14 سبتمبر، 2025

مقالة قانونية المسؤولية القانونية للأب في رعاية أولاده

  1. الدكتور احمد فارس ادريس
    جامعة الموصل – كلية الحقوق

المقدمة:
تعد رعاية الأولاد وحضانتهم من أقدس الواجبات التي تقع على عاتق الوالدين، لاسيما الأب، بوصفه المسؤول الأول عن النفقة والولاية، وبوصفه الضامن الشرعي والقانوني لمعيشة أطفاله. وقد أولى المشرّع العراقي اهتماماً بالغاً بحقوق الطفل وحمايته من أي صور للإهمال أو التخلي الأسري، من خلال نصوص قانون الأحوال الشخصية وقانون العقوبات، إضافة إلى ما أقرّه الدستور العراقي والاتفاقيات الدولية. إن تخلي الأب عن رعاية أبنائه أو الامتناع عن حضانتهم ونفقتهم لا يعد مجرد إخلال أخلاقي، بل يرتقي إلى مرتبة الجريمة المعاقب عليها.

أولاً: قانون الأحوال الشخصية
1. الحضانة: نصت المادة (57/1) من قانون الأحوال الشخصية رقم (188) لسنة 1959 المعدل على أن “الأم أحق بحضانة الولد وتربيته حال قيام الزوجية وبعد الفرقة، ما لم يتضرر المحضون من ذلك”، وتستمر الحضانة حتى إكمال المحضون العاشرة من عمره، ويجوز للقاضي تمديدها حتى الخامسة عشرة إذا اقتضت المصلحة¹.
2. النفقة:أوجبت المادة (57/7) من القانون نفسه نفقة الأولاد على أبيهم ما داموا صغاراً غير قادرين على الكسب، وتشمل النفقة (المأكل، الملبس، المسكن، التعليم، والعلاج) بما يتناسب مع حالة الأب المادية والاجتماعية².
• الامتناع عن النفقة يعطي الحق للحاضن (الأم غالباً) بإقامة دعوى نفقة، ويجري تنفيذ الحكم جبراً عبر دوائر التنفيذ.

ثانياً: قانون العقوبات العراقي
1. الإهمال وتعريض القاصر للخطر:نصت المادة (383) من قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969 على أنه:
*“يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات أو بغرامة من كان ملزماً قانوناً أو اتفاقاً برعاية شخص أو إعالته أو تدبير أموره الضرورية فتركه أو أهمله عمداً دون رعاية أو إعالة أو تدبير أمره على نحو يعرضه للخطر.”*³
2. الامتناع عن دفع النفقة: المادة (384) من القانون نفسه قررت أن:
*“يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين من امتنع عن دفع النفقة المحكوم بها قضاءً مع قدرته على ذلك.”*⁴ هذه المادة تمثل وسيلة جزائية لضمان التنفيذ الفعلي لأحكام النفقة.

ثالثاً: الطبيعة المزدوجة للمسؤولية
١. مدنياً: إلزام الأب بالنفقة والحضانة لضمان حياة الطفل الكريمة.
٢.جزائياً: تجريم الإهمال والامتناع عن النفقة لتأمين الردع العام والخاص.وبذلك فإن المشرّع العراقي منح الطفل حماية متكاملة من خلال الجمع بين الجزاء المدني والجزاء الجنائي.

الخاتمة:
يتضح أن تخلي الأب عن رعاية أولاده وحضانتهم يشكل انتهاكاً لالتزاماته الأسرية والدستورية، ويُرتب مسؤولية مزدوجة: مدنية لضمان حقوق المحضون، وجزائية لمعاقبة الممتنع أو المهمل. وقد جاء هذا الانسجام بين قانون الأحوال الشخصية وقانون العقوبات تنفيذاً لمبادئ الدستور العراقي لعام 2005 الذي نص في المادة (29/رابعاً) على أن: *“الأولاد لهم الحق على والديهم في التربية والرعاية والتعليم.”*⁵، فضلاً عن التزام العراق بالاتفاقية الدولية لحقوق الطفل لعام 1989 التي أقرت أن مصلحة الطفل الفضلى هي المعيار الأعلى في جميع القرارات⁶.
وعليه، فإن تفعيل هذه النصوص وتطبيقها بصرامة يعد ضرورة لصيانة الأسرة وحماية المجتمع من تفكك قد ينشأ عن إهمال أحد الوالدين، خاصة الأب، في أداء واجباته الأساسية.
المصادر:
1. قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم (188) لسنة 1959 المعدل، المادة (57/1).
2. المصدر نفسه، المادة (57/7).
3. قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969، المادة (383).
4. المصدر نفسه، المادة (384).
5. دستور جمهورية العراق لسنة 2005، المادة (29/رابعاً).
6. اتفاقية حقوق الطفل (Convention on the Rights of the Child)، الأمم المتحدة، 1989، المواد (3) و(27).

مشاركة الخبر

مشاركة الخبر