24 ديسمبر، 2012

مدارس الموصل ومعلموها – نماذج منتخبة

لقد وجدت مؤسسات تعليمية شعبية ، ترجع بجذورها إلى العصورالوسطى الإسلامية ومنها الكتاتيب والمدارس الدينية. وقد قامت هذه المؤسسات بدور مهمفي حياة المجتمع العراقي في العهد العثماني ، وفي تاريخ العراق المعاصر .ويمثل كتاب ( مدارس الموصل ومعلموها – نماذج منتخبة – )للمؤرخ ألأستاذ الدكتور ذنون الطائي ، مثالا حيا للدور الذي لعبته هذه المؤسسات التعليمية في تطور حركة التعليم في العراق في القرن العشرين ، زيادة على ابراز دورنخب من المعلمين الذين ساهموا برفد الطلبة بالمعارف والثقافة والعلوم المختلفة .ومن الأهمية بمكان أن نجمل هنا كلمة الدكتور الطائي ، مما ازدانت به مقدمة كتابه ، للوصول إلى فهم أكثر لطبيعة الموضوع، إذ قال في مطلع مقدمته :" شهدت الأوضاع التعليمية في الموصل ، تطورات مهمة على صعيد التوسع في المدارس بمراحلها المختلفة ، فضلا عن التطور في المناهج الدراسية فيها ، والموصل تعد سباقة في إطار الريادة في التعليم ، ففي مطلع القرن العشرين ومع بدايات تأسيس الحكم الوطني ، اتسعت الأنشطة المرافقة للعملية التربوية ، وبخاصة الأنشطة اللاصفية والرياضية فظهرت الفرق الكشفية بتشكيلاتها المتعددة وفعالياتها الرياضية ، وعليه كان موضوعنا الأول دراسة نشأة الحركة الكشفية في الموصل ، وتلاه دراسة إحدى التجارب التعليمية المهمة في الموصل والمتمثلة بتأسيس مدرسة كلية الموصل الأهلية في أوائل خمسينيات القرن العشرين والتي خرّجت العديد من الشخصيات في الموصل ، والى جانبها درسنا إحدى المدارس الرسمية ، المتمثلة بالمدرسة النظامية وتسليط المزيد من الأضواء على كادرها ونسب النجاح فيها ومناهجها وأنشطتها الرياضية والفنية . كما وتعد ملفات المدارس الابتدائية في الموصل مصدراً أساسيا لدراسة تاريخ التعليم في الموصل ، بما ضمه من تقارير وتقويمات عن الهيئات التدريسية حيث كانت وقفتنا التحليلية لتلك الملفات المهمة.وفي إطار تناولنا للحياة التعليمية في الموصل كان لزاما علينا التدقيق مليئاً عن ابرز رواد ورائدات التربية والتعليم في الموصل من خلال دراسة نماذج منتخبة من أولئك الصفوة من المعلمين والمعلمات ، والاطلاع على أدوارهم التربوية والتعليمية لجيل واسع من التلامــيذ ( وهم قادة المستقبل ) .نأمل أن يساهم هذا الجهد العلمي في الكشف عن المزيد من الجهود التربوية والتعليمية التي بذلت في مسيرة التربية والتعليم في الموصل خلال التاريخ المعاصر .من اجل ذلك كله فقد سعيت إلى رص البحوث التي كتبتها عن المدارس الابتدائية والمتوسطة وروادها من المعلمين والمعلمات في هذا الكتاب ليسهل على القارئ الكريم الاطلاع عليها والإفادة منها . وهي تمثل في ذات الوقت وقفة عرفان لتلك الصفوة الخيرة من المربين الرواد المعلمين والمدرسين والمعلمات والمدرسات ممن اضاؤوا الدرب بنور علمهم الوضاء للأجيال المتعاقبة " .وسنحاول في هذا العرض استقراء أهم ما يمكن ملاحظته لفصول هذا الكتاب المهم لكي تتضح الصورة للقارئ .فحمل الفصل الأول عنوان : ملفات مدارس الموصل الابتدائية – مصدراً لدراسة التعليم في الموصل منذ أواخر العهد الملكي – إذ نجد أن الباحث في تاريخ العراق الحديث والمعاصر بعامة والموصل بخاصة لا يمكنه أن يغفل ما للوثائق الرسمية من أهمية في تقديم معلومات دقيقة وواضحة وتكشف عن حقائق بعينها ، بعد مضي حقبة من الزمن عليها ، زيادة على ما تزوده هذه الوثائق والملفات بإحصائيات وتقارير رسمية للمفتشين المدرسيين عن المدارس الابتدائية التي نشأت في الموصل وأطرافها ممثلة بالاقضية والنواحي والقرى منذ أواسط القرن العشرين ، فضلا عن ما تكشفه هذه الوثائق والملفات عن معاناة حقيقة للمعلمين إبان فترة تأسيس هذه المدارس وتبرز هذه الوثائق أيضا العديد من الأنشطة والفعاليات اللاصفية .وجاء الفصل الثاني بعنوان : نشأة الحركة الكشفية في الموصل ( 1921- 1937)، إذ مثلت الحركة الكشفية التي كانت منتشرة في مدارس الموصل حتى أوائل السبعينيات من القرن العشرين نوعا مهما من النشاط الرياضي والبدني الذي اندرج في مرحلة إعداد الفتيان لتحمل المشاق في مواجهة الصعاب في الحياة وغرس مبادئ الرجولة والقيم والمثل العليا في نفوسهم.وكانت مجاميع الفرق الكشفية تبدأ صباحا بممارسة ( تحية العَلَم ) مع حركة دائبة للتمارين الرياضية والعاب فرقية بغية الكشف عن المواهب الفردية في أجواء ملؤها الإقبال على الحياة ، وقد ركز الفصل على نشأة الحركة الكشفية في الموصل وغاياتها وصداه وحتى معارضتها ، وغالبا ما كانت تنتشر زمر الكشافة في الغابات وبين الأحراش لممارسة التدريبات ثم ما يلبثوا أن يعودوا إلى الخيم المعدة لهم بصورة منظمة .وقدم المؤلف في الفصل الثالث دراسة عن ( مدرسة كلية الموصل الأهلية 1944-1959 – دراسة وثائقية ) ، إذ شهد قطاع التعليم من بداية العقد الرابع من القرن العشرين توسعا ملحوظا في عدد المدارس المختلفة وبخاصة بعد صدور عدد من التشريعات التعليمية ، ومن أبرزها نظام المدارس الثانوية رقم56 لسنة 1936 ، وقانون المعارف العامة رقم 47 لسنة 1940 ، هذه التشريعات كان لها الأثر البالغ في تطور شؤون التعليم في كل أنحاء العراق . ولعل من ابرز المدارس الأهلية التي ظهرت في مدينة الموصل هي مدرسة كلية الموصل الأهلية التي أسست أواسط العقد الرابع من القرن العشرين من قبل الآباء الدومنيكان في الموصل ، في محاولة لتسليط الضوء على إحدى التجارب العلمية الأهلية التي ساهمت في إرساء القواعد التعليمية والمعتمدة على الخبرات العلمية التدريسية الكفوءة المحلية والعربية والأجنبية وبتمويل ذاتي إلى جانب الهبات والإعانات الحكومية .على أن الفصل الرابع قد اندرج تحت عنوان : المدرسة النظامية الابتدائية في الموصل 1950-1974- دراسة وثائقية – ، وتضمن الحديث عن طبيعة هذه المدرسة من حيث ملاكها التعليمي وكيفية سير العملية التعليمية فيها مع التركيز على تقويم المفتشين الرسميين الزائرين للمدرسة وبيان ما تضمنته تقاريرهم وملاحظاتهم حول كل ما يتعلق بالمدرسة وأنشطتها اللاصفية بالاعتماد على الوثائق الرسمية للمدرسة .وركز الفصل الخامس على تناول سِير لجملة من المعلمين في كل ما يتعلق بنشأتهم وتدرجهم في السلك التعليمي والوظيفي من خلال عنوان البحث الذي ارتأه المؤلف والذي جاء تحت عنوان : من رواد التربية والتعليم الابتدائي في الموصل 1935-1984 (قراءة في الملفات الشخصية ) مركزاً فيه على دور المعلم في التنشئة بعد الأسرة بالاعتماد على تقارير المفتشين التربويين .وتضمن الفصل السادس الحديث عن نماذج من رائدات التربية والتعليم الابتدائي في الموصل في النصف الثاني من القرن العشرين ( قراءة في ملفاتهم الشخصية ) ، وبيان أدوارهن التعليمية من خلال التقارير الشخصية ، بما امتزن به من حبٍ للمهنة والتفاني في انجاز الواجبات المناطة بهن .وأندرج الفصل السابع تحت عنوان : قراءة في المدارس المتوسطة للبنين في الموصل 1958-1968 ( نماذج منتخبة تاريخية حول واقع العملية التربوية ) ، في محاولة لدراسة حقبة اكتسبت أهميتها على صعيد التوسع في فتح المدارس المتوسطة في الموصل وضواحيها خلال الفترة المتقدمة آنفاً ، بما يعكس لنا صورة واضحة المعالم عن طبيعة الحياة التعليمية ، من خلال مفردات العملية التدريسية والتربوية في المدارس المتوسطة والمتمثلة بكيفية وظروف تأسيس المدارس والملاك التعليمي وتقويمات المفتشين الاختصاصيين للملاك التدريسي ، وتوفير مستلزمات سير العملية التدريسية ، فضلا عن إعداد الصفوف والطلاب إلى جانب معاناة الكادر التدريسي والصعوبات التي يواجهه المِلاك والطلبة معا ، من خلال وثائق وملفات مديرية التربية في الموصل .ودرس الفصل الثامن المدارس المتوسطة للبنات في النصف الثاني من القرن العشرين ( دراسة نماذج منتخبة في مراحل التأسيس ) 1959-1973 ، وجاءت هذه المدارس تلبية لضرورة نشر التعليم في عموم لواء (محافظة ) الموصل آنذاك . وقد كانت تلك الفترة تزخر بعدد وافر من المدرّسات الدؤوبات اللائي بذلن جهوداً متواصلة في تدعيم مسيرة العلم وفي هذه الدراسة هدف المؤلف إلى إضاءة جانباً من مرحلة تأسيس بعض المدارس المتوسطة للبنات وكيفية التغلب على المعوقات والحؤول دونها من خلال تلك النخب وادارات المدارس ومن رائدات التعليم في الموصل أبان تلك الفترة ، والتي شكلت جزءاً من تاريخ التعليم في الموصل في العصر الحديث .بقي أن نذكر أن هذا الكتاب جاء في (214) صفحة من القطع الكبير ، في طبعته الأولى لسنة 2011 وبغلاف فني جميل من تصميم التشكيلي موفق الطائي ،

مشاركة الخبر