2 نوفمبر، 2025
مقالة قانونية

ظاهرة العنف ضد الأطفال بين التجريم القانوني والمسؤولية المجتمعية
مقالة قانونية تخصصية
الدكتور احمد فارس ادريس
جامعة المرصل -كلية الحقوق
المقدمة:
يعد العنف ضد الأطفال من أخطر الظواهر الاجتماعية والنفسية التي تهدد بنية المجتمع الإنساني، إذ يُشكّل انتهاكاً صارخاً لحقوق الطفل وحياته الكريمة. والعنف لا يعني فقط الضرب الجسدي، بل يشمل أيضاً الإهانة اللفظية، التنمر، الإهمال، أو الاستغلال النفسي والاقتصادي.
وقد أكدت اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 في مادتها (19) على ضرورة حماية الطفل من “جميع أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو العقلية”، وهو مبدأ كرّسه الدستور العراقي لعام 2005 في المادة (29/رابعاً) التي نصّت على أن “الأطفال يُمنعون من العنف والاستغلال على جميع أشكاله”.
إنّ العنف ضد الأطفال لا يترك أثره على الضحية وحدها، بل يمتدّ إلى المجتمع ككل، فيولّد أجيالاً مشوّهة نفسياً، فاقدة للثقة، تميل إلى العدوان أو الانعزال. كما يضعف البناء الأخلاقي والقيمي للأسرة، وهي اللبنة الأساسية في استقرار أي دولة.
أولاً: أنواع وأصناف العنف ضد الأطفال:يمكن تصنيف العنف الموجّه ضد الأطفال إلى عدّة صور وأشكال، تختلف في الوسائل لكنها تتفق في الخطر والنتائج:
1. العنف الأسري (المنزلي):
ويشمل الضرب المبرح، الإهانة المستمرة، الحرمان من التعليم أو الغذاء، والتربية القائمة على الخوف والعقاب.
وغالباً ما يُبرّر بعض الآباء هذا السلوك بحجة “التأديب”، في حين أنه يُعدّ تجاوزاً على حقوق الطفل وكرامته الإنسانية.
2. العنف المدرسي:
من خلال العقاب البدني أو النفسي الذي يمارسه بعض المدرسين أو زملاء الدراسة، كالضرب أو السخرية أو التنمر، مما يسبب اضطرابات سلوكية ونفوراً من التعليم.
3. العنف الاجتماعي:ويتمثل في نبذ الأطفال بسبب الفقر أو اليتيم أو الإعاقة، أو استغلالهم في التسوّل والعمل القسري أو في النزاعات المسلحة.
4. العنف الإلكتروني:وهو من الظواهر الحديثة، حيث يتعرض الأطفال للإساءة أو التهديد أو الابتزاز عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ثانياً: الآثار النفسية والاجتماعية للعنف: العنف ضد الطفل يؤدي إلى سلسلة من الانعكاسات السلبية الخطيرة، منها:
١.اضطرابات نفسية: كالخوف المستمر، القلق، الاكتئاب، ضعف الثقة بالنفس.
٢.اضطرابات سلوكية: العدوانية، الانطواء، الميل للعنف تجاه الآخرين.
٣.آثار اجتماعية: ضعف التحصيل الدراسي، الانعزال عن المجتمع، أو الانحراف في مرحلة المراهقة.
٤.كما يخلق العنف جيلاً يكرر السلوك ذاته، مما يؤدي إلى استدامة دائرة العنف الاجتماعي عبر الأجيال.
ثالثاً: موقف قانون العقوبات العراقي من العنف ضد الأطفال:
نص قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 المعدل في عدة مواد على تجريم أفعال العنف والإيذاء الموجهة إلى الأفراد، بمن فيهم الأطفال، ومن أهمها:
١.المادة (410): تعاقب كل من تسبب عمداً في إحداث أذى بليغ لشخص آخر.
٢.المادة (412): تعاقب من يعتدي بالضرب أو الجرح على شخص آخر بعقوبة الحبس أو الغرامة.
٣.المادة (413): تشدد العقوبة إذا وقعت الجريمة على طفل أو حدث.
٤. كما أن قانون رعاية الأحداث رقم (76) لسنة 1983 وضع آليات لحماية الأحداث من سوء المعاملة والإهمال.
وبذلك فإن المشرّع العراقي جرّم العنف ضد الأطفال صراحة وعدّه من الأفعال الماسة بالأمن الأسري والمجتمعي، مع ضرورة تفعيل التطبيق القضائي لهذه النصوص.
رابعاً: دور المؤسسات والمجتمع في الحد من الظاهرة:
1. الأسرة: بتبنّي أساليب تربية قائمة على الحوار والاحترام، بعيداً عن الإيذاء والعقاب الجسدي.
2. المدرسة: بنشر ثقافة اللاعنف وتدريب الكوادر التربوية على التعامل الإنساني مع الطلبة.
3. المنظمات الحقوقية: بتكثيف حملات التوعية المجتمعية حول حقوق الطفل، وتقديم الدعم القانوني للضحايا.
4. المؤسسات الأكاديمية والتربوية: من خلال عقد الندوات والمحاضرات التثقيفية.
5. الخطاب الديني والإعلامي: عبر خطب الجمعة والبرامج التوعوية التي تبرز حرمة إيذاء الطفل وأثره على الأمة.
خامساً: موقف الشريعة الإسلامية:
الإسلام دين الرحمة والتربية بالحكمة، وقد نهى النبي ﷺ عن ضرب الأطفال أو إهانتهم، فقال:
“من لا يَرحم لا يُرحم.” (رواه البخاري)، وأكد الفقهاء أن الضرب وسيلة غير مشروعة للتأديب، إلا في أضيق الحدود وبشروط لا تؤدي إلى الأذى أو الإهانة.وقد ركزت الشريعة على بناء الشخصية السليمة بالقدوة الحسنة، والموعظة، والرعاية العاطفية، مما ينسجم مع القوانين الحديثة في حماية الطفولة.
الخاتمة:
إنّ مكافحة العنف ضد الأطفال تتطلب تكاملاً بين التشريع والتربية والمجتمع.
فالقوانين وحدها لا تكفي ما لم يُصاحبها وعي مجتمعي وتربية قائمة على الاحترام والمودة.
ويُعدّ تجريم العنف ضد الأطفال في قانون العقوبات العراقي خطوة مهمة، لكن المطلوب هو تفعيل الرقابة القانونية والاجتماعية لضمان حماية الطفولة، التي هي حجر الأساس لمستقبل آمن ومستقر.
المصادر:
1. قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 المعدل.
2. قانون رعاية الأحداث رقم (76) لسنة 1983.
3. الدستور العراقي لسنة 2005.
4. اتفاقية حقوق الطفل – الأمم المتحدة 1989.
5. د. عبد الكريم زيدان، أحكام الأسرة في الشريعة الإسلامية.
6. د. سامي عبد الحميد، الحماية الجنائية للطفل في القانون العراقي، مجلة القانون والعدالة، 2022.
7. تقارير وزارة العمل والشؤون الاجتماعية – قسم حماية الطفولة، بغداد، 2024.

















