26 مارس، 2020

كورونا بين الظروف الطارئة والقوة الراهنة

استناداً الى توجيهات الاستاذ الدكتور قصي كمال الدين الأحمدي المحترم رئيس جامعة الموصل بضرورة الانفتاح والتفاعل مع المجتمع خاصة في ظل الظرف الراهن المتمثل بانتشار فايروس كورونا وبأشراف ومتابعة الاستاذ الدكتور عمار سعدون حامد عميد الكلية فقد تناول الدكتور فتحي علي فتحي تعليقاً على مقالة الكورونا بين الظروف الطارئة والقوة القاهرة.
غزت جائحة كورونا كوكب الأرض، وما شهدناه بدايةً في الصين من وقف لحركة الاستيراد والتصدير مع دول العالم، سيكون له تأثيرات كبرى على العقود المبرمة والموقّعة بين أفراد وشركات ، تأثيرات قد تغيّر أوجه التعاملات في ما بين الأطراف، وتاليًا على القوانين التي ستفصل في القضايا المتأتّية عن الجائحة … وهذا غير الكوارث الصحية. فالأوبئة الصحية واقعة مادية صرفة، تكون لها آثار سلبية واضحة يمكن رصد ملامحها على العلاقات القانونية بوجه عام والعلاقات التعاقدية على وجه الخصوص، حيث تتصدع هذه الروابط نتيجة ركود أو شلل يصيب بعض القطاعات الاستثمارية، ما يجعل من المستحيل (أو على الأقل من الصعب) تنفيذ بعض الالتزامات أو يؤخّر تنفيذها.
الامر الذي دفع البعض الى التساؤل هل الكورنا ظرف طارئ ام قوة قاهرة، وما تاثيرها على تنفيذ العقود؟
ذهب االمشرع العراقي في نص مادة (146) الى أنه:
1 – اذا نفذ العقد كان لازما ولا يجوز لاحد العاقدين الرجوع عنه ولا تعديله الا بمقتضى نص في القانون او بالتراضي.
2 – على انه اذا طرات حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها وترتب على حدوثها ان تنفيذ الالتزام التعاقدي، وان لم يصبح مستحيلا، صار مرهقا للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة جاز للمحكمة بعد الموازنة بين مصلحة الطرفين ان تنقص الالتزام المرهق الى الحد المعقول ان اقتضت العدالة ذلك، ويقع باطلا كل اتفاق على خلاف ذلك.
ومن خلال النص اعلاه يتضح ان العقد يكون صحيحا لازما بمعنى ليس لاي من اطرافه ان يستغل بفسخه او تعديله والرجوع عنه بارادته المنفردة مالم يكن هناك اتفاق او نص يقضي بغير ذلك.اما اذا طراء اثناء تنفيذ الالتزام حادث استثنائي عام لم يكن في الوسع توقعه وترتب عليه جعل الالتزام مرهقا للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة جاز للقاضي بعد الموازنة بين مصلحة الطرفين ان ينقص الالتزام المرهق الى الحد المعقول متى اقتضت العدالة ذلك.

وقد ذهب الفقه الحنفي الى الاخذ بهذه النظرية واطلقوا عليها نظرية العذر حيث جاء في البدائع ((فَالْإِجَارَةُ تَنْفَسِخُ بنفسه (( بنفسها ) أو تَحْتَاجُ إلَى الْفَسْخِ قال بَعْضُ مَشَايِخِنَا تَنْفَسِخُ بِنَفْسِهَا وقال بَعْضُهُمْ لَا تَنْفَسِخُ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ يُنْظَرُ إلَى الْعُذْرِ إنْ كان يُوجِبُ الْعَجْزَ عن الْمُضِيِّ في مُوجَبِ الْعَقْدِ شَرْعًا بِأَنْ كان الْمُضِيُّ فيه حَرَامًا فَالْإِجَارَةُ تُنْتَقَضُ بِنَفْسِهَا كما في الْإِجَارَةِ على قَلْعِ الضِّرْسِ إذَا اشْتَكَتْ ثُمَّ سَكَنَتْ وَعَلَى قَطْعِ الْيَدِ المتآكلة إذَا برأت ( برئت ) وَنَحْوِ ذلك وَإِنْ كان الْعُذْرُ بِحَيْثُ لَا يُوجِبُ الْعَجْزَ عن ذلك لَكِنَّهُ يَتَضَمَّنُ نَوْعَ ضَرَرٍ لم يُوجِبْهُ الْعَقْدُ لَا يَنْفَسِخُ إلَّا بِالْفَسْخِ وَهَلْ يُحْتَاجُ فيه إلَى فَسْخِ الْقَاضِي أو التَّرَاضِي ))

وذهب الفقه المالكي الى الاخذ بهذه النظرية ايضا واطلقوا عليها نظرية الجوائح حيث جاء في القوانين الفقهية لابن جزي ((ومن اشترى ثمرا فأصابته جائحة فإنه يوضع عنه من الثمن مقدار ما أصابته الجائحة خلافا لهما وإنما يوضع بشرطين ( أحدهما ) أن تكون الجائحة من غير فعل بني آدم كالقحط وكثرة المطر والبرد والريح والجراد وغير ذلك واختلف في الجيش والسارق ( الثاني ) أن تصيب الجائحة ثلث التمر فأكثر)) وهذه نظرية الظروف الطارئة التي تجعل تنفيذ الالتزام مرهقا لا مستحيلا.
​اما اذا اصبح تنفيذ الالتزام مستحيلا فسوف نكون اما قوة قاهرة وليس ظروف طارئة أما التي تختلف أحكامها عن أحكام نظرية “الظروف الطارئة”. والجزاء فيها هو فسخ العقد وانقضاء الالتزام. بدلالة النصوص الاتية :
✓ مادة (168)
اذا استحال على الملتزم بالعقد ان ينفذ الالتزام عينا حكم عليه بالتعويض لعدم الوفاء بالتزامه ما لم يثبت استحالة التنفيذ قد نشات عن سبب اجنبي لا يد له فيه، وكذلك يكون الحكم اذا تاخر الملتزم في تنفيذ التزامه.
✓ مادة (211)
أذا اثبت الشخص ان الضرر قد نشا عن سبب اجنبي لا يد له فيه كافة سماوية او حادث فجائي او قوة قاهرة او فعل الغير او خطا المتضرر كان غير ملزم بالضمان ما لم يوجد نص او اتفاق على غير ذلك.
فالقوة القاهرة حادث لا يكمن توقعه ولا يستطاع دفعه، الامر الذي يدفع الى التساؤل هل جائحة الكورونا (كوفيد – 19)، تُعتبر “قوة قاهرة” في القانون والقضاء؟
نتفق مع من يرى ان جائحة الكورونا تعتبر قوة قاهرة لا ظروف طارئة ويسوق لنا اصحاب هذا الراي بعض الأمثلة الراهنة التي يمكن ان تعطي فكرة عمّا يمكن أن يحصل!
ذكر موقع “هوليوود ريبورتر” أنه إذا قرر ممثلون أو شركات إنتاج فسخ عقودهم ورفض الاستمرار في عملهم، بسبب جائحة كورونا واضطرارهم على تنفيذ التعليمات بعدم التجمّع، فالخيار الأول أمامهم هو دفع الغرامات إذا لم تكن العقود تجعل “القوة القاهرة” كتبرير لفسخ العقد. والخيار الثاني يتمثّل باللجوء إلى حجة “العجز عن التنفيذ” التي تيسّر عملية الفسخ. ومثلها يفعل الخيار الثالث الذي يعمل بموجب “الظروف الطارئة” التي تحول دون تنفيذ الأعمال.
خلاصة الموضوع أن الأمر المؤكّد الوحيد الذي سينتشر بسرعة انتشار الكورونا هو الدعاوى القضائية التي ستُرفع على أساس الخيارين الثاني والثالث أعلاه، مع الدعاوى المبنية على أساس بنود المتعلّقة بالقوة القاهرة.
من جهة اخرى بدأت الدول الاقتصادية الكبرى كأمريكا والصين باستصدار ما يسمى بشهادات “القوة القاهرة”. وهذه تقضي بإبراء الأطراف من مسؤولياتهم التعاقدية التى يصعب الوفاء بها، بسبب ظروف استئنائية تخرج عن نطاق سيطرتهم.
مؤسسات وشركات عالمية كثيرة هناك، طالبت بشهادة “القوة القاهرة” من أجل التحلل من التزاماتها التعاقدية، وعدم أداء غرامات التأخير أوالتعويض عن التأخير في التنفيذ أو عن استحالته. ووافقت الحكومات اعلاه على أنه لكي يتم الحصول على شهادة، يمكن تقديم مستندات موثقة لإثبات التأخير أو التعطل. وستكون الشهادة معترفاً بها دولياً وليس محلياً فقط!
السؤال هل ستبدأ حكومات الوطن العربي في تبني حلول وافكار مماثلة؟؟
موقف القضاء العراقي
تجلى موقف القضاء الاعلى بالاتي:
((في ضوء التحديات الراهنة التي يعيشها العالم من أزمة (وباء الكورونا) ناقش مجلس القضاء الأعلى في جلسته السابعة لعام 2020 المنعقدة حضوريا والكترونيا في صبيحة يوم الاحد الموافق 15 /3 /2020 برئاسة رئيس محكمة التمييز القاضي فائق زيدان الاجراءات الاستثنائية الواجب اتخاذها لتقليل مخاطر فيروس كورونا.
كما ان مجلس القضاء الاعلى كان قد عمم بتاريخ الاحد الموافق 8/ 3 /2020 على كافة المحاكم باتخاذ الاجراءات القانونية بحق من يخالف (توصيات لجنة خلية الأزمة) بخصوص الاجراءات المتخذة للحد من انتشار فايروس كورونا.
كما ان القضاء شدد على اتخاذ الاجراءات القانونية بحق المخالفين لحظر التجوال))
وهذه الاجراءات توحي بما لا يقبل الشك بان القضاء الاعلى العراقي يعد جائحة الكورونا (كوفيد – 19)، “قوة قاهرة” .
نسأل الله الصحة والعافية للجميع .الدكتور فتحي علي فتحي
مدرس القانون المدني
جامعة الموصل/ كلية الحقوق

مشاركة الخبر

مشاركة الخبر