كلمة مدير المركز

إن تداعيات النزاعات المسلحة والأزمات السياسية والإقتصادية لا تتوقف عند غياب العنف بل تمتد آثارها إلى مراحل ما بعد النزاعات، وهي تبقى كامنة مغذية ومحفزة للصراعات مالم يتم التعامل مع الأسباب والدوافع فضلاً عن الآثار. فعلى الرغم من ما يمثله غياب سيناريوهات العنف من أهمية قصوى في الحياة إلا أنه لا يتجاوز في مقصده إلا سلاماً سلبياً يغيب العنف وتبقى آثاره ومسبباته قائمة. اذ إن الاستقرار الذي يسود المشهد بعد توقف النزاعات المسلحة يبقى قلقاً لما يكمن في ثنايا المجتمع من مظالم وجروح وانتهاكات ومهدات للسلم المجتمعي، تأبى التعافي مالم ننشد سلاماً إيجابياً توظف فيه الامكانات المادية والبشرية سعياً لبلوغه. ومن هناك تبرز أهمية بناء السلام كضرورة ملحة تأخذ على عاتقها الأطر المعرفية والخبرة الميدانية، تنطلق من الواقع فهماً وتحليلاً إلا أنها لا تستجيب له إلا بالقدر الذي يسهم في تجاوز سلبياته، وتتأمل الماضي وتبتكر آليات دقيقة مدروسة للتعامل معه بشكل متوازن لا يدع الذاكرة ملتهبة ولا يتركها قيد النسيان بل يخلد مشاهد شاخصة للآجيال ضامنة عدم تكرار ما حدث.

إن الحرب والسلام ليست ظواهر عشوائية كما يعتقد البعض بل هي عمليات تخضع للتخطيط والتحليل والقياس، ومن هذا المنطلق فكما للحرب قادتها ومخططيها لابد أن يكون للسلام صناعه ومصمميه. فبناء السلام عملية تراكيمة تنموية طويلة الآمد لا تنتهي عند حد معين وهي تتنوع بحسب الزمان والمكان والأشخاص. وفي هذا السياق يأتي تأسيس مركز بناء السلام والتعايش السلمي في جامعة الموصل كخطوة في هدم الجدار بين الجامعة والمجتمع كي يسهم بما لديه من امكانات معرفية وبحثية في تعزيز السلام وبناء الثقة بين فئات المجتمع وصولاً إلى تعايش سلمي مستدام.

فأليات  المركز تتنوع  بين دراسات نظرية وميدانية ومسوحات للرآي واستبيانات للمواقف وبناء للقدرات التي تأخذ على عاتقها فهم النزاعات وتحليلها وبيان المواقف والمصالح وصولاً للحاجات المستترة، ولن تنتهي مهمته عند نشر منجزاته بل تتسع دائرة اهتمامته لتستهدف  فئات المجتمع ومؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني  كافة عبر حلقات تفاعلية تجيد الاصغاء وتحترف اقتراحات الحلول، وتبحث عن شراكات حقيقية مع كافة الفاعلين على المستوى المحلي والإقليمي والدولي.فضلا عن كونه يدرس تجارب الآخرين ويستفاد منها دون أن يعتمدها بتفصيلاتها فلكل مقام مقال ولكل تجربة خصوصيتها، ويعتمد الاستراتجيات ولا يفرط بالخطط الآنية، ويسهم في تقديم رؤيته في رسم السياسات وتقييمها، ويناقش التشريعات ويبين مدى فاعليتها. ومن هذه المنطلقات تأتي عملية بناء السلام والتعايش السلمي التي يؤمن بها المركز كخيار حتمي في بلد عانى طويلاً ولابد له من سلام وتنمية ومساواة وعدالة وسيادة للقانون.

الأستاذ المساعد الدكتور

فتحي محمد فتحي الحياني

مدير المركز