19 مايو، 2025
مقالة قانونية

مقالة قانونية تخصصية للدكتور احمد فارس ادريس عن الحماية الدولية للأطفال أثناء النزاعات المسلحة –
غزة إنموذجا،،،
تمثل حماية الأطفال في أوقات النزاعات المسلحة إحدى أهم أولويات القانون الدولي الإنساني وذلك لهشاشة وضعهم وسرعة تأثرهم بانتهاكات الحرب ، وفي ظل تصاعد النزاعات المسلحة في العالم ، يبقى قطاع غزة نموذجا بارزا لانتهاك حقوق الأطفال بصورة منهجية ومستدامة ، فقد عانى أطفال غزة من موجات متكررة من العدوان والحصار ، ما يتطلب تسليط الضوء على الإطار القانوني الدولي الذي يُعنى بحمايتهم ومدى احترامه أو انتهاكه على أرض الواقع ، ويكمن الإطار القانوني الدولي لحماية الأطفال في النزاعات المسلحة في اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 والبروتوكولان الإضافيان لعام 1977 الأساس الأهم في حماية المدنيين ومن ضمنهم حماية الأطفال أثناء النزاعات المسلحة ، حيث تنص المادة (77) من البروتوكول الإضافي الأول على أن:
“يجب أن يحصل الأطفال على احترام خاص وأن تتم حمايتهم من أي صورة من صور الاعتداء ويجب على الأطراف المشاركة في النزاع أن توفر لهم الرعاية والمعونة التي يحتاجونها” ، كما تؤكد المادة (4) من البروتوكول الإضافي الثاني المعني بالنزاعات غير الدولية على حظر تجنيد الأطفال دون سن 15 عاما وعلى ضرورة حمايتهم من العنف والانتهاك وجاءت اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة عام 1989 والتي صادقت عليها أغلب دول العالم ومن أبرز نصوصها التي تكرّس الحقوق الشاملة للأطفال، حتى أثناء الحروب ما نصت عليه المادة (38) منها على:
“تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير الممكنة عمليا لضمان عدم اشتراك الأطفال الذين لم يبلغوا سن الخامسة عشرة في الأعمال الحربية المباشرة” ، وكذلك البروتوكول الاختياري بشأن اشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة (2000) ، حيث يوسع هذا البروتوكول نطاق الحماية القانونية ويمنع تجنيد الأطفال دون سن 18 عامًا في النزاعات المسلحة سواء من قبل القوات المسلحة الرسمية أو الجماعات المسلحة ، ومنذ عام 2008 فقد شهد قطاع غزة أكثر من خمس حروب أو عدوان عسكري من قبل قوات الاحتلال الصهيوني والتي أسفرت عن آلاف الضحايا من المدنيين وكانت النسبة الكبرى منهم من الأطفال والنساء ، ووفقًا لتقارير الأمم المتحدة فقد تجاوز عدد الأطفال الذين قُتلوا في عدوان 2023 وحده 11,000 طفل فلسطيني كما تشير منظمات دولية مثل “أنقذوا الأطفال” و”اليونيسيف” إلى تدمير واسع في المدارس والمستشفيات وهو ما يمثل انتهاكا صارخا لأحكام اتفاقيات جنيف المتعلقة بالمنشآت المدنية ، كما يُعدّ الحصار المفروض على غزة منذ عام 2007 أحد أبرز أدوات الانتهاك الجماعي لحقوق الأطفال والذي حرم آلاف منهم من حقهم في التعليم والغذاء والرعاية الصحية واللعب والنمو الطبيعي وهي حقوق جوهرية كفلتها المادة (6) من اتفاقية حقوق الطفل ورغم وجود نصوص دولية واضحة تحظر الانتهاكات ضد الأطفال في النزاعات المسلحة إلا أن الآليات الرادعة تبقى ضعيفة التنفيذ فقد تجنّبت جهات التحقيق الدولية حتى وقت قريب إدراج إسرائيل ضمن الدول المنتهكة لحقوق الاطفال ،
لكن في عام 2024 قررت الأمم المتحدة إدراج إسرائيل في هذه القائمة بعد ضغط دولي واسع وهو تطور مهم لكنه غير كافٍ ما لم تصاحبه إجراءات محاسبة فعلية ،كما أن الوضع الإنساني في غزة يكشف فجوة هائلة بين القواعد القانونية الدولية الخاصة بحماية الأطفال والواقع المأساوي الذي يعيشه أطفال القطاع تحت نير الاحتلال والحصار والعدوان لا يُمَكن القانون الدولي مِن أن يؤدي دوره الكامل ما لم يتم تفعيل آليات المسائلة الدولية وممارسة ضغوط حقيقية على الاحتلال الإسرائيلي للامتثال للقانون الدولي ، فأطفال غزة ليسوا مجرد أرقام في تقارير بل أرواحا بريئة تستحق الحياة والحماية والعدالة .


















