليبي وعدم استخدامه الفيتو في تعطيل القرار رقم 1973 جعل الموقف الروسي من الملف السوري أكثر تشددا، رغم أن الموقف الروسي لم يتغير بالنسبة للحالة الليبية حتى بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي 1973 ، إذ دعا مجلس الدوما الروسي مجلس الأمن الدولي إلى وقف إطلاق النار والعمليات العسكرية والهجمات على المدنيين ، ودعت دول حلف شمال الأطلسي إلى ضرورة وقف عملياتها العسكرية التي تلحق ضررا بالشعب الليبي والبنى التحتية في ليبيا ، وهذا ما أكدته موسكو وكررته لأكثر من مرة. أما فيما يخص مستقبل العلاقات العربية – الروسية ، فمن المؤكد أن استمرار الموقف الروسي الحالي والمعارض لتغيير النظام السياسي في سوريا ، واستخدام روسيا للفيتو ضد مشروع القرار العربي – الغربي في مجلس الأمن الدولي والذي تضمن المبادرة العربية وبدعم غربي ، سينعكس سلبا على علاقات الجانبين في ظل تأكيد جامعة الدول العربية على أهمية استجابة سوريا لمبادرة الجامعة وقراراتها. ولاشك أن روسيا تدرك جيدا أهمية استمرار وتنمية مصالحها في الدول العربية وهذا لا يكون إلا من خلال علاقاتها مع الشعوب العربية والتي تمتد إلى عشرات السنين ،فالشعوب العربية باقية والأنظمة السياسية زائلة مهما طال أمدها.مصادر المقالة1- نورهان الشيخ –روسيا والثورات العربية2- عاطف معتمد عبد الحميد-روسيا والعرب :أوان البراغماتية ونهاية الأيدلوجية3-pivel k.bave;" Russia’s counter revolutionary stance toward the Arab spring", insight Turkey ,Vol13;no3.2011