17 سبتمبر، 2012

مع كتاب تأريخ الطباعة والصحافة في كركوك ، لعطا ترزي باشي

مع كتاب تأريخ الطباعة والصحافة في كركوك ، لعطا ترزي باشي
أ.د .إبراهيم خليل العلافمركز الدراسات الإقليمية ـ جامعة الموصل
التأريخ للصحافة العراقية المعاصرة ، محاولة ليست سهلة ، بل هي محفوفة بالمخاطر ، فضلا عن صعوبتها لأسباب كثيرة لعل في مقدمتها فقدان أصول الصحف والمجلات وبعثرة تواجدها ليس في مكتبات ودور الوثائق العراقية وحسب بل وفي مكتبات العالم كله .. وكلنا يعرف ان اول جريدة عراقية وهي التي أصدرها داؤد باشا والي بغداد في أواسط القرن التاسع عشر لاتزال مفقودة ولم نعثر حتى الآن على أي عدد منها مما جعلنا نحن الباحثين نعد جريدة ( زوراء ) التي أصدرها مدحت باشا ، والي بغداد بين 1869 – 1872 اول جريدة تصدر في العرق .. وإذا كانت الصحافة في بغداد العاصمة تحتاج الى المزيد من التوثيق والتأريخ لها ولمحرريها ولمن كانت يكتب فيها مع اعترافنا بجهود الذين كتبوا عنها في مناسبات عديدة ، فإن محاولة التأريخ لصحافة المحافظات لاتزال تواجه مشكلات وعقبات عديدة ، لكن هذا يجب ان لايمنعنا من ان نلج هذا الميدان ونرحب بكل من يقدم على توثيق صحافة مدينته ومحافظته ..
ومنذ سنوات طويلة اضطلع المحامي والمؤرخ والباحث الكركوكي المعروف الأستاذ عطا ترزي باشي ( مواليد 1924 ) بعملية التأريخ لصحافة وطباعة كركوك .. وأول مقالة كتبها في هذا الصدد كانت في 22 تشرين الثاني 1947 نشرها بعنوان ( الصحافة عندنا ) في جريدة الشورى ( البغدادية ) واعقب تلك المقالة سلسلة من المقالات المماثلة منها مقالته باللغة التركمانية في ( جريدة كركوك) التي كانت تصدر في كركوك وبعنوان ( غزه ته جليك تاريخي ) أي ( تاريخ الصحافة الكركوكية ) وذلك في سنة 1953. وفي الأول من مايس سنة 1954 كتب في مجلة الثقافة الحديثة الكركوكية مقالة عن صحافة كركوك ثم تولى سكرتارية تحرير جريدة الآفاق الأسبوعية التي صدرت في كركوك سنة 1954 وفي سنة 1958 أصدر مع أحد زملائه جريدة البشير الأسبوعية في كركوك وباللغتين التركمانية والعربية وأخيرا أصدر في سنة 1986 كتابه عن تأريخ الطباعة والصحافة في كركوك وذلك باللغة التركمانية وقد ترجمه الى العربية الأستاذ مولود طه قاياجي وأصدرته الجبهة التركمانية العراقية في كركوك قبل أيام ووصلت الينا نسخة مهداة من هذا الكتاب القيم ففرحنا به لأهميته ولمعرفتنا بالجهد الذي بذله مؤلفه ومترجمه فبارك الله بهما..
وقبل ان نعرض لمضامين هذا الكتاب الثمين يتوجب علينا ان نعرف بمؤلفه فنقول ان من حسن الصدف ترافق صدور الكتاب مع مقالتنا عن المؤرخ عطا ترزي باشي التي نشرت في مجلة علوم إنسانية الالكترونية ( ربيع 2008 ) والتي تصدر في هولندا وضمن (موسوعة المؤرخين العرقيين المعاصرين ) التي لنا شرف إعدادها منذ سنتين والتي وصل عدد من كتبنا عنهم الـ ( 50 ) مؤرخا عراقيا معاصرا .. ومما كتبناه عن عطا ترزي باشي انه مؤرخ وباحث وشاعر من كركوك ابتدأ الكتابة منذ أواسط الأربعينات من القرن الماضي ، وكانت كتاباته الأولى ، كما يقول صديقه ومجايله الأستاذ وحيد الدين بهاء الدين ، تنصرف لمتابعة موضوعات تتعلق بتراث كركوك ، وتاريخها ، ومبانيها ، ومدارسها ، وجوامعها وقشلاتها ، ولم يقف عند تلك الموضوعات ، بل اتسع اهتمامه ليتناول موضوعات تتعلق بجغرافية كركوك ، وتركيبتها السكانية وأوضاع الصحافة والأدب والفن فيها ،وقبل فترة خرج علينا بموسوعته الموسومة ( شعراء كركوك ) وكتابه ( التاريخ الشعري للعمارات والمؤسسات بكركوك ).وقد عمل عطا ترزي باشي بالصحافة وكتب بها وحظيت جريدة كركوك بالقسط الأعظم من مقالاته ودراساته .. كما مارس المحاماة وتولى رئاسة غرفة المحامين في كركوك . ولد عطا ترزي باشي سنة 1924 وأكمل دراسته في كركوك ثم ذهب إلى بغداد ودخل كلية الحقوق ، واتجه للعمل الصحفي وخلال المدة من 1959 حتى 1963 كتب مقالات عديدة في الصحافة ومن كتبه المنشورة تاريخ الصحافة والطباعة في كركوك 1879 – 1985 وكتاب أغاني كركوك وكتاب الأمثال الشعبية في كركوك ولقد كرم مرات عديدة داخل العراق وخارجه وكان أخر ما كرم به منحه شهادة الدكتوراه الفخرية من جامعة فوكتور الأذربيجانية العالمية يوم 8 تشرين الأول 2007 تقديرا لما أسداه من خدمات للثقافة التركمانية خصوصاً وللثقافة العراقية عموماً.
نعود الى كتابه الذي ترجم الى العربية والمتعلق بتأريخ الصحافة والطباعة في كركوك ، وفيه يذكر ان أول مطبعة تأسست في كركوك كانت سنة 1296هـ ( 1853م ) وسميت مطبعة الولاية .. ومن الطريف ان الشاعر عبدالله صافي كاتب العربية في مركز لواء كركوك أرخ للمطبعة في قصيدة بالتركمانية قال فيها ان اهل الموصل ازدانت قلوبهم بالسرور بعد استحداث ولاية عثمانية باسم مدينتهم الموصل الحدباء .. وفي سنة 1286هـ ( 1870م ) تأسست مدرسة الصنائع في كركوك واشترى متصرفها عون الله الكاظمي مطبعة ضمت الى المدرسة لأغراض تدريب الطلبة وكانت المطبعة مؤلفة من مكانة طبع واخرى طبع بالليطوغراف وثالثة للسحب باليد ( طبع البروفات ) الى جانب ( 17 ) صندوقا من الحروف الطباعية . وقد طبعت في هذه المطبعة كتب وصحف ومجلات عديدة منها ( از انس زور نالي ، وجريدة حوادث ، ومجلة معارف ) ومن الكتب عمدة القواعد( وعربي در سلرى) أي الدروس العربية قسم الصرف وكتابي سراج الطالبين ، ومفتاح حقيقت ثم توالى انشاء المطابع..
أما أبرز الصحف الكركوكية فكانت جريدة حضراء وهذا الاسم مشتق من الحضارة وعلى وزن ( زوراء ) وقد كتب كاتب تحرير ولاية الموصل مصطفى مختار بك كتابا رسميا مؤرخا في 18 ذي القعدة 1299هـ ( 19 ايلول 1298 مالية رومية (1288م ) جاء فيه ان ( والي الموصل تحسين باشا ) وافق على إصدار صحيفة في كركوك باسم ( حضراء(ويقف الباحث عند جريدة حوادث ) التي صدر عددها الأول في 25 شباط 1911 ، ثم عند ( مجلة معارف ) وهي مجلة نصف شهرية تصد مرة كل 15 يوما وجاء في ترويستها أنها مجلة أدبية فنية وعلمية صدرت باللغة التركية في كركوك وبرز عددها الأول في 11 نيسان 1329 رومية ( 1331هـ م 1913م ) .. وهناك كذلك ( مجلة كوكب معارف ) .. وفي عهد الاحتلال البريطاني ( 1914 – 1918 ) صدرت في كركوك ( جريدة نجمة ) وبرز عددها الأول في 15 كانون الأول 1918 ثم صدرت ( جريدة تجدد ) ( 20 تشرين الثاني 1920 ) وفي العهد الملكي 1921 – 1958 تأسست مطابع كثيرة في كركوك وصدرت صحف ومجلات منها ( جريدة كركوك ) وعددها الأول مفقود وهناك عددها الخامس الصادر في 21 تشرين الثاني 1926 وجريدة ( كاور باغي ) وجريدة ( ايله ري ) ومجلة الثقافة الحديثة . وجريدة الأفاق وجريدة صدى الشمال وجريدة الوحدة ومجلة الشفق وفي العهد الجمهوري صدرت جريدة البشير التي برز عددها الأول في 23 أيلول 1968 وجريدة رأي الأهالي وبرز عددها الأول في 6 أيلول 1959 ومجلة الربيع ( 14 أيلول 1960 ) وهذا الى جانب مجموعة من النشرات الصحفية المدرسية .. كتاب تأريخ الطباعة والصحافة في كركوك كتاب مهم ومفيد وجدير بالقراءة..