12 فبراير، 2014
الملفوظ النسوي في موروثنا الشعبي
نعلم بأن للنساء أنواعًا مخصوصة من المأثورات الشعبية الأدبية، يرجع معظمها إلى العادة الحرفية للنساء أو إلى السياق الاجتماعي الخاص الذي يعشن فيه، وهنا نتذكر الأغاني الشعبية التي تؤديها النساء أثناء العمل على الرحى، أو "خض اللبن"، أو في مراحل صناعة الخبز، أو أغاني المهد (تهنين الأطفال)، أو أغاني الأفراح، أو العديد (المراثي الشعبية)، وهو النوع الأدبي الشعبي الذي لا يُروى إلا على لسان النساء، وأنه لم يقم الدليل على أن المجتمع قد عرف بكائيات تنسب إلى الرجال أو أغاني الحج والزيارة…الخ(1). كما درج الباحثون الميدانيون على التعامل مع النساء بوصفهن ينابيع غنية للحكايات الشعبية والأمثال… وغير ذلك من المأثورات التي عُهِدَ للنساء أداؤها، تبعًا لعاداتها الحرفية ولأدوارها العائلية. وقد آن الأوان لكي نتجاسر على طرح الأسئلة التي لا تعد أسئلة تُطرح، لنكتشف التجارب الخاصة لمجموعات النساء المهمشات، والمنبوذات، والفقيرات، والفلاحات، والراويات، والحكَّاءات، لتبين ما في مأثوراتهن، ومعارفهن، ومقولاتهن، من رؤى أخرى للعالم، وطرائق تصدّ جديدة للضغوط التي تمارس عليهنّ يتعين علينا إذن مفارقة تقاليد الخطاب الذكوري المهيمن، لنجد أنفسنا في ذلك المجال النسوي الذي احتقره أو همشه أو قوضه هذا الخطاب؛ لنكتشف ما يكتنز به من معارف مطموسة، خبيئة. لنصغي إلى صوت الحكمة يتصاعد من المعارف والفنون الشعبية التي أبدعتها النساء. نماذج من المأثور الشعبي الموصلي:أغاني المهد وهدهدة وترقيص الأطفال:تعد الأم هي المغنية الأولى في حياة الطفل والمؤدية الخاصة التي تهدهده وتراعيه، وهي رصيده وأمله وقيمه ولغته وموسيقاه، وتعرف وتؤدى أغنيات المهد وتهنين الأطفال كمأثور شعبي في كل مكان في العالم، وعادة ماتكون الأمهات أو الجدات أو الأخوات هن المؤدي الأول والأخير لهذه النوعية من الأغنيات الانفرادية بطبيعتها ووظيفتها، وقد تميزت مدينة الموصل بتقاليد وعادات شعبية ومراسيم خاصة للولادة ومنها هذه الأغاني التي تؤديها الأم لوليدها، وتنقسم هذه الأغنيات الى نوعين هما: أولا- أغاني المهد والهدهدة.يعد الطفل الوليد هو المستمع والمتلقي الوحيد لها، ومع الأداء الإلقائي والغنائي تقوم المؤدية بهدهدة وهز الطفل بين يديها في رقة وخفة لينام أو يكف عن البكاء، وتعتمد هذه النوعية من الأغنيات المأثورة عادة على نص قصير متكرر، يؤدى بإيقاع هادئ حالم خفيف يواكب سرعة اهتزاز الطفل وهدهدته في مهده أو بين يدي أمه، ومن هذه الأغنيات التي تتغنى بها الأم مايذكره الباحث الموصلي عبد الجبار جرجيس(2) تنام نوم العوافي بالأمهود حشوة مخدي إبطيات الابنود نوم الكطى وغفي الحمام نوم الغزال الجـاي تعبـان دللوي دللوي ياابني الولد عدوك عليل وساكن الجول ريت اليوجعك إيكون بيّ دللوي عيني يالولد دللويثانيا- أغاني ترقيص وملاعبة الطفل.تؤدى هذه الأغنيات للطفل المتيقظ، ويراد بها تنشيطه ومداعبته وملاعبته، على إيقاع حركة الاهتزاز الراقص النشط المنتظم، ويغلب على هذه الأغاني الدعاء للطفل بالأمنيات وأن يبعد عنه شر الحاسدين، وقد جمع لنا المؤرخ الموصلي سعيد الديوه جي مجموعة من أشعار الترقيص وما يغنى للأطفال في الموصل، وهي من موروثنا الشعبي الموصلي ومنها:(3) حصنتوك بالله من عيني وعين خلق الله حصنتوك بالباري من عيني وعين عيالي حصنتوك بعرق الثوم من عيني وعين كل محروم حصنتوك بالنعناع من عيني وعين الصناعأغاني الأعراس والمناسبات السعيدة:تشكل أغاني الزواج والأفراح تراثاً فنياً وكنزاً ثرياً من الأغنيات التي تتعدد أشكالها وألوانها وطقوسها، ومن المؤكد أن المرأة أيضا هي المبدع والمؤلف الأصلي للنص، أو هي التي تولت التعديل والتبديل أو التهجين بين الأغاني، وتقوم بالدور الأساس في الأداء. وهذه الأغاني في موروثنا الموصلي تتتبع هذه المناسبة من الخطوبة وحتى الزفاف والأيام التي تليها:· أغاني حمّام العروس: وهي الأغاني التي ترددها النساء أثناء استعداد العروس للزفاف، ومنها:(4) دك جادرها وخيّم بيها دك جادرها وفرّع بيها هذا منو مخيّم بيها هذا أخوها مخيّم بيها والبغداد يمشي بيها وللموصل فلّن منّه· أغاني الزفاف: يؤدي هذه الأغنية مجموعة من النساء، وهن مجتمعات حول العروس ويغمرهن الفرح والسرور ويرددن:(5)والتتلبسوا مالا والتشلحوا مالا وابوها تاجر حلب جيّاب الحمالا واش كن جلبنالا المنتشي جبنالا غيتو طيّب أبوها كل الذهب مالاالمراثي والبكائيات(العديد)تعد المرأة هي دائماً المؤدي الأول للبكائيات والمبدع والحافظ الوحيد لهذا التراث المأثور، لأنها حين تبكي إنما تبكي نفسها وحظها أولاً والميت في المرتبة الثانية، لذا تُعد نصوص المراثي أو العديد من أكثر فنون الأدب الشعبي النسائي تعبيراً وتأثيراً وغزارة، اعتماداً في صياغة معينة وأسلوب أدائه وفنيته على الفطرة والذكاء الجمعي الشعبي. ومن مراثينا الشعبية الموصلية:(6) حربي على شكر الشوارب حربي لروح للصبًاغ واصبغ سنيمن طلعتم كطعت آني ضني وحربي على شكر الشوارب حربي طلعت آني وشفت لمتهم كلهم خواجي ويامحلا كعدتهموبرآس العوجه شفت آني لمتهم أهل اليشامغ حمر يامحلا لمتهمأغاني ذات أهداف اجتماعية وتربوية:وهي أغنيات تمتلئ بمعاني النصح والإرشاد والتوجيه الذكي المستتر للزوجة، تحثها أمها على ضرورة الحفاظ على علاقتها الطيبة بزوجها وحماتها وأهل زوجها، وإن كانت هذه المعاني تُعالِج بشيء من الفكاهة وبشكل تهكمي عكسي تارة، وبشكل مباشر تارة أخرى، ومنها:(7) عزّي بنات الحما وعزّي حموكِ ولاتنقلين الأخبار البيت ابوكِعزّي بنات الحما وعزّي الإنجاني ولاتنقلين الأخبار لأمك الشيطانيعزّي بنات الحما وعزّي العقوقة ولاتنقلين الأخبار لإمك المحغوقةوتتشكل هوية المرأة من خلال ماتبوح به، فهي تستند في حضورها النسق الثقافي(المحلي/ الموصلي) على خطاب مزدوج يحدد هويتها، فالمرأة ثيمة في المسرود، يحملها صوتها تجاه الموضوعات المحيطة بها، وبخاصة علاقتها مع الآخر.