27 يناير، 2013
الحياة الاجتماعية للمتقاعد الموصلي
بات التقاعد ظاهرة عامة معروفة في كل دول العالم وقد بدأ بالانتشار بعد الثورة الصناعية التي نقلت العامل إلى العمل الجماعي المنظم فظهرت بالتالي القوانين والتشريعات التي حددت مدة الخدمة وسن التقاعد واستحقاقاته، وأمسى سن التقاعد لا يتجاوز (70) سنة وحسب قوانين الدول وبأجور تسمح للمتقاعد بالعيش الكريم في مجتمعه. إلا أننا في العراق نجد أيضاً من المتقاعدين مَن هم من فئة الشباب كالعسكريين الذين أُحيلوا على التقاعد بسبب الظروف السياسية التي مر بها قطرنا وقد نجد من المتقاعدات من لا يتجاوز خدمتها (15) سنة حسب تسهيلات التقاعد التي أعطيت للنساء اللواتي يمتلكن خدمة لا تقل عن (15) سنة ولديها (3) أطفال، كما نجد المتقاعدين للأسباب الصحية اللذين أعاقهم المرض عن إكمال خدمتهم الوظيفية حتى بلوغهم سن التقاعد وكلهم يعانون من انخفاض رواتبهم التقاعدية. لقد حظي المتقاعدون في العالم باهتمامات عدة عبر الزمان ففي مجال الرعاية الاقتصادية فقد تولت القيام بها الجمعيات الخيرية والأشخاص الميسورين أولاً وهي من عمليات البر والإحسان التي تقدم لكبار السن إلا أن التغيرات السياسية التي طرأت على العالم ألزمت الدولة القيام بهذه المهام فقامت بالتأمين الاجتماعي لكبار السن وقررت الرواتب التقاعدية ليعينهم على نوائب الدهر، كما أعدت برامج متنوعة للمتقاعد في مختلف دول العالم لإفادته والإفادة منه منها هيئة الخبراء المسنين في ألمانيا وجامعة المتقاعدين في اليابان وبرنامج المرافق الكبير الأمريكي والجمعية العامة للمسنين في مصر وجمعية المتقاعدين في السعودية وغيرها. وقد يكون للمتقاعد أثراً سيئاً على حياة المتقاعد وذلك ينطوي عليه من تغيير في الدور أو المكانة، إلا أن تصور الفرد لذاته لا يتغير بنفس السرعة وبالتالي فإن الإعفاء من العمل وما فيه من أدوار ومكانة قد تنشأ عنه بعض المشكلات النفسية كما يتوقف نجاح المتقاعد في التوافق مع واقعه على وجود اهتمامات خاصةً وعامةً به والشعور بوجود هدف ومعنى للحياة أم لا فالبعض منهم يتمتع بصحة جيدة ويرغب ويبحث عن عمل آخر أو يستمر في عمله إذا سمحت نظم العمل بذلك وإذا نظرنا إلى طبيعة حياة المتقاعدين في مدينة الموصل وهي طبيعة مشابهة لوضع المتقاعدين في باقي المدن العراقية نجد أن المتقاعد في مدينة الموصل سواء أكان ذكراً أم أنثى يتمتع بالاحترام والتقدير ويشعر بمكانته ودوره الاجتماعي وبخاصة في أسرهم التي هي في حاجة إليهم استطاع المتقاعدون التكيف مع وضع التقاعد الجديد وقد اتجه معظمهم إلى إشغال أوقاتهم بممارسة الأعمال داخل أو خارج المنزل إلا أن المعاناة التي يعانيها أغلب المتقاعدين هي قلة الراتب التقاعدي وما يصاحبه من معاناة اقتصادية. ففي دراسة قامت بها كاتبة هذا المقال عن طبيعة الحياة الاجتماعية للمتقاعدين في مدينة الموصل وعند المقارنة بين فترة ما قبل التقاعد بما يعده وجدت أن هناك أموراً قد تغيرت في حياة المتقاعد وأموراً أخرى بقت على حالها فمن الأمور التي اختلفت لديه باتجاه زيادة الاهتمام هي أولاً الاهتمام بأداء الالتزامات الدينية حيث الوقت الوفير ووجود أشخاص في المنزل يعينون المتقاعد في أداء أعمال الأسرة فزادت الصلاة وقراءة القرآن وقيام الليل والتسبيح…..الخ تبعها الاهتمام بأفراد الأسرة حيث زادت المتابعة ومراقبة تصرفات أفراد الأسرة وزاد الاهتمام بالأحفاد ورعايتهم وتدريسهم وقضاء حاجات الأسرة، في مقابل ذلك اختلفت أمور أخرى في حياة المتقاعدين باتجاه النقصان فقد قل لديهم ادخار المال حيث أن رواتبهم التقاعدية الجديدة قد تكفي أو لا تكفي لسد متطلبات معيشتهم كما قل لديهم الاهتمام بالمظهر الخارجي فالابتعاد عن جو العمل الرسمي وعن الناس ساعد على إهمال الاهتمام بالقيافة والملبس والمودة واقتصر على الملابس المريحة وعن الأماكن التي يفضل المتقاعد الموصلي قضاء وقته فيها فقد كان المنزل المكان الأفضل له ولكل من المتقاعدين الذكور والإناث على حد سواء إذ الراحة والاسترخاء وقضاء الحاجات تبعها الزيارات الأسرية للأقارب والمعارف في حين كان التردد على صالات الانترنيت والمكتبات تردداً ضعيفاً وقد يعود ذلك لعدم معرفة هؤلاء بكيفية استخدام الانترنيت أو عدم معرفتهم بكيفية استعارة الكتب أو قراءتها أو بُعد المكتبات عنهم. وعن كيفية قضاء المتقاعد وقت فراغه في المنزل فقد كان القيام بالأعمال المنزلية هو الجواب الموحد للذكور والإناث فالذكور يقومون بتجهيز لوازم البيت والإصلاح الضرر فيه وسد النقص فيه والإناث يقمن بأعمال الطبخ والتنظيف والخياطة وما إلى ذلك من أعمال منزلية وكانت متابعة التلفاز الإجابة الثانية بالنسبة لهم. وكان هناك من المتقاعدين في مدينة الموصل من يمارسون أعمالاً خارج منازلهم سواء الذكور أم الإناث وبنسبة 58% من عينة الدراسة وكان الحصول على الدخل الإضافي السبب الأول في ذلك وعدم الرغبة في البقاء في المنزل السبب الثاني وتوفر القدرة على العمل السبب الثالث.من هذا نجد أن من الضروري النظر في مسألة رفع السن التقاعدي في العراق وتحسين الرواتب التقاعدية المعمول بها الآن والاهتمام باعتماد برامج ومشاريع للمتقاعدين للإفادة من خبراتهم ولمساعدتهم على قضاء أوقاتهم بشكل أكثر إفادة وجدية.