10 أغسطس، 2025

مقالة قانونية متخصصة

عقوق الوالدين من منظور قانوني: بين الأسباب والمعالجات
مقالة قانونية توعوية
الدكتور أحمد فارس إدريس
جامعة الموصل – كلية الحقوق

يحظى الوالدان بمكانة سامية في الشرائع السماوية والمجتمعات الإنسانية كافة، لما لهما من دور في بناء الأسرة وتربية الأجيال. وفي الوقت الذي تُبنى فيه القيم الاجتماعية على أساس البرّ بهما، بدأت تظهر في بعض المجتمعات، ومنها المجتمع العراقي، حالات اعتداء وعقوق تجاه الوالدين، وهو ما يُعدّ تجاوزًا خطيرًا للمنظومة القيمية والقانونية.
تتناول هذه الدراسة البعد القانوني لهذه الظاهرة، مع تحليل الأسباب المؤدية إليها وطرح معالجات مقترحة تحدّ من انتشارها.

أولاً: صور الاعتداء والعقوق

يأخذ الاعتداء على الوالدين صورًا متعددة، منها:
• الاعتداء الجسدي: كالضرب أو الإيذاء البدني المباشر.
• الاعتداء اللفظي: كالشتم والإهانة والتقليل من المكانة.
• الامتناع عن الإنفاق أو الرعاية: رغم القدرة، وهو نوع من العقوق السلبي.
• الإيذاء النفسي: كالهجر، الإهمال، والتخلي عنهم في الشيخوخة.

ثانيًا: الأسباب القانونية والاجتماعية لظاهرة العقوق
تعود هذه الظاهرة إلى مجموعة من الأسباب المتداخلة، منها:
1. ضعف الردع القانوني الخاص: لعدم وجود نصوص قانونية صريحة تُجرّم “العقوق” كجريمة مستقلة.
2. تفكك الأسرة: نتيجة الطلاق أو غياب أحد الوالدين.
3. ضعف الوازع الديني والتربوي: مما يؤدي إلى خلل في البناء الأخلاقي للفرد.
4. الضغوط الاقتصادية والاجتماعية: والتي قد تدفع الأبناء إلى تحميل الوالدين عبء وضعهم أو معاناتهم.

ثالثًا: موقف قانون العقوبات العراقي من الاعتداء على الوالدين
على الرغم من عدم وجود نص خاص في قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 يجرم عقوق الوالدين كجريمة مستقلة، إلا أن القانون لم يهمل حمايتهم، بل أدرجهم ضمن الفئات التي تُحظى بعناية خاصة في بعض مواضعه، ومن أبرزها:
• المادة (413) وما بعدها، والتي تُعاقب على جريمة الإيذاء العمدي، وتشمل أي اعتداء جسدي على أي شخص، بمن فيهم الوالدين.
• المادة (383) تعاقب من يمتنع عمدًا عن الإنفاق على من تجب عليه نفقته، وتشمل الآباء في حال حاجة أحدهم، مما يشكل حماية قانونية ضد أحد صور العقوق.
ويلاحظ أن القانون العراقي يُعامل الاعتداء على الوالدين كجريمة عامة، دون إعطاء ظرف مشدد خاص بوصف المجني عليه (الأب أو الأم)، على خلاف بعض القوانين العربية التي شدّدت العقوبة في حال كان المجني عليه أحد الوالدين.

رابعًا: المعالجات القانونية المقترحة: في ضوء ما سبق، تبرز الحاجة إلى إصلاح تشريعي يعزز الحماية القانونية للوالدين، ويشمل:
1. إضافة نصوص قانونية صريحة تُجرّم عقوق الوالدين بوصفه فعلاً مخلًا بالنظام الأسري والاجتماعي.
2. تغليظ العقوبات في الجرائم التي يكون الوالد أو الوالدة فيها المجني عليه، باعتبار ذلك ظرفًا مشددًا للعقوبة.
3. التوعية المجتمعية والتربوية عبر حملات رسمية، ومناهج دراسية تُعزز من ثقافة بر الوالدين، وتوضح العواقب القانونية والاجتماعية للعقوق.
الخاتمة
إن الاعتداء على الوالدين لا يعد فقط جريمة قانونية، بل هو سقوط أخلاقي واجتماعي، يهدد بنية الأسرة ويقوض أسس الرحمة والتكافل. ومن هذا المنطلق، بات من الضروري التحرك القانوني والاجتماعي لوضع حد لهذه الظاهرة عبر تعزيز التشريعات، وتفعيل الوقاية، وتوسيع نطاق التثقيف الأسري.
فالوالدان هما أصل الحياة، وكرامتهما من كرامة المجتمع، وصون مكانتهما مسؤولية مشتركة بين القانون والدين والمجتمع.

مشاركة الخبر

مشاركة الخبر