9 نوفمبر، 2025

مقالة قانونية

حق الانتخاب واجب وطني ومسؤولية مواطنية
مقالة توعوية
الدكتور أحمد فارس إدريس
جامعة الموصل – كلية الحقوق
ان حق الانتخاب أحد أبرز مظاهر ممارسة الحقوق السياسية في الدولة الديمقراطية، وهو الأساس الذي تُبنى عليه شرعية السلطات العامة ومؤسسات الحكم. غير أن هذا الحق لا يقف عند حدود كونه امتيازاً قانونياً للفرد، بل يتعدى ذلك ليصبح واجباً وطنياً ومسؤولية مواطنية تُسهم في ترسيخ مفهوم المشاركة السياسية وصون الإرادة الشعبية. تهدف هذه المقالة إلى بيان الطبيعة القانونية لحق الانتخاب في التشريعات الدولية والوطنية، وتوضيح أبعاده الوطنية والمجتمعية، مع الإشارة إلى دوره في تحقيق الاستقرار السياسي وبناء مجتمع ديمقراطي.يُعدّ الانتخاب من أهم صور ممارسة الحقوق السياسية التي تُجسّد مبدأ سيادة الشعب، إذ يعبّر المواطن من خلاله عن إرادته في اختيار ممثليه في مؤسسات الدولة. وقد أكدت المواثيق الدولية والدساتير الوطنية على أن الانتخاب هو الوسيلة الأساسية لمشاركة الشعب في إدارة الشؤون العامة.غير أن المشاركة في الانتخابات لا ينبغي أن تُفهم على أنها حق شخصي فقط، بل هي كذلك واجب وطني ومسؤولية أخلاقية يتحملها كل مواطن تجاه وطنه ومجتمعه، لأن عزوف الأفراد عن المشاركة يضعف العملية الديمقراطية ويؤثر سلبًا على الشرعية السياسية.
أولاً: الإطار القانوني لحق الانتخاب: أقرت المواثيق الدولية لحقوق الإنسان مبدأ المشاركة السياسية وحق الانتخاب، فقد نصّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 في المادة (21) على أن:
“إرادة الشعب هي مصدر سلطة الحكومة، ويُعبَّر عن هذه الإرادة بانتخابات نزيهة تُجرى دورياً بالاقتراع العام والمتكافئ.”
كما أكد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 في المادة (25) على حق كل مواطن في المشاركة في إدارة الشؤون العامة مباشرة أو عن طريق ممثلين يُختارون بحرية، وفي التصويت والترشيح في انتخابات نزيهة تُكفل فيها حرية الإرادة.
وفي الإطار الوطني، نصّ الدستور العراقي لعام 2005 في المادة (20) على أن:“للمواطنين، رجالاً ونساءً، حق المشاركة في الشؤون العامة والتمتع بالحقوق السياسية بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح.”كما جاء قانون الانتخابات رقم (9) لسنة 2020 ليؤكد هذه المبادئ، وينظم الإجراءات الكفيلة بضمان حرية الناخب ونزاهة العملية الانتخابية من خلال إشراف المفوضية العليا المستقلة للانتخابات.
ثانياً: الانتخاب واجب ومسؤولية:
إن ممارسة حق الانتخاب لا تُعدّ خيارًا شخصيًا فحسب، بل هي واجب وطني يعكس وعي المواطن بمسؤوليته تجاه الوطن. فالانتخابات تمثل وسيلة الشعب في مراقبة السلطة ومحاسبة ممثليه وتجديد شرعية الحكم.
إن المشاركة الواسعة في الانتخابات تُعدّ مقياسًا لمدى نضج الوعي السياسي في المجتمع، ودليلًا على الثقة بالنظام الدستوري. ومن ثم فإن عزوف المواطنين عن المشاركة يُعدّ إخلالًا بالواجب الوطني، ويؤدي إلى تمكين فئات محددة من السيطرة على القرار السياسي بعيدًا عن الإرادة الشعبية العامة.ويمكن القول إن الانتخاب مسؤولية مواطنية لأنها تترجم انتماء الفرد إلى وطنه واستعداده للإسهام في بناء مؤسساته الدستورية على أسس من النزاهة والكفاءة والمصلحة العامة.
ثالثاً: ضمانات حرية الانتخاب ونزاهته في التشريع العراقي:لتكريس مبدأ المشاركة الحرة، حرص المشرّع العراقي على وضع مجموعة من الضمانات القانونية، من أبرزها:
1. سرية الاقتراع: وهي الضمانة الأهم التي تكفل حرية اختيار الناخب دون تأثير أو تهديد.
2. إشراف المفوضية العليا المستقلة للانتخابات: لضمان استقلال العملية الانتخابية وحيادها.
3. الرقابة القضائية على النتائج والإجراءات لضمان النزاهة والمشروعية.
4. تجريم التلاعب والإكراه الانتخابي وفقاً لأحكام قانون العقوبات العراقي وقانون الانتخابات.
هذه الضمانات تؤكد أن الدولة مسؤولة عن حماية حق المواطن في الانتخاب، وصون إرادته من أي تأثير خارجي.
الخاتمة: يتضح مما سبق أن حق الانتخاب يمثل التقاءً بين الحق والواجب؛ فهو من جهة حق سياسي أصيل كفله الدستور والمواثيق الدولية، ومن جهة أخرى واجب وطني يعكس مدى التزام المواطن بمسؤوليته تجاه وطنه.إنّ المشاركة الواعية والمسؤولة في الانتخابات هي السبيل الأمثل لتحقيق التغيير والإصلاح، وبها تُبنى دولة المؤسسات والقانون التي تقوم على احترام الإرادة الشعبية.
ومن هنا، فإنّ كل صوت في صناديق الاقتراع هو خطوة في طريق ترسيخ الديمقراطية وتعزيز المواطنة الفاعلة.
المصادر :
1. الدستور العراقي لسنة 2005.
2. قانون الانتخابات رقم (9) لسنة 2020.
3. الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948.
4. العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966.
5. د. محمد يونس عبد الله، الحقوق السياسية في النظم الدستورية المعاصرة، دار الفكر الجامعي، القاهرة، 2019.
6. د. حيدر عبد الأمير، النظام الانتخابي في العراق: دراسة مقارنة، بغداد، 2021.
7. د. محمود شريف بسيوني، حقوق الإنسان في القانون الدولي المعاصر، دار النهضة العربية، القاهرة، 2008.
8. المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، التقرير السنوي حول العملية الانتخابية في العراق، بغداد، 2023.

 

 

مشاركة الخبر

مشاركة الخبر