9 يناير، 2014
العلاقات التركية – الباكستانية 1989- 2002
المقدمة: تعد العلاقات التركية – الباكستانية أنموذجا للعلاقات الإيجابية بين الدول، إذ سارت ضمن وتيرة واحدة من الإيجابية طيلة عقود منذ استقلال باكستان 1947، وهي أيضا حلقة من حلقات العلاقات الإقليمية المرتبطة بالغرب عموماً وبالولايات المتحدة الأمريكية خصوصاً، وهذا الارتباط أملته على الدولتين طبيعة الموقع الجغرافي والأهمية الجيوسياسية للدولتين ووقوعهما في خط الدفاع الأول أمام المد السوفيتي (سابقا) وشعور الدولتين بأن هذا المد خطر يهدد حكومتيهما مما دفعهما للسير في ركب المصالح الأمريكية . وقد ترجمت الدولتان هذه العلاقات وفي كافة مجالاتها تقريبا بشكل أحلاف وتكتلات إقليمية ودولية مدعومة بشكل مباشر أو غير مباشر من قبل الغرب، فمن حلف بغداد(1955) إلى منظمة التعاون الإقليمي للتنمية (RCD) إلى منظمة المؤتمر الإسلامي ومنظمة التعاون الاقتصادي (ECO) انتهاء بمنظمة الدول الثمانية الإسلامية في عام (1997)، هذا فضلا عن العديد من الاتفاقيات الثنائية بين الدولتين، وقد انعكست هذه العلاقات الايجابية على مواقفهما حيال القضايا التي تخصهما وفي توافق مواقف الدولتين في العديد من القضايا التي تخص العالم الإسلامي ومنطقة الشرق الأوسط .- جذور العلاقات التركية – الباكستانية: تأتي أهمية العلاقات التركية- الباكستانية من الأهمية الجيوسياسية لكلا الدولتين والذي انعكس بطبيعة الحال على ارتباطيهما الوثيق بالغرب عموما وبالولايات المتحدة خصوصاً. فبالنسبة لباكستان فان أهميتها الجغرافية تكمن في انها ملتقى ثلاثة أقاليم جغرافية مهمة، هي منطقة الشرق الأوسط، وآسيا الوسطى وجنوب آسيا، وملقتى ثلاث أقاليم حضارية، هي حضارة العالم الإسلامي، والحضارة الهندية والحضارة الصينية، وقد أهلها هذا الموقع لتكون معبراً تجارياً دوليا فهي تربط الشرق بجنوب آسيا، وجنوب آسيا بالصين وروسيا، مما جعلها عضوا في عدة تكوينات وتكتلات دولية وإقليمية فرضتها مصالحها ومصالح الغرب أيضا.(1) ولا يقل موقع تركيا الجيوسياسي عن موقع باكستان أهمية، إذ تتمتع تركيا بموقع استراتيجي مهم وهي أيضا تمثل ملتقى ثلاثة أقاليم جغرافية، هي: الشرق الأوسط، وآسيا الوسطى، وأوربا، وهي نقطة الالتقاء بين الحضارة العربية الإسلامية والحضارة الغربية، وهذا الموقع أهلها لتكون عضواً في عدة تجمعات، فمن جهة تشكل ثقلا سياسيا في محيطها الإسلامي وهي في الوقت نفسه دولة بلقانية وشرق أوسطية ومتوسطية، فضلا عن كونها تشكل الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي، وحليف مهم للولايات المتحدة والغرب في منطقة الشرق الأوسط.(2) هذه المميزات الجغرافية والاستراتيجية التي تتمتع بها الدولتين جعلتهما متشابهتين في جملة من الأمور، فكلا الدولتين ترتبطان ارتباطاً وثيقاً بالولايات المتحدة الأمريكية، وسياستها في المنطقة وهما تتلقيان الدعم المالي والمعنوي والعسكري من الولايات المتحدة وفق ما يخدم مصلحة الأخيرة. فضلا عن كون الدولتين من الأعضاء البارزين في منظمة المؤتمر الإسلامي وكلاهما يسعى جاهدا للبروز بصفة قطب مهم ضمن هذا التجمع الإسلامي. كذلك فإن المؤسسة العسكرية في كلا الدولتين تؤدي دوراً حاسماً في الحياة السياسية سواء من خلال حسم الموقف لصالح الصفوة العسكرية أو في استئناف الحياة البرلمانية، مع ملاحظة اختلاف التوجهات الإيديولوجية للمؤسستين.(3) ترجع جذور العلاقات التركية – الباكستانية إلى عهد قريب من استقلال باكستان 1947 إذ بدأت الأخيرة منذ ذلك الوقت تبحث عن حلفاء لها في مواجهة مشاكلها الخارجية لاسيما مع الهند(قضية كشمير)، فضلا عن المخاوف التي أخذت تنتاب دول المنطقة ومنها باكستان وتركيا من المد الشيوعي السوفيتي (السابق)وهو ما استغلته الولايات المتحدة الأمريكية إذ عملت على إذكاء هذه المخاوف لجذب دول المنطقة نحو سياستها الرامية إلى حماية مصالحها في أسيا والشرق الأوسط، وبما أن منطقة الخليج العربي والمحيط الهندي تشكلان مجالاً حيوياً للسياسة الأمريكية فإن البلدان المجاورة للاتحاد السوفيتي امتداداً من تركيا إلى إيران وباكستان تعد الحزام الأمني الذي لن تسمح الولايات المتحدة أن يخترقه الاتحاد السوفيتي. وفي ذلك يقول هنري كيسنجر:" لقد اتفقنا نيكسون وأنا على أهمية تركيا وباكستان وإيران".(4) كانت الخطوة الأولى باتجاه العلاقات التركية – الباكستانية الحلف الذي انشى بين الدولتين في شباط 1954 متضمنا تعاوناً وثيقاً في الميادين السياسية والتجارية والثقافية بين البلدين.(5)وفي خطوة ثانية كانت مباركة باكستان وتأييدها للاتفاقية الدفاعية بين تركيا والعراق إذ اعتبرتها خطوة نحو توسيع الاتفاق التركي-الباكستاني"لسد ثغرة"في احتياجات الدفاع عن منطقة الشرق الأوسط.(6) في 4 آذار 1955 جاءت زيارة رئيس الوزاء التركي عدنان مندريس (1950- 1960) إلى باكستان لتشكل مناسبة جيدة أكدت من خلالها باكستان دعمها الكلي للاتفاقية التركية – العراقية، ودارت المباحثات بين الطرفين حول تعاونهما وفائدته لسلام وأمن البلدين،(7) ثم ما لبثت باكستان أن انضمت إلى الحلف التركي-العراقي في 22/أيلول/1955 وقد قوبل هذا الانضمام بتأييد وترحيب الأوساط الغربية والإقليمية المرتبطة بالغرب والتي انضمت إلى الحلف الذي عرف بحلف بغداد(السانتو).(8) أخذت العلاقات الباكستانية- التركية بالاتساع منذ بداية عقد الستينات بعد أن أخذت علاقتهما مع الولايات المتحدة الأمريكية تسوء بسبب إقدام الأخيرة على تقديم مساعدات عسكرية كبيرة للهند في نزاعها مع باكستان كما أخذت المساعدات العسكرية والاقتصادية الغربية لباكستان بالتناقص حينها بدأت باكستان تبحث عن حلفاء في محيطها الإسلامي لاسيما في غرب آسيا.(9) أعقب ذلك عقد اجتماع ثلاثي في استانبول في تموز1964 ضم شاه إيران محمد رضا بهلوي والرئيس الباكستاني أيوب خان والرئيس التركي جمال كورسيل وأسفر الاجتماع عن تشكيل منظمة تضم الدول الثلاث أطلق عليها اسم "منظمة التعاون الإقليمي للتنمية" المعروفة اختصارا (RCD).(10) وللمنظمة مجلس وزاري يعد أعلى هيئة فيها ويتألف من وزراء خارجية الدول الثلاث كما تضم مجلسا للتخطيط الإقليمي وسكرتارية مقرها في طهران، وقد ظهرت نتائج طيبة لهذه الاتفاقية، إذ أثمرت عن تشكيل الغرفة التجارية الصناعية المشتركة، وإتحاد التأمين وخدمات النقل البحري، وبعض مشاريع الاستثمار،(11)وفي عام 1976 عقد اجتماع لرؤساء الدول الثلاث في أزمير في محاولة لإنشاء منطقة للتجارة الحرة وتم التوقيع على معاهدة أزمير في آذار 1977، بيد أن المنظمة أخفقت في تحقيق أغراضها بسبب بطء خطوات التعاون، وتوقفت نهائيا إثر انسحاب إيران بعد الثورة الإسلامية 1979، إذ اعتبرت المنظمة حلفاً استعمارياً.(12)- تطور العلاقات في الثمانينات والتسعينات :أ- في المجال السياسي والدبلوماسي: شهدت فترة منتصف الثمانينات من القرن العشرين نشاطا ملحوظا في العلاقات السياسية والدبلوماسية بين الدولتين عكستها طبيعة الزيارات المتبادلة وتوافق المواقف إزاء القضايا المهمة في المنطقة، إذ بقيت العلاقات الطيبة بين البلدين على وتيرة واحدة رغم تبدل الحكومات والتطورات التي طرأت على هذه الحكومات من انقلابات عسكرية وغيرها، فمع مجيء الرئيس الباكستاني ضياء الحق إلى السلطة عام 1977 حرصت سياسة باكستان على كسب الدول المجاورة إلى صفها في نزاعها مع الهند، وجرت محاولات مع تركيا وإيران لتشكيل منظمة بديلة عن منظمة التعاون الإقليمي.(13) ومما عزز العلاقات السياسية بين البلدين الزيارات المتبادلة بين الطرفين على مستوى الرؤساء والوزراء والبرلمانيين، فقد قام ضياء الحق بعدة زيارات إلى تركيا كان أخرها في تشرين الأول 1987، إذ جرى خلال زيارته بحث العديد من الأمور بين الجانبين على المستويات السياسية والاقتصادية والإقليمية.(14)إلا أن العلاقات بين البلدين أخذت مداها الأكثر وثوقا في عهد الرئيس الباكستاني "غلام إسحاق خان " إذ كانت تركيا من الدول السباقة في تقديم التهاني وتوثيق العلاقات مع الرئيس الجديد. وفي مطلع عام 1989 زار الرئيس التركي" كنعان أفرين" باكستان تلبية لدعوة الرئيس الباكستاني "غلام إسحاق خان " ورئيسة الوزراء "بي نظير بوتو" وقد أدلى أفرين بتصريح قبيل مغادرته أنقرة أكد خلاله بأن الأواصر التي تربط تركيا بباكستان هي أواصر صداقة وأخوة عريقة مكنت من تطوير علاقات البلدين إلى مستوى نموذجي، وقد تم خلال هذه الزيارة عقد اتفاقيتين للتعاون الأولى بشأن تطوير التجارة البحرية، والثانية حول زيادة التعاون السياحي.(15) أما بالنسبة لزيارات الجانب الباكستاني فقد شهدت تركيا زيارة العديد من المسوؤلين الباكستانيين ففي 24 آيار 1989 قامت رئيسة وزراء باكستان"بي نظير بوتو" بزيارة رسمية إلى تركيا برفقة وفد تكون من(60)عضوا من البرلمانيين ورجال الأعمال، وحلت فيها ضيفة على رئيس الوزراء توركوت أوزال الذي صرح قائلا :"إن القيم التي نتقاسمها مع دولة باكستان ذات الموقع الهام في منطقتنا. واتفاق وجهات نظرنا وآرانا معها إزاء مختلف القضايا الدولية، زادت من تقارب بلدينا في العصر الحديث" .وجرى خلال هذه الزيارة بحث جميع أوجه العلاقات بين البلدين، كما جرى بحث القضايا الإقليمية والدولية ومنها الوضع في الشرق الأوسط والتطورات في أفغانستان.(16) وعبرت باكستان في العديد من المناسبات عن موقفها المؤازر لتركيا تجاه قضايا الرعايا الأتراك في الخارج فبالنسبة لأزمة قبرص أكدت باكستان مساندتها لتركيا ودعمها لمواقفها وأشادت رئيسة وزراء باكستان باتفاقية "دافوس" عام 1990ووصفتها بأنها تشكل تطورا هاما في العلاقات التركية – اليونانية، وأعلنت أن باكستان ستستمر في دعمها للموقف التركي إزاء القضية القبرصية، وتجاه الاضطهاد الذي تعرض له الأتراك في بلغاريا فقد شجبت باكستان الممارسات الظالمة حيال أتراك بلغاريا إذ أدلى ناطق باسم الخارجية الباكستانية بتصريح عبر فيه عن إدانة باكستان لما تقوم به بلغاريا. وكررت باكستان موقفها هذا أثناء زيارة وفد برلماني تركي إلى باكستان برئاسة رئيس المجلس الوطني الكبير(البرلمان)"قايا اردم ".(17) من جهتها أعربت تركيا عن موقفها تجاه قضية كشمير دون أن يؤدي ذلك إلى الإضرار بمصالحها مع الهند، إذ ترى تركيا إن أفضل الطرق لإزالة التوتر بين الهند وباكستان هو معالجة القضية بطريقة سليمة وضبط النفس في جو الحوار والتفاهم المتبادل.(18) ويمكن إدراج منظمة المؤتمر الإسلامي من بين مجالات توثيق العلاقات بين البلدين فكلا الدولتين تؤديان دورا بارزا في محيطيهما الإسلامي، وكلا منهما تسعى لكسب دول هذه المنظمة إلى جانبها في قضاياها المهمة، فباكستان من خلال عضويتها البارزة في هذه المنظمة وحرصها على أداء دور قيادي ضمن العالم الإسلامي وإزاء القضايا المصيرية التي تواجهه والسعي لتطوير الروابط الاقتصادية والثقافية مع الدول الإسلامية تسعى لكسب سياسي من هذه الدول في نزاعها مع الهند وخاصة الدول البارزة في هذه المنظمة. ولا تختلف تركيا عنها في محاولة كسب دول منظمة المؤتمر الإسلامي إلى صفها في قضاياها المهمة كقضية قبرص وأتراك بلغاريا وغيرها.(19)ب – في المجال الاقتصادي:- ترتبط باكستان وتركيا بعلاقات اقتصادية تجسدت باشتراكيهما في منظمات اقتصادية لا تخلو من طابع سياسي تدعمه وتباركه الولايات المتحدة الأمريكية فمع الظروف التي أدت إلى تفكك منظمة التعاون الإقليمي للتنمية، بسبب الثورة في إيران واتهامها للأنظمة السياسية في الدول الإسلامية المجاورة ومنها باكستان بالعمالة للغرب والولايات المتحدة، كذلك شكل الغزو السوفيتي لأفغانستان عام 1988، والحرب العراقية – الإيرانية (1980-1988 ) تهديدا لمصالح الولايات المتحدة في الخليج العربي والمحيط الهندي، وبناءً عليه فقد جرى تنسيق جديد بين تركيا وباكستان بدفع من الولايات المتحدة لاحتواء المتغيرات الجديدة، فأثناء زيارة قام بها الرئيس التركي"كنعان أفرين" لباكستان عام 1981 تم الاتفاق على إحياء منظمة التعاون الإقليمي على أن تشترك فيها إيران، وبسبب الحرب مع العراق وحاجة إيران لمساعدات مالية وعسكرية، فقد جاءت دعوة البلدين لإيران في وقت مناسب، إذ كان من بوادر نجاح المساعي التركية-الباكستانية في هذا المجال مبادرة إيران حيال الأزمة الأفغانية، إذ تقدم السفير الإيراني في موسكو إلى وزير خارجية الإتحاد السوفيتي في تشرين الثاني 1981 بمبادرة تضمنت تشكيل قوة مشتركة من باكستان وإيران (ودول أخرى) لم تتم تسميتها إلا أنها بطبيعة الحال لن تكون إلا تركيا.(20) جرى التمهيد لإحياء المنظمة بتوسيع التبادل التجاري بين الدول الثلاث والاتفاق على تنفيذ مشاريع اقتصادية، وقال؟ وزير خارجية باكستان "صاحب قطب زادة " إن إيران " هي التي ترغب الآن في إحياء هذه المنظمة، وهي همزة الوصل بين تركيا وباكستان لتوسطها بينهما. وتريد إيران لهذه المنظمة أن تتقدم وإن باكستان تؤيد ذلك" .(21) وشهد عام 1985 اجتماعاً للجان الدول الثلاث في طهران إذ تم إجراء تغيير على اسم المنظمة السابق إلى " منظمة التعاون الاقتصادي " المعروفة اختصاراً ب( الإيكوECO)، وفي هذا الاجتماع تقرر تشكيل مجلس المنظمة من وكلاء وزارات الخارجية للدول الأعضاء واختيار طهران مقراً دائماً لسكرتارية المنظمة، وتسعى المنظمة إلى تحقيق عدة أهداف منها تنشيط التجارة بين بلدان المنظمة وزيادة التعاون الصناعي وإنشاء بنك للاستثمار والتنمية وتشجيع السياحة في المنطقة وتطوير نظام الاتصالات والمواصلات .(22) إلا أن منظمة الإيكو منذ تأسيسها وحتى عام 1990 لم تتمكن من تحقيق تقدم ملموس على صعيد تقارب الدول الأعضاء، واقتصرت على القيام بمشاريع بسيطة منها محاولة تبادل الخبرات في مجال النفقات واحتساب الضرائب المضافة وقيمتها، وفي مجال الاتصالات، كما جرى إنشاء طريق السيارات ذي المواصفات العالية، وهو طريق يمتد من بوابة " غور بولاق " الحدودية التركية ماراً عبر إيران ومن جنوب الحدود الأفغانية إلى كراتشي ثم إلى إسلام آباد.(23) وظهرت خلافات بين أعضاء المنظمة عكست غاية كل طرف فيها وهو الأمر الذي ظهر واضحاً عام 1987 إثر اختلاف أعضاء المنظمة حول إعطائها بعداً سياسياً من خلال تسمية وزراء خارجية للمشاركة في أعمال مجلس المنظمة، فقد عارضت تركيا ذلك منطلقة من طبيعة ارتباطها وتحالفها مع الغرب والولايات المتحدة وتطلعها للانضمام إلى الإتحاد الأوربي، أما إيران فكانت ترغب بذلك منطلقة من عدائها للغرب وموقفها الحرج في حربها مع العراق، في حين كانت باكستان ترى أن في إعطاء المنظمة بعداً سياسياً ما يخدم مصالحها في مواجهة المخططات الهندية.(24) إلا أن الخلاف انتهى أثناء انعقاد اجتماع المجلس الوزاري الاستثنائي الأول للمنظمة في إسلام آباد في حزيران 1990 بالاتفاق على رفع مستوى المنظمة إلى مستوى وزراء الخارجية أو أي وزير يحدده البلد المعني، كذلك أفضى الاجتماع إلى تشكيل ست لجان لتعزيز التعاون الإقليمي في شتى مجالات الاقتصاد والثقافة والاتصالات وغيرها وتخويل سفراء تركيا وباكستان في إيران ووكيل خارجية إيران متابعة المشاريع المتفق عليها ومنها :(25)1- العمل على تقليص التعريفة الكمركية بين الدول الثلاث تمهيداً لإلغائها.2- إنشاء بنك التنمية والاستثمار المشترك.3- تنسيق مواقف الدول الثلاث في مجال النفط والغاز والكهرباء.4- توسيع التعاون التجاري ليكون نواة تأسيس سوق إسلامية مشتركة.5- تعزيز التعاون في مجال الدفاع المدني والتأمين. وفي عام 1991 ونتيجة التحولات العالمية لاسيما تفكك الإتحاد السوفيتي واستقلال جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية، رأت دول منظمة الايكو الفرصة سانحة لتنشيط وتفعيل دور المنظمة من خلال دعوة هذه الجمهوريات للانضمام إلى المنظمة، وفعلاً عقد اجتماع للدول الثلاث في شباط 1992 تلاه اجتماع لرؤساء الدول الثلاث في طهران في الشهر نفسه وقد انضم إلى المنظمة كل من أذربيجان وتركمانستان وطاجكستان وقيرغيزيا، فيما منحت كازاخستان صفة مراقب.(26) من جهة أخرى فإن استقلال جمهوريات آسيا الوسطى أظهر تنافساً دولياً على هذه المنطقة، إذ حاولت باكستان أن تجد لها موطئ قدم فيها إلا أنها لم ترق إلى مستوى التنافس التركي-الإيراني في هذه الجمهوريات على الرغم من تشجيع الولايات المتحدة لهذا التنافس رغبة منها في مسك العصا من الوسط، إلا إن كفة تركيا كانت هي الأرجح في هذا التشجيع لما تتمتع به من روابط تربطها بهذه الجمهوريات كاللغة والعرق وغيرها،(27) إلا أن ذلك لم يمنع باكستان من أن تسعى لبناء علاقات تعاون متبادلة مع هذه الجمهوريات.(28) ومن الجدير بالذكر أنه في عام 1997 ومع وجود حزب إسلامي على رأس الحكومة التركية متمثلاً بحكومة حزب الرفاه بزعامة نجم الدين أربكان، ظهرت مبادرة من ورائها أربكان تهدف إلى تأسيس مجموعة اقتصادية جديدة ضمت ثمان دول إسلامية عرفت بمجموعة الثمان وهي، تركيا ومصر وباكستان وإيران وبنغلادش ونيجيريا وماليزيا واندونيسيا والتي شهدت استانبول في حزيران 1997 عقد الاجتماع الأول لرؤسائها.(29)ج- في مجال التعاون الدفاعي – العسكري :- ترجع جذور التعاون العسكري والدفاعي بين تركيا وباكستان إلى عام 1975 عندما سعى الرئيس الباكستاني " ذو الفقار علي بوتو " إلى توقيع اتفاق مع تركيا وإيران لتأسيس صناعة عسكرية مشتركة.(30) وتعكس الزيارات المتبادلة بين البلدين على مستوى قادة القوات العسكرية التعاون القائم بين البلدين لتبادل الخبرات في هذه المجالات، ففي كانون الثاني 1986 زار قائد القوات البحرية التركية الأدميرال " زاهد أتاكان " باكستان وأجرى مباحثات رسمية في سبيل تطوير العلاقات بين القوات البحرية للدولتين وتم خلال الزيارة تقليد قائد القوات البحرية التركية بأكبر وسام عسكري باكستاني وهو وسام الامتياز" نيشاني امتياز" تثميناً لجهوده.(31) وفي كانون الثاني 1989 زار وزير الدفاع الباكستاني " اجلال حيدر زايدي تركيا والتقى خلال زيارته نظيره التركي " جلال فورالهان "الذي ذكر بأن الطرفين يسعيان من أجل تعاون مشترك أوسع في عام 1989 وأن هذا العام سيشهد تطوراً هائلاً بين تركيا وباكستان في مجال الصناعات الدفاعية.(32) كما قامت رئيسة وزراء باكستان " بي نظير بوتو" أثناء زيارتها إلى أنقرة في 24 أيار 1989 بتفقد مصنع طائرات " أف – 16 " في " مرتد" .(33) وعلى صعيد المناورات العسكرية فقد جرت مناورات بين البلدين على سبيل المثال جرت في 14 آب 1987 مناورات " فريند شيب – 87 " المشتركة بين القوات البحرية التركية والباكستانية في بحر إيجة والتي استمرت حتى 23 آب وتم خلالها اختبار أساليب القتال المختلفة وإجراء التدريبات البحرية، واشتركت في هذه المناورات مدمرات وغواصات وبوارج وطائرات لكلا الطرفين.(34) ومما تجدر الإشارة إليه بهذا الصدد أن باكستان تقدمت في عام 1989 بطلب لشراء سربين من الطائرات التركية " أف – 16 " .(35)- الاستنتاجات: 1- تتمتع تركيا وباكستان بموقع جغرافي له مميزاته وخصائصه الاستراتيجية، كون الدولتين تقعان في منطقة لها ثقلها السياسي والاقتصادي في السياسة العالمية ولكون كل منهما يعد حلقة وصل بين عدة أقاليم جغرافية وحضارية، وبسبب هذه الأهمية فقد احتلت الدولتان مكانة مميزة في سياسة الغرب والولايات المتحدة الأمريكية زادت منها مخاوف الدولتان من المد السوفيتي كونهما على مقربة من حدوده، وقد استغلت الولايات المتحدة هذه المخاوف لحماية مصالحها في الشرق الأوسط والمحيط الهندي والخليج العربي.2- أملت الاعتبارات السابقة على الدولتين الارتباط بعلاقات جيدة منذ استقلال باكستان عام 1947 حتى يومنا هذا عكستها الزيارات المتبادلة بين الدولتين وعلى كافة المستويات، واشتراك الدولتين بعدة أحلاف ومنظمات دولية وإقليمية كان بعضها برعاية ومباركة الولايات المتحدة سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة والبعض الأخر كان محاولة من الدولتين للتنسيق فيما بينهما وخاصة على الصعيد الاقتصادي وبإشتراك دول أخرى لها أهميتها الإستراتيجية والاقتصادية كإيران. 3- حاولت كلا الدولتين استغلال عضويتها في المنظمات الدولية والإقليمية السياسية والاقتصادية لكسب الدول الأعضاء إلى صفها في العديد من القضايا التي تخصها ، كما انعكست العلاقات الودية بين الدولتين على مواقفهما من القضايا التي تخصهما أو التي تخص الشرق الأوسط وآسيا الوسطى .4- بالرغم من العلاقات الوطيدة على الصعيد السياسي واشتراك الدولتين في منظمات اقتصادية إلا أن التعاون الاقتصادي بينهما ظل دون المستوى المطلوب ولم يتعدى بعض المشاريع البسيطة.5- شهدت نهاية الثمانينات وبداية التسعينات من القرن العشرين تعاوناً جاداً بين الدولتين ف