21 يوليو، 2025

مقالة قانونية

لأمن الغذائي وجرائم التجويع،،،
انتهاك صارخ لحق الإنسان في الحياة – غزة نموذجًا،،،
مقالة قانونية تخصصية للدكتور أحمد فارس إدريس
مدرّس مادة القانون الدولي الإنساني في كلية الحقوق بجامعة الموصل،،،
المقدمة:-
في خضم المآسي التي تعصف بقطاع غزة لا يمكن إغفال ما يتعرض له السكان المدنيون من سياسة ممنهجة تُمارس فيها أساليب التجويع كوسيلة للحرب ، وهو انتهاك جسيم للكرامة الإنسانية وخرق فاضح للقواعد الآمرة في القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان ،
فما يجري في غزة لم يعد نزاعا تقليديا بل هو حصار وتجويع واستهداف ممنهج للمدنيين ومنع متعمّد لوصول المساعدات الغذائية والطبية ، ما يمثل جريمة ضد الإنسانية وفقًا للمعايير القانونية الدولية .
أولاً: التجويع كسلاح ممنوع بموجب القانون الدولي إذ
ينص البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1977 في المادة (54) صراحةً على حظر استخدام التجويع كوسيلة من وسائل القتال، مؤكدة أن “تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب محظور تمامًا كما يُجرِّم النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في المادة (8/2/ب/25) استخدام التجويع المتعمد ضد المدنيين باعتباره جريمة حرب ،
وفي حالة غزة تتجسد هذه الجريمة في:
• قطع الإمدادات الغذائية والطبية .
• تدمير البنى التحتية الزراعية .
• فرض الحصار الشامل ومنع دخول المواد الأساسية .
• عرقلة المساعدات الإنسانية ومنع عمل الوكالات والمنظمات الدولية .
ثانيا: الأمن الغذائي حق أصيل من حقوق الإنسان
أكدت الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان – ولا سيما العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية – أن الحق في الغذاء حق غير قابل للتصرف. وقد نصت المادة (11) من العهد على أن “الدول الأطراف تعترف بحق كل فرد في مستوى معيشي كافٍ له ولأسرته، بما في ذلك ما يكفي من الغذاء”.
أما في غزة، فإن هذا الحق يُداس علنًا، ويُنتزع من فم الجائع، في ظل غياب أي موقف حازم من المجتمع الدولي أو حتى الإقليمي.
ثالثًا: دور المجتمع الدولي والواجبات الملقاة على عاتقه
أمام ما يجري من جرائم موثقة وشهادات دامغة، فإن الصمت الدولي لا يمكن تفسيره إلا كنوع من التواطؤ أو اللامبالاة تجاه معاناة شعب بأكمله. إن على المجتمع الدولي:
• الضغط من أجل فتح ممرات إنسانية آمنة.
• فرض رقابة على التزامات الأطراف بالقانون الدولي.
• تمكين المنظمات الإنسانية – وعلى رأسها اللجنة الدولية للصليب الأحمر – من الوصول دون عوائق لتقديم الدعم الغذائي والطبي.
• تحريك التحقيقات الدولية في جرائم التجويع، وتقديم المسؤولين عنها للمساءلة الجنائية الدولية.
الخاتمة:
مسؤولية إنسانية قبل أن تكون قانونية،ما يحصل في غزة هو أكثر من مجرد أزمة سياسية أو نزاع عسكري، إنها مأساة إنسانية بكل ما تعنيه الكلمة، يُستخدم فيها الجوع كسلاح، وتُستباح فيها كرامة الإنسان، ويُصادر فيها أبسط حقوقه: الحق في الحياة.
إن الصمت عن هذه الانتهاكات لم يعد مقبولًا، وإن الواجب الأخلاقي والإنساني يحتم موقفًا عربيًا وإسلاميًا ودوليًا حاسمًا. لقد آن الأوان لتجاوز البيانات والمواقف الرمزية، نحو خطوات عملية تحمي الأرواح، وتضمن الكرامة الإنسانية لشعب لا يطلب سوى الحياة.

مشاركة الخبر

مشاركة الخبر