15 ديسمبر، 2012
هيكلية الإعلام الدولي في ظل التحولات البنيوية
بعد انتهاء الحرب الباردة ودخول العالم مرحلة جديدة غير مسبوقة تغيرت فيها معالمه وتعدلت فيها ثوابته قاد إلى حصول تغيرات أساسية في الميادين كافة وعلى كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية،مما أسفر عن خلل في التوازن الدولي الذي خلفته مرحلة الثنائية القطبية في فترة الحرب الباردة.
في الفترة التي تلت التحولات الدولية وما أصاب الدول من تغيرات دولية من خلال انتهاء الحرب الباردة والسيطرة الرأسمالية على اقتصاد السوق وعولمة الفكر السياسي العالمي، وتهميش مفهوم السيادة الوطنية على أساس انتهاء مفهومها تمهيدا لإقامة حكومة عالمية، كل ذلك أصاب القانون الدولي ومنظمة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بالتغيير أيضا في مديات تدخلها وعملها بحيث اتسع نطاق فرضياتها عبر الحدود وأخذت تتوسع في أسلوبها بصورة عكسية مع الواقع الداخلي للدول على أساس ان كل اتساع في الواقع الدولي يقابله تهميش للواقع الداخلي في أية نظرية دولية معاصرة.
ويرى الكاتب الأمريكي (نوفلر) أن نظام المعلومات هو الثورة الثالثة أو وجه الحضارة الثالث، على اعتبار أن الثورة الأولى كانت زراعية والثانية صناعية أما الثالثة فهي معلوماتية وتعتبر ثورة المعلومات أحدى سمات نظام ما بعد الحرب الباردة بما لها من تأثير مباشر في سياسات الدول، ويذهب البعض إلى (أن الاتصالات ألغت وحدة الزمان والمكان فالحدث الذي يقع، ينتقل مباشرة أو بعد ذلك بقليل والى أي مكان في العالم فالإعلام أصبح يشغل ذات الأهمية التي يشغلها الاقتصاد مثلا، ومن ثم أضحت وسائل الأعلام تقدم حسب الرغبة والقناعة والقدرة وهذا ما شكل للدول تحدياً مضافاً إلى التحديات الخارجية، لما تتمتع به هذه الاتصالات من اختراق الحدود (عابرة الحدود) كغيرها من المؤثرات الدولية، وهي بالتالي تنقل الخبر والحدث والتقرير الإعلامي وتوصله إلى المتلقي دون مرورها بموافقة أو حصولها على إذن أو تفويض، هذا التحدي الإعلامي خلق نوعاً من التأثير على الدول النامية التي أخذت هذه الوسائل والفضائيات باعتبارها المصادر الأساسية للدول الكبرى ولها القدرة على التغطية المباشرة للحدث والمعرفة التفصيلية له وأصبحت هذه الوسائل المصدر الوحيد والصحيح في المجال الإعلامي لتلك الدول، وأخذت بعض وسائل الاتصال تعبر عن وجهة نظر دولة معينة وتنقل آراءها إلى بقية الدول وعن الوضع الدولي بما تراه تلك الدول صاحبة الرأي الأول في القنوات أو الاتصالات أو الشبكات الدولية (الإنترنيت)، ومن ثم فإن تناول هذه الأمور يعني إخراجها من نظامها الوطني ليجعلها جزءاً من الأمور الدولية والتعامل معها على أساس كونها حالة أو وضعا دوليا وليست شأناً داخلياً يحرم التدخل فيه.
فقد أدت وسائل الإعلام من وكالات أنباء وشبكات التلفزة والوسائل الأخرى ذات النفوذ الإعلامي أللامحدود عن قصد أو من غير قصد دوراً كبيراً خلال هجمات الأطلسي على البلقان الذي أدار حرباً إعلامية من خلال البيانات والمؤتمرات الصحفية لقادته العسكريين والتي يتم نقلها مباشرةً إلى كل الدول، وقد أنتجت هذه السياسة الإعلامية أمرين مهمين كان الأول منهما هو قبول و دعم كل ما يقوم به الحلف الأطلسي من أعمال في البلقان وثانيهما تحييد الآلة الإعلامية السوفيتية وإخراجها من الحرب الدعائية عن طريق القصف المباشر لمحطات التلفزة وشبكات التلفزة اليوغسلافية مما جعل مصدر الأخبار والتدفق الإخباري يأتي من مصدر واحد ورؤية واحدة
كذلك الحرب في العراق عام 2003، فقد لعبت وسائل الإعلام الأجنبية دورا لايستهان به في هذه الحرب وعكست ماتريد ان تقوله في تلك الفترة التي أعقبت احتلال العراق.
وكان لابد للإعلام العربي ان يستفيد من دروس الماضي وعليه ان يعمل بعيدا عن أي تاثير دولي مبرمج وقالب جاهز يضع صيغته في أروقة الإعلام العربي ليخرج الإعلام العربي نسخة طبق الأصل عن الإعلام الدولي وهذا نتيجة الضغوطات الخارجية والاحتلالات المباشرة وغير المباشرة، لذلك عمل الإعلام العربي على توحيد الجهد اجل تعزيز التجربة الإعلامية العربية والعمل من اجل ان يخرج الخبر عربيا صحيحا من خلال العمل بجهد عربي خالص وعدم الالتفات الى الدعاية الغربية في صنع الخبر
لقد كانت مقدرة الأعلام في العمل العربي كان الى حد ما يتسم بالقصور نتيجة تحديات داخلية خاصة بأنظمة الحكم وخارجية من خلال هيمنة المؤسسات الدولية على واقع الأعلام وعدم قدرة الأعلام العربي اوأي إعلام داخلي خارج الرقعة الجغرافية للوطن العربي على مجاراة الأعلام الدولي، وبما أن الأعلام الداخلي لديه خيارين لاثالث لهما فإما الرجوع والتقهقر من خلال وضع الخبر الداخلي من رؤية خارجية- او الانطلاق بصورة مباشرة نحو عمل الإعلام العربي بصورة مستقلة عن الإعلام الدولي.
لذلك فقد سعت وسائل الأعلام العربية إلى مزاحمة هذا التطور للظهور بالصورة التي يستطيع فيها المواطن البسيط الاعتماد عليها، فالغاية تكمن في أن المواطن العربي لابد أن يصل الى مرحلة انتقاء الخبر العربي من وسيلة عربية دون الرجوع إلى وسيلة أجنبية تضع بعض الأساسيات التي تريد إيصالها إلى المتلقي عن طريق الإيحاء بان العرب لا يملكون الوسيلة الإعلامية القادرة على الظهور بما ينبغي.وهذا ماعز العمل الإعلامي العربي من خلال انه اختار طريق العمل المستقل والمحايد عن العلام الدولي دون ان تصيبه هنات التقهقر او الانهيار او التراجع.
*الإعلام وصنع القرار
وهنا يثار ثمة تساؤل يطرح في مجال الإعلام ودوره في عملية البناء القانوني وصنع القرار، هل يوجد فجوة يمكن تلمسها بين النظام والإعلام وإذا كانت هذه الفجوة متحققة فما هو حجمها وكيف يتم تقريب وجهات النظر دون أن يكون هناك أي تغيير في المعايير الموضوعية ؟
لقد أكدت الدراسات البحثية في هذا المجال انه من الممكن أن يكون هناك فجوة بين الإعلام ونظامه الحاكم وهذا أمر وارد مثلما قد يكون هناك علاقة طبيعية بينهما،وإذا أخذنا بالوضع الذي يشمل علاقة عكسية بين الإعلام والخطاب السياسي وصنع القرار فان هناك من يصف تصحيح هذه العلاقة بإقامة التبعية للنظام الحاكم حيث أن هذه الوسائل الإعلامية لاتشارك في بعض الدول مشاركة فعلية في عملية صنع القرار السياسي مما يعني تجردها عن طابعها الوظيفي او المبرر الأساس لعملها، كذلك فهي من جهة أخرى تبقى عاجزة عن الرقابة والمحاسبة على اي تصرف يكون للنظام النصيب الأكبر في ادائة ويعطي انعكاسا سلبيا على الواقع.
الحل الجذري والذي تنبه له الأعلام من خلال الكثير من المناقشات وتعلم الدروس من الأخطاء محاولة ردم الهوة بين ثقة الأعلام وصنع القرار، وهي رغبة أكيدة في مبادرة الأعلام التوصل من خلال فكره المستقل الى هيكلية مؤسساتية قادرة على توظيف الخبر والتعليق عليه وصولا الى الغاية الأساسية في المشاركة في عملية صنع القرار السياسي أو العمل على تعديل جزيئاته على اقل تقدير.
لقد كان للأنظمة الدور أيضا من خلال إعطاء الأعلام المساحة الواسعة للعمل بحرية خلال الأعوام الماضية وفتح المجال أمام الرأي والرأي الأخر وقبول المعارضة الفكرية على أسس علمية وقائمة على تجرد وموضوعية ومهنية، وركزت الأنظمة في الوصول إلى حرية الإعلام لكي يراقب عملية التحول السياسية في الأنظمة العربية حتى تستطيع هذه المؤسسة أن تقول كلمتها في نهاية الأمر دون أن تنتظر تقييدا سياسيا، مع هذا فهي تتحمل مسؤولياتها القانونية الدولية والأخلاقية.
ولكي ندرك فاعلية هذه المؤسسات فلابد أن تكون وفق شروط عملية تحقيق غايتها في أن تكون مستقلة وموضوعية ومجردة من أي انتماء سياسي أو عقائدي وان تكون بعيدة عن التحزب بقدر ما هي قريبة من الحدث السياسي لضرورات تفرضها تلك المهنة في البحث عن المتاعب