28 سبتمبر، 2025

مقالة قانونية

مخاطر المخدرات على المجتمع من المنظور القانوني
الدكتور أحمد فارس إدريس
جامعة الموصل – كلية الحقوق
المقدمة:
تعد المخدرات من أخطر الآفات التي تهدد استقرار الدول وتؤثر في أمنها القومي، إذ تتجاوز آثارها الفرد إلى المجتمع بأسره. وقد أدركت التشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية خطورة هذه الظاهرة، فوضعت منظومات قانونية تهدف إلى الردع الجنائي، والتعاون الدولي، ومعالجة المدمنين ضمن أطر وقائية وعلاجية. وفي العراق، أولى المشرّع هذه القضية اهتمامًا بالغًا بإصدار قوانين خاصة وتشديد العقوبات، انسجامًا مع الجهود العالمية لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية.
أولاً: الإطار التشريعي لمكافحة المخدرات في القانون العراقي: أصدر المشرع قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم (50) لسنة 2017 الذي جاء ليعالج أوجه القصور في القوانين السابقة.تضمن القانون قواعد تجرّم:
أ.تعاطي المخدرات وحيازتها دون ترخيص.
ب.الاتجار والترويج، وهي الأفعال التي تشكل خطورة جسيمة على الأمن العام.
ج.الزراعة والصناعة غير المشروعة للنباتات والمواد المخدرة.
د.شدد القانون العقوبات وصولاً إلى السجن المؤبد أو الإعدام بحق من يكرر أو يساهم في نشر المخدرات على نطاق واسع.
ثانياً: المخاطر القانونية والاجتماعية لانتشار المخدرات
1. تعزيز الاقتصاد غير المشروع: شبكات التهريب والاتجار بالمخدرات تؤدي إلى خلق سوق سوداء تقوّض الاقتصاد الوطني وتغذي الجريمة المنظمة.
2. ارتفاع معدلات الجريمة: أثبتت الدراسات أن نسبة كبيرة من جرائم السرقة، الاعتداء، والقتل ترتبط ارتباطًا مباشرًا بتعاطي المخدرات.
3. تفكك الأسرة: المدمن يصبح عرضة للمساءلة الجنائية بسبب سلوكه الإجرامي، مما يؤدي إلى مشاكل قانونية مثل الطلاق وفقدان الحضانة.
4. إعاقة عمل المؤسسات القضائية: القضايا المرتبطة بالمخدرات تستحوذ على جزء كبير من طاقة المحاكم وأجهزة إنفاذ القانون.
ثالثاً: المسؤولية القانونية الدولية
١. يلتزم العراق بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات لعام 1988، والاتفاقية الوحيدة للمخدرات لعام 1961 المعدلة ببروتوكول 1972.هذه الاتفاقيات تلزم الدول الأعضاء بسن تشريعات وطنية وتشديد الرقابة على حركة المخدرات عبر الحدود.
٢. عدم الالتزام يضع الدولة أمام مساءلة دولية ويعرضها لعزلة أو عقوبات.
رابعاً: السياسة الجنائية المقترحة لمواجهة الظاهرة
1. التفريق بين المتعاطي والتاجر: حيث يُنظر إلى المدمن كضحية تستوجب العلاج والتأهيل، بينما يُعامل التاجر كمجرم يجب تشديد العقوبة عليه.
2. العقوبات البديلة: مثل برامج العلاج الإلزامي، العمل للمصلحة العامة، أو الإقامة في مراكز إعادة التأهيل.
3. التعاون الإقليمي والدولي: من خلال تبادل المعلومات الاستخبارية وتفعيل الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف.
4. التوعية القانونية والمجتمعية: إشراك الجامعات والمؤسسات التعليمية في حملات التثقيف بخطورة المخدرات وآثارها القانونية.
الخاتمة:
إن معالجة ظاهرة المخدرات من المنظور القانوني تتطلب مقاربة مزدوجة: زجرية تقوم على العقوبات المشددة لردع المروجين والمتاجرين، ووقائية إصلاحية تستهدف إعادة تأهيل المدمنين. ولا يمكن تحقيق النجاح في هذا المجال إلا من خلال تكامل الأدوار بين المشرع، السلطة القضائية، الأجهزة الأمنية، والمؤسسات الاجتماعية والتربوية.وبذلك يُحافظ القانون على مقاصده الأساسية المتمثلة في حماية الإنسان، صون الأمن العام، وضمان استقرار المجتمع.
المصادر:
1. قانون المخدرات والمؤثرات العقلية العراقي رقم (50) لسنة 2017.
2. قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 المعدل – المواد المتعلقة بالجرائم المخدِّرة.
3. الاتفاقية الوحيدة للمخدرات لعام 1961، المعدلة ببروتوكول 1972.
4. اتفاقية الأمم المتحدة بشأن المواد النفسية لعام 1971.
5. اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية لعام 1988.
6. حسن الهداوي، الجرائم الواقعة على المخدرات في القانون الجنائي المقارن، دار الثقافة، عمان، 2018.
7. عبد القادر القيسي، المخدرات والمؤثرات العقلية: دراسة قانونية في ضوء التشريعات العراقية والدولية، مجلة القانون والعلوم السياسية، جامعة بغداد، العدد (41)، 2021.
8. محمد عبد المحسن، السياسة الجنائية في مواجهة المخدرات، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2019.
9. تقارير مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC)، تقارير المخدرات العالمية (World Drug Report) لسنوات مختلفة.

مشاركة الخبر

مشاركة الخبر