7 أكتوبر، 2018

كلية طِبِ الموصل.. ينبوعُ المعرفةِ في الموصلِ المحروسة

نَشَرَ الأستاذ المساعد الدكتور زيد سعد الدين خضر (التدريسي في فرع الجراحة) مقالاً في مجلة الرباط بعددها 62 والصادرة في ذي الحجة 1439 هـ. وجاء المقال الموسوم: "كلية طِبِ الموصل.. ينبوعُ المعرفةِ في الموصلِ المحروسة" الذي صاغه يراع الدكتور حاملاً إبداعاً ادبياً، وحاكياً عن عشقٍ أزليٍّ لطلاب وخريجي كلية الطب جامعة الموصل تجاه كليتهم. وفي هذا الصدد، يسر موقع كلية الطب جامعة الموصل نشر المقال المشار إليه.. وفي ما يلي نص المقال:إنها حكمةُ الله تعالى أَنْ جَعَلَ في الأرضِ ينابيع وعيوناً يرتوي منها الناس على اختلاف أجناسهم وأعراقهم، دون أنْ يُطالَب أحدُهم بإبراز هويته، أو الإفصاح عن مذهبه أو انتمائه. كذلك هي ينابيع المعرفة النقية في أرضنا هذه، ولعل أبرَزَها في مدينتنا الخالدة كليتنا العريقة ((كلية الطب جامعة الموصل)).لايمتلكُ أيُّ واحدٍ مِنْ أبنائكِ أيتُها الأُمُّ العريقةُ سِوى أن يقفَ لكِ تعظيماً، وينحني لقامتكِ الخالدة حيثما ذُكِرْتِ. أراكِ في عيني كالأرض؛ لا تُخْرِجينَ للناس سِوى المليح، ولو تلقيتِ القبيح! أكثرَ من خمسينَ عاماً مَضَتْ، كنتِ فيها قِبلةً للنخبةِ من ذوي العقول، وأُمنيةً لمعظم طلاب العلم. بطاقةُ دخولِكِ مرهونة بالحصولِ على أعلى المعدلات في الدراسة العلمية الإعدادية. وبهذا أراكِ تُرسلين لمُريديكِ أُولى الدروس. إنَّكم ترومون القِمم العالية، فَشَمروا عنْ سَواعِدِكُمْ، وأَطْلِقوا لِجامَ عقولكم كي تبلغوا غايتَكم. وما أنْ يُؤذَنَ لكَ بالدخولِ، حتى تقفَ أمامَ عدد من القامات والقِمم الشاهقة الذين نذروا أنفسهم وأوقاتهم لخدمة العلم، والتخفيف من آلام الناس. فيراهم ذو البصيرة من خيار الناس؛ كما جاء في الأثر: "خيرُ الناسِ أنفعهم للناس".نادراً ما تلتقي بطبيب وهو يتذكر ساعاتِه الأولى في الكلية إلا ويشعر بالزهو الممزوج بفرحة غامرة. كيف تم استقباله مع زملائه، وكيف تعرَّفَ على أفرعها وشعبها المختلفة عن طريق لجنةٍ من طلبة مراحل مختلفة تَكَلّفت واجب التعريف بالكلية من خلال جولة يطوفون بها أَرْوِقة هذا الصرح العلمي. يذكرُ حديثَ نَفْسِه حول درس التشريح، وكيف تعلَّمَ من الفسلجة الطبية والأنسجة والأدوية والأمراض وطِب المجتمع والأشعة.. وغيرها. بداية التدريب في المستشفيات بإشراف أساتذة في الجراحة والباطنية والأطفال والنسائية له بصمة لا تُنْسى بذاكرة الأطباء. قد يذكر الطالب أسماءَ بعض المرضى، إضافةً لتفاصيل حالاتهم الصحية، وما هي أُولى العمليات التي حضرها في صالة العمليات ومن كان الجَرَّاحُ المسؤول؛ وغيرها من الحوادث التي رَسَمَتْ صوراً خالدةً في ذاكرة طلاب الطب.تمضي أيامٌ تُلْوَ أيام، وأعوامٌ تلو أعوام، ولا ينضبُ هذا المعين الدافق؛ بلْ تراه كلّما أُخِذَ منه يزدادُ تدفقا، لِيَصِلَ ماؤُه العذب إلى داخل كل منزل ليرتوي به طفلٌ صغيرٌ أو شيخ كبير بلسماً شافياً لا يغادر سقماً إلا وشفاه بإذن البارئ.كما أن النفيس من الجواهر والأحجار الكريمة تُحفظُ في أرقى وأثمن المُغلَّفات، فإنَّ هذه الدرّةَ العلمية النفيسة يليقُ بها أنْ ترتقيَ أجمل البنايات في أحلى الأماكن، ولا تُترَك عُرْضَةً للإمتهان. تَبْقَيْنَ أَيَّتُها الأُمُّ الغالية علامةً لامعةً تَصِلُ الماضي الجميل بمستقبلِ الأمل والتفاؤل، وَتَرْفدينهُ بينابيع العلمِ والمعرفة مِنْ خَزينكِ الثَّرِيّ.

مشاركة الخبر

مشاركة الخبر