26 أكتوبر، 2025

مقالة قانونية

جريمة الابتزاز الإلكتروني بين التوعية والتجريم في ظل التشريع العراقي
مقالة قانونية
الدكتور أحمد فارس إدريس
كلية الحقوق / جامعة الموصل
المقدمة:
شهد العالم في العقود الأخيرة تطورًا هائلًا في وسائل الاتصال والتقنيات الرقمية، رافقه ظهور أنماط جديدة من السلوك الإجرامي، أبرزها جريمة الابتزاز الإلكتروني التي باتت تهدد الأفراد والمجتمعات والمؤسسات على حد سواء.
تُعد هذه الجريمة من أخطر الجرائم الإلكترونية نظرًا لما تتركه من آثار نفسية واقتصادية واجتماعية على الضحايا، وما تثيره من تحديات قانونية أمام السلطات التشريعية والقضائية في العراق.
وتسعى هذه المقالة إلى بيان مفهوم جريمة الابتزاز الإلكتروني وأنواعها، ثم توضيح الإطار القانوني العراقي الذي ينظمها، مع إبراز دور المجتمع والقانون والمؤسسات الأكاديمية في الحد من هذه الجريمة.
أولاً: تعريف جريمة الابتزاز الإلكتروني:
يُقصد بجريمة الابتزاز الإلكتروني كل سلوك يقوم فيه الجاني بتهديد الضحية بنشر أو إفشاء معلومات أو صور أو مقاطع شخصية عبر الوسائط الإلكترونية، بقصد الحصول على منفعة مادية أو معنوية أو لإجبار الضحية على القيام بفعل أو الامتناع عنه.
ويعد الابتزاز الإلكتروني صورة من صور جرائم التهديد المنصوص عليها في قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969، لكنه يكتسب طابعًا خاصًا كونه يتم عبر الفضاء الرقمي، مما يجعل من الصعب كشف مرتكبيه أو ضبط أدلتهم بوسائل تقليدية.
ثانياً: أنواع جريمة الابتزاز الإلكتروني: يمكن تصنيف الابتزاز الإلكتروني إلى عدة أنواع بحسب طبيعة الفعل والغرض منه، ومن أبرزها:
1. الابتزاز المالي: ويقصد به مطالبة الجاني للضحية بمبالغ مالية مقابل عدم نشر معلومات أو صور خاصة.
2. الابتزاز الجنسي: ويُستخدم فيه المحتوى الحميمي لتهديد الضحية واستغلالها جنسيًا أو ماديًا.
3. الابتزاز الاجتماعي: ويهدف إلى النيل من سمعة الشخص أو مكانته الاجتماعية أو العائلية.
4. الابتزاز السياسي أو الوظيفي: ويقع غالبًا على موظفين أو شخصيات عامة بغرض الضغط أو التأثير على قراراتهم.
ثالثاً: الإطار القانوني لجريمة الابتزاز الإلكتروني في العراق:رغم أن قانون العقوبات العراقي تناول جرائم التهديد والابتزاز في مواده (430–452)، إلا أن التطورات التقنية فرضت الحاجة إلى تشريع خاص بالجرائم الإلكترونية.
بالرغم من صدور قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية لعام 2019 الا انه لم يصادق عليه لحد الان رغم معالجته صور الجرائم التي تُرتكب عبر الإنترنت، ومنها الابتزاز الإلكتروني، إذ نص على عقوبات بحق كل من يستخدم الوسائط الإلكترونية في تهديد أو ابتزاز الغير، كما نص على إنشاء مركز وطني للأدلة الرقمية لتوثيق وضبط الجرائم الإلكترونية.
وتنص المادة (452) من قانون العقوبات على معاقبة كل من هدد شخصًا بفضح أمر أو نسبة فعل إليه بقصد ابتزاز المال أو المنفعة، بالسجن أو الحبس، وهي مادة يمكن تطبيقها أيضًا على الجرائم المرتكبة عبر الإنترنت، مع مراعاة خصوصية الوسيلة المستخدمة.
رابعاً: دور المجتمع في مكافحة الابتزاز الإلكتروني:مكافحة هذه الجريمة لا يمكن أن تتحقق بالتجريم وحده، بل تحتاج إلى وعي مجتمعي شامل يقوم على:
١.تعزيز ثقافة الأمن الرقمي لدى فئات المجتمع، وخاصة الشباب.
٢.تشجيع الضحايا على الإبلاغ دون خوف أو خجل، وضمان سرية المعلومات.
٣.إشراك مؤسسات المجتمع المدني في حملات التوعية ونشر ثقافة الاستخدام الآمن للتقنيات الحديثة.
٤. دعم الإعلام المهني المسؤول في نشر الوعي بخطورة الابتزاز وأساليبه الحديثة.
خامساً: دور القانون في مواجهة الظاهرة: يُعد القانون الأداة الأهم في مواجهة هذه الجريمة من خلال:
1. تجريم صريح لجميع صور الابتزاز عبر الوسائط الإلكترونية.
2. تطوير إجراءات الإثبات الرقمي وتدريب كوادر فنية متخصصة في جمع الأدلة الإلكترونية.
3. تعزيز التعاون الدولي في ملاحقة المجرمين العابرين للحدود.
4. حماية الضحايا وضمان عدم تعرضهم للوصم أو الاستغلال أثناء مراحل التحقيق أو المحاكمة.
سادساً: دور المؤسسات الأكاديمية في الحد من جريمة الابتزاز الإلكتروني: قيام الجامعات والكليات، ولا سيما كليات الحقوق وعلوم الحاسوب والإعلام، نشر التوعية للحد من هذه الجريمة من خلال:
١.عقد ورش علمية وندوات توعوية لطلبة الجامعات حول الاستخدام الآمن للتكنولوجيا.
٢. إدراج موضوعات الجرائم الإلكترونية ضمن المناهج الدراسية القانونية.
٣.تشجيع البحوث الأكاديمية التي تتناول الجوانب القانونية والاجتماعية والنفسية للابتزاز الإلكتروني.
٤.التعاون مع الجهات القضائية والأمنية في إعداد دراسات ميدانية وتوصيات تشريعية واقعية. وقد تم الأشار مسبقاً في عدد من محاضراتي والورش العلمية إلى أهمية دور المؤسسات الأكاديمية في بناء وعي قانوني رقمي يسهم في حماية الأفراد من الوقوع ضحية للابتزاز.
الخاتمة:
إن جريمة الابتزاز الإلكتروني تمثل تحديًا حقيقيًا أمام المجتمع والدولة، وتستدعي تفعيل دور التشريع، والرقابة، والتوعية، والتعليم معًا.
فالتجريم القانوني وحده لا يكفي ما لم يُدعَم بثقافة ووعي وطني يُدرك خطورة هذه الجرائم على أمن المجتمع واستقراره.
ويبقى الالتزام الأخلاقي والمسؤولية الرقمية هما السلاح الأقوى في مواجهة هذه الجريمة، إلى جانب تطبيق القانون بحزم وعدالة.
المصادر :
1. قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 وتعديلاته.
2. قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية العراقي لسنة 2019.
3. د أحمد فارس ادريس. محاضرات في الجرائم الإلكترونية والابتزاز الرقمي. كلية الحقوق – جامعة الموصل، 2024.
4. الأمم المتحدة، مكتب مكافحة المخدرات والجريمة (UNODC). دليل مواجهة الجرائم الإلكترونية، 2022.
5. فلاح حسن الموسوي، الحماية الجنائية للبيانات الإلكترونية في القانون العراقي، مجلة كلية الحقوق، جامعة بغداد، 2023.

 

مشاركة الخبر

مشاركة الخبر