23 ديسمبر، 2012
ابن العبري وكتابه (تاريخ الزمان)
هو أبو الفرج جمال الدين غريغوريوس بن هرون بن توما الملطي، المعروف بابن العبري، ولد سنة (623هـ/ 1226م) في مدينة ملطية، ونشأ فيها وقد حرص والده على تعليمه ودفعه لتلقي الآداب والعلوم، فَدَرَسَ العديد من اللغات، وكان ملماً بالسريانية والعربية والارمنية، فضلاً عن الفارسية، وبعد ذلك درس الفلسفة وعلم اللاهوت وتعلم الطب على أبيه وآخرين. وعلى اثر سقوط ملطية بيد المغول عام (641هـ/ 1243م) رحل مع أسرته إلى أنطاكية وكانت في حوزة الإفرنج ثم تنقل بين البلدان، وسافر إلى طرابلس الشام وأكمل قراءة الطب ومارسه وعالج المرضى ثم انقطع في بعض الأديرة ونصب أسقفا على جوباسوهو في العشرين من عمره وذلك في سنة (644هـ/ 1246م). وسمي المطران غريغوريوس الثاني. ثم رفع إلى درجة رئيس أساقفة حلب للكنيسة السريانية، بعدها انتقل إلى دير برصوما بالقرب من ملطية ثم قصد دمشق والتقى بالملك الناصر صلاح الدين يوسف (ت659هـ/1261م). وارتقى إلى رتبة جاثليق على كرسي المشرق سنة(663هـ/ 1264م) توفي ابن العبري في مراغة سنة (685هـ/ 1286م) ونقلت جثته إلى الموصل ودفن في دير مار متي. وقد ترك ابن العبري العديد من المؤلفات في شتى ميادين المعرفة في الطب والفلسفة واللاهوت والرياضيات والتاريخ وغيرها. اهتم ابن العبري بالتاريخ وكان له مؤلفات في هذا المجال ومن أشهرها كتاباه : تاريخ مختصر الدول بالعربية، وتاريخ الأزمنة او تاريخ الزمان بالسريانية ويعرف بالتاريخ المطول نسبة إلى تاريخ مختصر الدول، فضلا عن كتب أخرى في التاريخ مثل كتاب التاريخ الكنسي بمجلدين بالسريانية ورسالة في أخبار العرب وأصلهم وعوائدهم بالعربية. وما يهمنا هنا كتابه تاريخ الزمان أو تاريخ الأزمنة، الذي اتبع فيه المؤلف التاريخ الحولي، وضم إحدى عشر حقبة، وكسائر الحوليات بدأ بالكتاب من أدم مروراً بالملوك العبرانيين، ودولة الملوك الكلدانيين، فدولة الملوك الماديين، وملوك الفرس، ودولة ملوك اليونان الوثنيين، فدولة الرومان، ودولة اليونان، ثم دولة العرب المسلمين وأخيرا دولة الهونيينومن الجدير بالذكر، أن كتاب تاريخ الزمان لم يترجم كاملا من السريانية إلى العربية، بل ترجم منه إلى العربية الحقبتان العاشرة أي (ملوك العرب) والحادية عشر أي (ملوك الهونيين) وقام بترجمة ذلك الأب اسحق أرملة الذي بيّن سبب ترجمة هاتين الحقبتين من الكتاب حسب فقال : (…. إن القسم المنقول إلى العربية من تاريخ ابن العبري لا يتضمن بداية الكتاب، أي التاريخ القديم منذ ادم حتى تاريخ العبرانيين والكلدانيين والماديين والفرس واليونان الوثنيين والأباطرة الرومان وتاريخ إمبراطورية اليونان (البيزنطيين) الثانية، وهذا الجزء من التاريخ يكرر المعارف التاريخية المتوافرة في زمن الكاتب، وهي معارف كانت أيضا في حوزة المؤلفين العرب وقد تجاوزها زمننا بصورة واضحة وبالنظر إلى ترجمات لمؤلفات قديمة عثر الآن عليها. وبسبب الاكتشافات الأثرية. وحذفنا أيضا من القسم المترجم الذي نشر سابقا في (المشرق) كل ما يختص بصدر الإسلام والخلفاء الأمويين، لتخفيض عدد صفحات الكتاب…).تبدأ الحقبة العاشرة من تاريخ دولة بني العباس وتحديدا ابتداءاً من زمن حكم الخليفة العباسي أبو العباس السفاح ثم الخلفاء العباسيون من بعده وحسب التسلسل الزمني لسنوات حكمهم، وانتهاءا بسقوط الخلافة العباسية في بغداد، واستخدام المؤلف في كتابه التاريخ او التقويم العربي الهجري واليوناني. ومن خلال حديث ابن العبري عن الخلفاء العباسيين أشار إلى بدء الدولة السلجوقية في بلاد فارس. كما أشار إلى بداية الحروب الصليبية وأسبابها فضلا عن الإشارة إلى عدد من الحوادث التاريخية المتعلقة بالمغول وسقوط بغداد على أيديهم. أما الحقبة الحادية عشرة، فقد خصصها ابن العبري للحديث عن الحقبة التي أعقبت انتقال الحكم من ملوك العرب إلى ملوك التتر، ابتداءاً من هولاكو ومن ثم أولاده وأحفاده الذين تولوا الحكم من بعده، ليصل بالحوادث إلى سنة (683هـ/ 1284م).ومما يذكر أن ابن العبري، ومن خلال الأحداث التاريخية التي ذكرها حسب السنوات، أشار إلى وفيات العديد من الأعلام ممن كانت وفياتهم في السنة التي يتحدث عنها. وكذلك ذكر الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأوبئة والكوارث الطبيعية فضلا عن إيراده لبعض الروايات الأسطورية أو الخيالية، وكذلك نلاحظ أن ابن العبري في كتابه تاريخ الزمان يسلط الضوء بين آونة وأخرى على مدينة ملطية مسقط رأسه وما تعرضت له من ألوان الاحتلال وما عاناه أهلها جراء ذلك فضلا عن مدينة أنطاكية. كذلك اهتم ابن العبري بأمور الطائفة المسيحية لكونه واحدا من أبنائها. وذكر ما تعرضوا له من القتل في تلك الحقب التاريخية.وقد اعتمد ابن العبري في كتابه تاريخ الزمان على مجموعة من المؤرخين الذين نقل عنهم جل أخباره، وبين هؤلاء المؤرخين من كتب باليونانية والسريانية والعربية والفارسية. واعتمد ابن العبري على مصادر أهمها : تاريخ ميخائيل السرياني وهو من مؤرخي السريان المشهورين ونال شهرة واسعة جاءت من تاريخه الذي ألفه، وهو تاريخ شامل حشد فيه معلومات غزيرة عن الكثير من العلوم والفنون والآداب إلى جانب الأحداث التاريخية، ومما يزيد من أهمية هذا التاريخ هو أن مؤلفه استعان بتواريخ ومصنفات كثيرة سابقة نقلها مجزأة أو كاملة ضاع معظمها. أو بقي منه نتف لا تفي بالغرض وتنتهي أحداث هذا التاريخ قبيل وفاة المؤرخ حوالي عام (592هـ/ 1195م) والمصدر المهم الذي اعتمده ابن العبري هو كتاب الكامل في التاريخ، وكتاب التاريخ الباهر في الدولة الاتابكية لابن الأثير الجزري (ت: 630هـ/ 1232م). لاسيما ما يتعلق بمدينة الموصل كذلك اعتمد ابن العبري على مصادر فارسية لاسيما وانه كان ملما باللغة الفارسية فقال :(… وقد طالعت أنا الحقير كتابا فارسيا عنوانه ملك نامة…) وقال أيضا : (… هكذا رأينا هذا الخبر في نسختين احدهما عربية والثانية فارسية…).ولم يقتصر ابن العبري في كتابه تاريخ الزمان في الحديث عن الخلفاء العباسيين والسلاطين السلاجقة، وإنما أشار أيضا إلى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ومن ذلك مثلا، ما أورده ابن العبري عن الوضع الاقتصادي في مدينة بغداد عند دخول السلاجقة وقال: (… هكذا احتل الغز جميع البلاد وعاثوا فيه وأبطلوا الحراثة حتى بيع ثور الفدان بعشرين درهماً والجحش بعشرة دراهم ثم أنشاؤا سكة دراهم ودنانير باسم سلطانهم…). ومن الأمثلة على الجانب الاجتماعي ما ذكره ابن العبري عن علاقة المصاهرة التي ربطت الخليفة العباسي بالسلطان السلجوقي، وعن ذلك قال :(… فطابت نفس الخليفة وأحب ان يصاهر الغز فزفت اليه خاتون السلجوقية ابنة جغري بك اخي السلطان طغرل بك وشاد لها عمها قصرا بجانب بلاط الخليفة وبعث الخليفة بعرش مذهب مرصع بالأحجار الكريمة ركز هناك واستوى عليه السلطان وراح الأقطاب يتوافدون إلى زيارته).اما فيما يتعلق بالجانب العسكري لدى السلاجقة، فقد سلط ابن العبري الضوء على جانب من تنظيماتهم العسكرية في عهد السلطان طغرل بك. كما أشار إلى زحف السلاجقة إلى العديد من المدن والبلدان واحتلالها سواء في بلاد ما وراء النهر واسيا الصغرى وغيرها. ومن ثم دخول السلاجقة مدن الحلة وبغداد وتكريت والموصل وملطية فضلا عن مدن وبلدان أخرى. وقد ذكر ابن العبري أعمال القتل والنهب والسلب التي كان يقوم بها السلاجقة عند دخولهم إلى هذه المدن والبلدان. كما أشار إلى سيطرة السلاجقة على العديد من مدن الجزيرة الفراتية. أما فيما يتعلق بسلاجقة الموصل فقد سلط ابن العبري الضوء على تاريخ السلاجقة في الموصل منذ ان كانت تحت حكم الدولة العقيلية ومن ثم سيطرة السلاجقة عليها، وتعاقب العديد من الولاة السلاجقة عليها مثل جاولي وجكرميش والأمير مودود، ومن ثم تولية الأمير البرسقي وخلفه ابنه عز الدين مسعود ومن ثم تولية عماد الدين زنكي. ومن خلال حديث ابن العبري عن الولاة السلاجقة أشار إلى العديد من الحوادث السياسية والعسكرية والاجتماعية والاقتصادية في الموصل في تلك الحقبة التاريخية.