25 مارس، 2013

أهل الموصل في التكملة لوفيات النقلة للمنذري

يعد كتاب (التكملة لوفيات النقلة) لزكي الدين أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي المنذري (ت656هـ/1258م) والذي ذيل به على كتاب وفيات النقلة للشيخ أبي الحسن علي بن المفضل المقدسي (ت611هـ/1214م) من كتب التراجم المهمة والبارزة، إذ ضم أعداداً مهمة من التراجم الموصلية، من الملوك والأمراء والمحدثين والقضاة والمقرئين وغيرهم، وقد اتسمت معلوماته بشيء من الاقتضاب وأغلبها من المحدثين، وهذا ما يدل عليه اسم الكتاب (التكملة لوفيات النقلة) أي نقلة الحديث، فضلاً عن أن مؤلفه كان يعد أحد الشيوخ الرئيسيين في هذا المجال. ولد المنذري بفسطاط مصر سنة إحدى وثمانين وخمسمائة، وهو شامي الأصل، وتوفي سنة ست وخمسين وستمائة بمصر، قرأ القرآن وأتقن الفقه والعربية وتأدب على يد العديد من الشيوخ والفقهاء، كما أنه سمع الحديث بمكة ودمشق والإسكندرية وحران وغيرها، وكذلك روى الحديث، وقد تميز المنذري في مجال الحديث3، إذ ولي مشيخة دار الحديث الكاملية التي أنشأها الملك الكامل بن الملك العادل في سنة اثنتين وعشرين وستمائة، وبقي بها نحو من عشرين سنة وقال عنه الذهبي ((ولم يكن في زمانه أحفظ منه)) وقال عنه أيضاً ((…كان عديم النظير في معرفة علم الحديث على اختلاف فنونه عالماً بصحيحة، وسقيمة، ومعلومة وطرفه، متبحراً في معرفة أحكامه ومعانيه ومشكله…)). ويمكن القول أن رحلات المنذري إلى أكثر من مدينة أو بلد من أجل سماع الحديث أو روايته، قد أتاحت له الفرصة للتعرف على العديد من الشخصيات التي ترجم لها، فكانت تراجمه لشخصيات من مدن مختلفة مثل الشام ومصر والعراق وغيرها من البلدان ويمكن أن نلتمس ذلك من خلال التراجم، اهتمامه بالمسائل الآتية، علماً بأن منهجة في إيراد التراجم الموصلية لا يختلف عن منهجهُ الذي إتبعة في بقية التراجم الأخرى.وقد كانت التراجم الموصلية التي أوردها المنذري في كتابه التكملة لوفيات النقلة بحدود (79) ترجمةالتأكيد على الولادة والوفيات حسب شهورها وأيامها أحياناً: ذكر المنذري في تراجمه سنة الولادة أحياناً والوفاة في معظم الأحيان، فعندما يترجم لشخصية معينة يكون دقيقاً في ذكر السنة والشهر واليوم لولادة تلك الشخصية لا سيما أن كانت لديه معلومات عن تلك الشخصية، وفي بعض الأحيان يذكر السنة والشهر دون أن يذكر اليوم، كما أنه قد يورد سنة الولادة فقط إن لم يكن لدية معلومات عن الشهر واليوم.أما بالنسبة لسنوات الوفيات فقد كان منهج المنذري يعتمد عليها بالدرجة الأساس، فكان يترجم للشخصيات بحسب التعامل الزمني لسنوات وفياتهم مثلاً 583 ومن توفي فيها وسنة 584 ومن توفي فيها ويستمر التسلسل الزمني للمنذري في ذكر سنوات الوفيات على هذا النحو إلى نهاية الكتاب. كما حرص المنذري على ضبط نسب المترجم وألقابهُ من الاسم والكنية واللقب وكان ذلك في أغلب التراجم التي أوردها.كما اتسمت التراجم التي أوردها المنذري بالتنوع المهني فعلى الرغم من أن أغلب التراجم الموصلية كانت من الفقهاء والمحدثين، إلا أن العديد منهم كانت لهم مهن أخرى.فبعضهم كان يشغل منصب قاضٍ أو قاضي قضاة.ومنهم من كان عالماً موسوعياً.كذلك كان من التراجم الموصلية العديد من الملوك والأمراء والمقرئين والنحويين والخطباء والأدباء والوزراء والأطباء وغيرهم، فضلاً عن أصحاب المهن والحرف، كذلك تميز المنذري في التراجم الموصلية التي أوردها بذكر مزايا أو صفات الشخصية التي يترجم لها لا سيما وأن العديد من الشخصيات التي ترجم لها كانوا على معرفة شخصية به، إذ أن أغلبهم كانوا من رواة الحديث، فضلاً عن أن المنذري كان يحتل مكانة مرموقة في هذا المجال.وقد أجاز المنذري طائفة كبيرة من العلماء والمحدثين من مختلف البلاد الإسلامية وقد ذكر المنذري من خلال التراجم الموصلية التي أوردها الشيوخ الذين منحوه إجازة في الحديث والذين كانوا متواجدين في عدد من المدن العربية الإسلامية مثل (الموصل، حلب، الشام، مصر، وغيرها) . كما أشار المنذري إلى العديد من البيوتات الموصلية مثل عائلة الشهر زوري، والدولعي وابن اللباد، وابن مهاجر، وأبناء الأثير وغيرهم: وقد تميز العديد من أفراد هذه العوائل أما برواية الحديث أو تأسيس مدارس أو الاستشهاد بنوع معين من العلوم.وتميز المنذري أيضاً في التراجم الموصلية التي أوردها بالإشارة إلى عدد من المدن أو القرى في الموصل أو المناطق التابعة لها والتعرف بها، مثل مدينة بلد أو بلط وقلعة الشوش وتربة الدولعية وغيرها. ومما تجدر الإشارة إليه أن المنذري لا يكتفي في بعض الأحيان بالتعريف بالموقع الجغرافي وإنما يتحرى الدقة في لفظ اسم المكان بالحركات أيضاً، ومن الملاحظ على المواقع الجغرافية التي ذكرها المنذري دقته في تحديد اسم الموقع الجغرافي أو المكان لا سيما إذا كان اسم هذا الموقع مشابها لاسم موقع جغرافي آخر في مكان آخر حتى لا يقع التباس أو خلط بين المكانين. فضلاً عن ذلك فقد ذكر المنذري بعض الأماكن التي قلما يرد ذكرها في المصادر مثل قرية (قبيصة) وقد تبين أن أغلب تراجم الموصل التي ذكرها المنذري كانت حوالي (65) ترجمة من الموصل نفسها وأن حوالي (14) أربعة عشرة ترجمة كانت من المدن أو القرى التابعة للموصل.ومن الأمور المهمة الأخرى التي أشار إليها المنذري بعضاً من خطط الموصل مثل (الجوامع، المدارس، المقابر) ومن ذلك على سبيل المثال الجامع العتيق، ودار الحديث المظفرية، ودار الحديث المهاجرية، وقلعة الموصل، ومقبرة المعافى بن عمران، وأخيراً فإن المنذري تابع الترجمة من الولادة إلى الوفاة، وقد أشرنا فيما سبق إلى أن تراجم الشخصيات التي ذكرها المنذري اتسمت بشيء من الاقتضاب، ولكنهُ في ذات الوقت كان حريصاً على متابعة تحركات الشخصيات التي ترجم لها، لاسيما وأن المنذري كان على معرفة أو صلة بهذه الشخصيات سواءً نشأتهم، عوائلهم، تنقلاتهم في المدن والبلدان المختلفة أم علاقاتهم…الخ.

مشاركة الخبر