26 أبريل، 2021

( الحلم وأثره في سعادة الحياة الفردية والاجتماعية ) قلم الاستاذ الدكتور حازم ذنون إسماعيل السبعاوي

الحلم
وأثره في سعادة الحياة الفردية والاجتماعيةترغب النفوس في أشياء، وتنفر من أخرى، وفي النفوس طبيعة غضب تثور عند منعها؛ مما ترغب فيه، أو عند ملاقاتها لما تنفر منه.
ومن المخل بنظام حياة الأفراد والجماعات: إطلاق العنان لقوة الغضب، تثور كلما منعت النفوس مما تحب، أو لقيت ما تكره، بل الحكمة أن تكون قوة الغضب خاضعة للعقل خضوعًا يجري في النفس مجرى الطبيعة، حتى لا تهيج إلا للأمر الذي ينبغي أن تهيج له، وفي الوقت الذي ينبغي أن تهيج فيه ، ولا تتجاوز الحد الذي ينبغي أن تقف عنده.
ومَنْ بَلَغَ أن تكون قوةُ غضبه منقادةً للعقل، جارية على مقتضى العلم: فهو الحليم بحق.
وليس من شرط الحلم أن يفقد الرجل قوة الغضب، بحيث يكون حاله أمام الإساءة وعدمها سواء، إنما شرط الحلم أن لا يطغى الغضب حتى يدفع الرجل إلى الانتقام ، أو يمنعه من الصفح حيث يكون الصفح أولى به.
والحلم لا يعارض الأخذ بالحزم، شأن الفضائل ، يأخذ بعضها بيد بعض ، وتتلاقى لتتعاون على البر والتقوى، فإذا كان الحلم يكون النفس ، وعدم تهييجها للمكروه الذي يكفي في دفعه للصفح عنه: فإن من الحزن الغضب للأذى الذي يصدر عن لؤم، ويتمادى ولو مع الإغضاء عنه، قال المتنبي:
إذا قيل: رفقًا ، قال: للحلم موضع
وحلم الفتى في غير موضعه جهل
وقال النابغة:
ولا خير في حلم إذا لم تكن له
بوادر تحمي صفوة أن يكدَّرا
وقال الحسين بن عبدالصمد:
عجبوا لحلمك أن تحوّل سطوة
وزلال خلقك كيف عاد مكدّرا
لا تعجبوا من رقة وقساوة
فالنار تُقدح من قضيب أخضرا
وكثيرًا ما يشكو الأدباء من قلة الحلم في الناس ، قال أبو العتاهية:
عذيري من الإنسان ما إن جفوته
صفا لي ، ولا إن صرت طوع يديه
وإني لمشتاق إلى ظل صاحب
يرقّ ويصفو إن كدرت عليه
ويروى أن الخليفة المأمون لما سمع هذين البيتين قال: خذوا مني الخلاقة وأعطوني هذا الصاحب.
ويكفي الحلم شرفًا أن اسمه أخذ من بين أسماء الفضائل، وسمي به العقل، ومن الحكم الذائعة قولهم: ما أضيف شيء إلى شيء أزين من حلم إلى علم ، ومن عفو إلى مقدرة.
قال معاوية لعرابة بن أوس: بِمَ سُدْتَ يا عرابة؟ قال: يا أمير المؤمنين: (( كنت أحلم على جاهلهم، وأعطي سائلهم، وأسعى في قضاء حوائجهم))؛ لأن الناس يكرهون جافي الطبع، ولا يجتمعون حول من يأخذه الغضب لأدنى هفوة إلا أن يُساقوا إليه سوقًا، فمن قلّ نصيبه من الحلم قل أنصاره، وذهبت من قلوب الناس مودته، وولي الأمر بحق: من يملك القلوب قبل أن يبسط سلطانه على الرقاب.
لما انتهت فتنة ابن المعتز، وعاد المقتدر إلى الخلافة، واستوزر عليَّ بن الفرات ، حُمل إلى هذا الوزير من دار ابن المعتز صندوقان عظيمان فيهما جرائد بأسماء من بايعوا ابن المعتز، فلم يفتحهما الوزير، ورمى بهما في النار، وقال: لو فتحتهما وقرأت ما فيهما فسدت نيات الناس علينا.
فسدّ ابن الفرات بهذه السياسة باب الغضب على أشخاص قد يدفع الغضب عليهم إلى فتنة لا يدري كيف تكون عاقبتها.
إن الحلم يحتاج إليه كل إنسان ما دام الإنسان مدنيًّا بالطبع، لا يمكنه أن يعتزل الناس جملة ، ويعيش في وحدة مطلقة.
قلم الاستاذ الدكتور حازم ذنون إسماعيل السبعاوي

مشاركة الخبر

مشاركة الخبر