19 أكتوبر، 2025
مقالة قانونية

انصاف الضحايا وتحقيق العدالة في اقليم دارفو جنوب السودان
قراءة في حكم المحكمة الجنائية الدولية
د. زياد عبدالوهاب النعيمي
كلية الحقوق /جامعة الموصل
تشكل المحكمة الجنائية الدولية الية قضائية دولية لمحاكمة المتهمين بجرائم الابادة الجماعية الحرب وجرائم ضد الانسانية وجريمة العدوان ، وفقا للمادة الخامسة من النظام الاساسي للمحكمة، ويعد اختصاص المحكمة كما هو معروف اختصاصا تكميليا للمحكم الوطنية .
ومن ابرز القضايا المعروضة على المحكمة الجنائية الدولية ICC قضية اقليم دارفور جنوب السودان فقد جمعت بين العدالة الدولية والسياسية في افريقيا، بدا النزاع في دارفور عام 2003 حيث حملت حركتان مسلحتان حركة تحرير السودان وحركة العدل والمساواة السلاح ضد الحكومة في السودان متهمين اياها بتهميش اقليم دارفور في مقابل ذلك استخدمت الحكومة السودانية قوات مسلحة اطلق عليها ( الجنجويد ) لقمع التمرد هناك وبعد حصول النزاع المسلح والذي يمكن تكييفه بانه نزاع مسلح غير ذات طابع دولي كونه وقع داخل اقليم دولة السودان فقد ادى النزاع الى مئات الالاف من القتلى (300 الف حسب تقديرات الامم المتحدة ) وملايين النازحين داخل السودان ولللاجئين الى دول الدوار مثل تشاد وغيرها مع ارتكاب لجرائم القتل والاغتصاب والتهجير القسري وتمير القرى تدميرا شاملا .
قرار مجلس الامن
بناء على ما تم ارتكابه من جرائم في اقليم دارفور، فقد اصدر مجلس الامن قراره المرقم 1593 في 2005 احال بموجبه الوضع في دارفور الى المحكمة الجنائية الدولية لان السودان لم يكن طرفا في المحكمة.. وقد وجهت تهم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية وجرائم ابادة جماعية جرائم حرب . بحق ابرز ثلاثة اشخاص وهم ( عمر حسن البشير رئيس السودان في حينها، واحمد هارون وزير سابق وعلي محمد علي عبدالرحمن قائد (قوات الجنجويد).
بعد سقوط نظام البشير عام 2019 طالبت المحكمة الجنائية الدولية من حكومة السودان الجديدة تسليم المتهمين اليها وقد تم تسليم علي محمد علي عبدالرحمن والمعروف ب ( علي كوشيب) الى المحكمة عام 2020 وجرت محكمته في لاهاي، عرضت القضايا على المحكمة الجنائية الدولية وهي نتيجة تحقيق اعقب احالة مجلس الامن للوضع في دارفور للمحكمة.
اصدار الحكم القضائي
في السادس من تشرين الاول 2025 اصدرت المحكمة حكما قضائيا بإدانة علي كوشيب بتهمة ارتكابه اكثر من 27 جريمة حرب وجرائم ابادة وجرائم ضد الانسانية في اربع قرى( قرى وادي صالح ) هي كودم وبنديسي وموكجار وديليغ في غرب دارفور، وتمت ادانته بارتكاب جرائم القتل والاغتصاب والاضطهاد والمعاملة القاسية وغيرها من الافعال اللاإنسانية .ليكون اول قائد ميداني في دارفور يحاكم امام المحكمة الجنائية الدولية، ويعطي صورة ايجابية حول عمل المحكمة في تحقيق العدالة وانصاف ضحايا النزاع وانتظار اتهاذ الاجراءات لباقي المتهمين وهم عمر حسن البشير واحمد هارون .
اهمية الحكم
اولا.. ان الحكم يمثل سابقة مهمة في ميدان القضاء الجنائي الدولي في ظل تطبيق مبدا عدم الافلات من العقاب الذي يؤكد خضوع الرؤساء والقادة للمحكمة دون تمتعهم بالحصانة في حال ارتكابهم جرائم تدخل في نطاق اختصاص المحكمة.
ثانيا.. ان الحكم يشكل تطورا نوعيا في ظل تزايد الضغوطات على عمل المحكمة من قبل الولايات المتحدة الأميركية التي لم تنضم الى النظام الاساسي ومجاولة فرض عقوبات على مسؤولي المحكمة وخبيرة حقوقية بسبب موقف المحكمة من القضية الفلسطينية ازاء الاحتلال الصهيوني وقادته الذي ارتكبوا جرائم في غزة .
ثالثا.. هذا الحكم يفتح الباب على تحقيق العدالة الانتقالية داخل اقليم دارفور وخطوة مهمة على الرغم ان الحكم ضد علي محمد علي لا يمثل العدالة الكاملة فما يزال متهمين اثنين لم يعرضوا على المحكمة الجنائية ولم يحاكموا بعد .
رابعا.. المحكمة بحاجة الى تعاون دولي حقيقي من حكومة السودان الجديدة لان المحكمة ليس لها قوة انفاذ قانونية وتعتمد على تعاون الدول الاطراف .
خامسا.. ان الحكم الصادر اعتمد على 72 شاهدا لان فريق الادعاء لم يستطع دخول دارفور لانعدام الامن هناك لكنه اعتمد ادلة مادية قوية من خلال شهادة الشهود .
سادسا.. ان الحكم منح الامل للضحايا بعد مرو 20 عاما لشعورهم بتحقيق العدالة وانصافهم مما يفتح الباب حول بدء المحكمة بإجراءات جبر الضرر للضحايا عبر الصندوق الائتماني للمجني عليهم الذي لا يشمل التعويض المالي بل يشمل العلاج والدعم النفسي.

















