12 يونيو، 2025
مقالة قانونية

التنمر الأسري: الجرح الصامت في طفولة أبنائنا
مقالة قانونية تخصصية للدكتور احمد فارس ادريس – كلية الحقوق – اختصاص القانون الدولي لحقوق الإنسان
المقدمة
في الوقت الذي يُفترض أن تكون فيه الأسرة هي الحضن الدافئ والمكان الآمن الذي يُعزز ثقة الطفل بنفسه، تنقلب الأدوار أحيانًا وتتحول هذه البيئة إلى مصدر أولي للأذى النفسي، من خلال ما يعرف بـ التنمر الأسري. هذا النوع من التنمر قد يكون متعمدًا أو غير متعمد، لكنه في كلتا الحالتين يترك أثرًا عميقًا وطويل الأمد على نفسية الطفل وسلوكياته المستقبلية.
ما هو التنمر الأسري؟
التنمر الأسري هو استخدام أحد أفراد العائلة (الأب، الأم، الأخ، العم، الجد…) لغة الإهانة أو السخرية أو المقارنة أو التحقير بشكل متكرر تجاه الطفل، سواء عن مظهره، أو مستواه الدراسي، أو سلوكه، أو نبرة صوته، أو لون بشرته. وغالبًا ما يكون ذلك “مقنَّعًا” تحت غطاء الدعابة أو التقويم أو حتى التدليل المفرط الذي يرسّخ صفات سلبية.
ولكن يترك الأثر النفسي العميق
في الطفل الذي يُنعت بألقاب مثل “غبي”، “أسود”، “سمين”، “ما تفهم”، “فاشل”… إلخ، لا يسمع مجرد كلمات، بل يتبناها كصورة عن ذاته. تتكوّن في داخله هوية مهزوزة، وقد يشعر بالخجل من ذاته، ويكره جسده أو قدراته. ومع الوقت:
• إما أن يتحول إلى ضحية تعيش في عزلة واكتئاب.
• أو أن يتحول إلى متنمر يعيد إنتاج ما تعرّض له، لكن على الآخرين.وهنا تبدأ سلسلة خطيرة: من ضحية إلى متنمر إلى ضحايا جدد.
أول ظهور للمشكلة في المجتمع: المدرسة: عندما يدخل الطفل المدرسة، يُفترض أنها بوابته للتفاعل مع المجتمع، لكن للأسف قد يُمارس التنمر على زملائه، أو يُصبح هو نفسه ضحية جديدة. فيبدأ بالاستهزاء بمن هم أضعف منه – سمين، فقير، متلعثم، متأخر دراسيًا – وهي طريقة دفاعية لا شعورية تنبع من ألمه الداخلي.
وعلينا ان نعي ان الرعاية ليست تربية كثير من الأهل يخلطون بين “الرعاية” و”التربية”.
• الرعاية: طعام، شراب، ملبس، علاج، تسجيل في المدارس.
• التربية: احترام، تعزيز الثقة بالنفس، تعليم القيم، تشجيع، احتواء عاطفي، تجنب الإهانة.
غياب التربية السليمة يجعل الطفل هشًا أمام التنمر ويزيد احتمالية أن يُمارسه أو يتأذى منه.
التنمر في ميزان القانون العراقي
رغم أن مصطلح “التنمر” حديث نسبيًا في القوانين العربية، إلا أن القانون العراقي – وخاصة قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 – يحتوي مواد يمكن أن تُطبق على أفعال التنمر، خاصة إذا سببت ضررًا نفسيًا أو جسديًا.
أبرز المواد ذات الصلة:
• المادة 434: تعاقب من يقذف أو يسب شخصًا بعبارات تخدش الكرامة أو تسيء إلى السمعة، بالحبس أو الغرامة.
• المادة 433: القذف والتشهير يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون.
• المادة 240: تعاقب الأفعال التي تخل بالآداب العامة أو تسبب إهانة أو اضطرابًا اجتماعيًا.
• قانون حماية الطفل رقم 3 لسنة 2014 (قيد التفعيل في بعض مواده): ينص على توفير الحماية من العنف النفسي والجسدي، بما في ذلك الإساءة اللفظية من الأهل.
ومع أن القوانين لا تُسمي “التنمر” صراحة، إلا أن الأفعال المرتبطة به (الإهانة، السخرية العلنية، التحريض، الإيذاء النفسي) كلها مجرّمة، ويحق للطفل أو من ينوب عنه تقديم شكوى قانونية، ويمكن للمحاكم أن تستند إلى هذه المواد.
التوصيات
1. توعية الأهل عبر حملات مجتمعية وإعلامية بأن الكلمات تترك ندوبًا لا تُشفى.
2. إدراج موضوع التنمر ضمن المناهج التعليمية وبرامج الإرشاد المدرسي.
3. تشريع قانون خاص بمكافحة التنمر وتوضيح عقوباته، خاصة في البيئات التربوية والمنزلية.
4. دور الإعلام يجب أن يكون توعويًا وليس استعراضًا لحالات تنمر مؤلمة بهدف “الترند”.
5. تدريب المرشدين التربويين والأخصائيين النفسيين لرصد حالات التنمر الأسري وتقديم الدعم.
جامعة الموصل
الجامعة المستدامة
استدامة


















