3 أغسطس، 2025
مقالة قانونية

الإبادة الجماعية للإيزيديين: جريمة لا تسقط بالتقادم ومسؤولية قانونية دولية مستمرة
مقالة قانونية تخصصية
الدكتور أحمد فارس إدريس
مدرس القانون الدولي الانساني
جامعة الموصل – كلية الحقوق
المقدمة:
في الثالث من آب/أغسطس من كل عام، تعود إلى السطح واحدة من أفظع الجرائم التي شهدها العصر الحديث، عندما تعرّض أبناء المكوّن الإيزيدي في العراق إلى إبادة جماعية ممنهجة، نفّذها تنظيم ما يُعرف بـ”داعش”، عبر عمليات قتل جماعي، واغتصاب، وسبي للنساء والأطفال، وتهجير قسري، وتدمير للمواقع الدينية والثقافية.
إن هذه الأفعال لا تمثل مجرد انتهاكات مسلطة ضد جماعة دينية مسالمة، بل ترقى إلى مستوى الجريمة الدولية الأخطر: الإبادة الجماعية (Genocide)، وفقًا لتعريف المادة الثانية من اتفاقية الأمم المتحدة لمنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948، التي تُعد من قواعد القانون الدولي الآمرة.
أولًا: توصيف الجريمة وفق القانون الدولي
نصت الاتفاقية المذكورة على أن الإبادة الجماعية تشمل “أفعالًا تُرتكب بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية بصفتها هذه”، وهو ما تحقق بشكل واضح في حالة الإيزيديين، من خلال:
1. القتل العمد لأفراد الجماعة.
2. إلحاق الأذى الجسدي أو النفسي الخطير بأفرادها.
3. فرض ظروف معيشية يراد بها تدمير الجماعة كليًا أو جزئيًا.
4. نقل الأطفال قسرًا من الجماعة إلى جماعات أخرى.
وقد أثبتت تقارير الأمم المتحدة، ولجان تقصي الحقائق، وأقوال الناجين، توفّر القصد الجنائي الخاص (dolus specialis) الذي يُعد ركنًا جوهريًا في جريمة الإبادة الجماعية.
ثانيًا: المسؤولية القانونية الدولية
وفقًا لمبدأ عدم تقادم الجرائم الدولية (كما ورد في اتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية لعام 1968)، فإن الملاحقة الجنائية لجريمة الإبادة لا تسقط بمرور الزمن، وتبقى قائمة سواء على صعيد:
• المسؤولية الفردية: بملاحقة الجناة أمام المحاكم الوطنية أو الدولية، كالمحكمة الجنائية الدولية، وفقًا للمادة (5) من نظام روما الأساسي.
• المسؤولية الدولية للدولة: إذا ثبت دعم أو تقاعس الدولة في منع الجريمة أو معاقبة مرتكبيها.
ثالثًا: التزامات العراق والمجتمع الدولي واجبًا قانونيًا مزدوجًا:
1. تحقيق العدالة الجنائية: بمحاسبة جميع المتورطين، وإتاحة سبل الانتصاف القضائي للضحايا.
2. جبر الضرر والتعويض: عبر إعادة الإعمار، والتأهيل النفسي والاجتماعي للناجين، وضمان عدم تكرار الجريمة.
3. حفظ الذاكرة القانونية والإنسانية: من خلال توثيق الجرائم، وتضمينها في المناهج الأكاديمية، وإقرار يوم وطني/دولي لضحايا الإبادة الجماعية.
الخاتمة:
ما جرى للإيزيديين ليس صفحة من الماضي يمكن طيّها، بل جرح لا يندمل إلا بالعدالة الكاملة. فالإبادة الجماعية ليست شأنًا وطنيًا داخليًا، بل قضية إنسانية وقانونية عالمية، يتعين فيها أن تنتصر مبادئ العدالة الدولية، ويُرفع صوت القانون فوق سطوة الإرهاب، لتبقى حقوق الضحايا حيّة في ضمير العالم.
المصادر :
– اتفاقية الأمم المتحدة لمنع جريمة الإبادة الجماعية (1948)
– نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (1998)
– تقارير المفوضية السامية لحقوق الإنسان حول جرائم داعش في العراق
– قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، خاصة القرار 2379 (2017).

















