3 يونيو، 2013
محمد بن عبد الكريم الخطابي "صفحات من الجهاد والكفاح المغربي ضد الاستعمار"
صدر عن الدار العربية للموسوعات النسخة الجديدة والمعدلة من كتاب الأستاذ الدكتور محمد علي داهش (استاذ التاريخ المغربي الحديث والمعاصر في كلية الآداب ، جامعة الموصل) وجاء صدورها في الطبعة الثانية، بعد ان وقع "الخطأ" في الطبعة الأولى عندما نسب الكتاب للامير الخطابي واعتبر المؤلف محققاً للكتاب!!؟، يقع هذا الكتاب في طبعته الثانية بـ (239) صفحة من الحجم الكبير، قدم له المؤلف بمقدمة جديدة يؤكد فيها، ان الوطن العربي سيبقى مطمعاً للقوى الدولية نظراً لموقعه الجيوستراتيجي وإمكانياته الاقتصادية والمعدنية، ولكونه مستودعاً للقيم المقدسة لجميع الاديان السماوية، وفي ضوء ذلك تتكاتف القوى الدولية للقضاء على حركة تحررية نهضوية، تحاول تحقيق الحرية والاستقلال الوطني، وتبعد الاطماع الاستعمارية الدولية عن المساس بالسيادة الوطنية.هذا الاتجاه التحرري من جهة، والاتجاه الاستعماري من جهة اخرى، وجد نفسه في ثورة الريف المغربية (1921-1926) التي قامت ضد الحماية- الاحتلال- الفرنسي و الاسباني من اجل تحرير الشمال المغربي واتخاذه قاعدة للانطلاق لتحرير المغرب بأجمعه وإنقاذ السلطة الملكية الحاكمة من اسر الاحتلال الفرنسي، هذه الثورة قامت – كما يؤكد المؤرخ الداهش- بعد جهود تعبوية نفسية وعقلية وجسدية في اقليم الريف، تركزت على توعية السكان بحقيقة الاحتلال واتجاهاته القومية والدينية التعصبية التي تحاول النيل من الاسلام والعروبة، فجاء التركيز على ضرورة الجهاد والكفاح حتى الاستشهاد، والإشارة إلى الرموز التاريخية والدينية، حيث بطولات العرب والمسلمين في الدفاع عن حياض الإسلام والكفاح ضد الاستعمارين البريطاني والفرنسي، وكل ذلك جاء من خلال الأمير محمد بن عبد الكريم الخطاب الذي امتلك القدرة على تقدير قيمة القوة الجماعية وتوجيهها نحو التحرير والعمل على تحقيق الوحدة الوطنية من تبعية الحماية الثنائية، فقد كان الخطابي "شخصية كارزمية امتلكت كل عناصر الجذب والأهلية القيادية" وكان "مؤمناً بعدالة القضية التي يتعامل من اجلها" مثلما كان "مثقفاً وعارفاً بطبيعة وخفايا السياسة الدولية" والتي أكدت له ان المواجهة مصيرية، وان القوتين الاستعماريتين (اسبانيا وفرنسا) آنذاك تمتلكان كل عناصر القوة من عدة وعدد وسلاح متطور، بري وبحري وجوي، وعليه كان لجغرافية المنطقة دورها في تلك المواجهة، حيث الشمال المغربي، الجبال والكهوف، والمياه الوفيرة والأشجار، والسكان المنتشرين هنا وهناك، كلها وجد فيها الخطابي عناصر لإدامة الكفاح التحريري على أسس جديدة، وهي اعتماد الكفاح المسلح، طريق نحو الكمائن- العصابات- في الكفاح الوطني في ظل الأسرة الحاكمة.هذا الكتاب الذي اشرنا اليه في مقالة سابقة يستحق القراءة، لا لكونه يسجل حيثيات الكفاح الضاري الذي قامت به ثورة الريف وقائدها المجاهد الكبير محمد بن عبد الكريم الخطابي وبالتعاون مع ثورة جبالة وقائدها الشريف احمد الريسوني، وانما لبنائها مؤسسات سياسية واقتصادية وعسكرية وثقافية وخدماتية، تؤكد اصالة وعصرية تلك المؤسسات، وهو ما يؤكد اصالة الخطابي في انتمائه العربي الاسلامي وعصريته من خلال ثقافته وفهمه للسياسة الدولية ولانظمة الحكم، من هنا ندرك ان الرجل كما يتضح من الكتاب- ازاء مشروع نهضوي اصيل ومعاصر، وهو ما طرحه الدكتور داهش في دراسته هذه وغيرها.ويخلص الدكتور داهش في كلمة معبرة وموجزة، تؤكد ان الخطابي "آمن بان الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد للتحرير والوحدة" وانها الكفاح المسلح الذي اصبح هاجس الخطابي الاوحد تأكد من خلال "تمسكه بهذا الطريق في مواجهة الاستعمار والصهيونية"واخيراً يطرح الباحث، انه وفي ضوء هذه التجربة التحريرية الصادقة في انتمائها الوطني، والمعبرة عن حبها للسلطة الوطنية الملكية الحاكمة، والساعية الى تحقيق الحرية والاستقلال والوحدة الوطنية في ظلها، تعد من التجارب النادرة في التاريخ العربي والانساني، نظراً لاسلوب كفاحها، وتنظيم الحياة في المناطق المحررة.وعليه كان اهتمام الكتّاب والمؤرخين والمؤسسات الاكاديمية ودعم المؤسسات الرسمية لنشر الدراسات عن هذه التجربة التحريرية النهضوية.ان الكتاب الذي بين ايدينا، قد طبع في المشرق العربي، ومضمونه يتناول تجربة تحريرية هائلة في المغرب العربي، عليه آمل ان تقوم وزارة الثقافة المغربية التي سبقت ان تبنت سنة 2007 نشر كتاب الباحثة زكية داؤد الموسوم "عبد الكريم، ملحمة الذهب وارم، الذي ترجمه محمود التركي، ان تبادر الى تبني نشر هذا الكتاب لأهميته بالاتفاق مع مؤلفه وتعميمه على القارئ المغربي والعربي، ليدرك كيف يكون المواطن في وطنه وكيف يعمل على تحقيق قوته ومنعته ونهضته من منطلق الوطنية الحقة التي يجب ان يتمسك بها المواطن، في ظل التنوع العرقي او الاثني او الديني والمذهبي، واحترام هذا التنوع الاجتماعي في ظل العمل من اجل التحرر والوحدة الوطنية والحفاظ على الانتماء الحضاري العربي الاسلامي، والسعي الى تحقيق النهضة والتقدم، وبما ينعكس على تحقيق الرفاهية وصيانة كرامة الانسان العربي في كل مكان من ارجاء الوطن العربي.