4 فبراير، 2013
حوار مع الأستاذ الدكتور ذنون الطائي (حوار أجراه د. احمد قتيبة يونس)
أعرفه منذ عشرة سنوات، كان يفاجئني دائما في تعامله مع المعلومة التاريخية، يبحث عنها بدقة، يتوخى صحتها ومصداقيتها، كان يفاجئني بأسلوب حواره مع الباحثين في الحلقات النقاشية، يثير جدلاً بحثياً بغية الوصل مع الباحث إلى الحقيقة العلمية الأكاديمية، كنت أنفرد به مرات وأحاوره في شتى مجالات الحياة، أسلوب العيش وحسن التعامل مع الآخرين، كان يمتص غضبي حينما أكون منزعجاً من قضية ما، كان يناقشني فيها ويعرض عَلَيَ البدائل. هو مديري في مركز دراسات الموصل، ولكنه صديقي وموضع سري في بعض الأحيان، كنت أشتكي عنده عن رفضي لهذا الواقع، كنت أشتكي عنده عن اغترابي، وشعوري بلا جدوى وإحساسي بفوضى العالم. كان شديد الحرص على مشاعري يداهمني بتساؤلات تعيدني إلى الواقع. الدكتور ذنون الطائي، أثارت شخصيته الفضول لدي، فحاولت أن أتقرب من تركيبته النفسية والاجتماعية، ولعلي الآن أجد فرصة في التعرف عليه أكثر من خلال هذه التساؤلات:- صف نفسك وأنت 1- أب 2- طالب علم 3- مسؤول * نعمة من نعم الباري عز وجل أن يكون الإنسان أباً، والمرء حينما يغدو أباً، يعني أدمة زخم الحياة، وشعور الأبوة لدي ربما لا يوصفُ بكلمات، فأجمل شيء في الكون التواصل بيني وبين أبنائي. يقول احمد أمين (وهل نحن إلا صور جديدة لآبائنا، يعيشون فينا ويحلون جسومنا ونفوسنا).* ما زلت طالباً للعلم حتى اللحظة، يقول الرسول (صلى الله عليه وسلم) اطلب العلم من المهد إلى اللحد، وأنا أكمل يومي أتعلم فيه دروس العلم أو الحياة، ولابد من القراءة اليومية (إنما العلم بالتعلم) والتعلم لا يصح للمتخصص بإحدى جوانب العلم إلا بالقراءة والتتبع، والقراءات –عندي- لا تقتصر على التخصص بل تتعداه لموضوعات متعددة وبخاصة الأدبية منها، وأجمل قراءاتي في التاريخ، هي التي تتعلق بالمذكرات الشخصية، فهي خلاصة حياة كاتبها في عدد من الصفحات.*المسؤولية أمانة في عنق حاملها، وهي تكليف لا تشريف، وتستلزم المزيد من الصبر والدراية، وتسيير شؤون الأعمال، وهي وجدت لأغراض تنظيمية، وخدمة للآخرين. وعليه فان الرسول (صلى الله عليه وسلم) أمر أن يولى لأكثر من اثنين أمير. وذلك لأغراض القيادة والتنظيم. والمسؤولية أية مسؤولية كانت فهي محددة بإطار زمني محدد مهما طال. وعلى المتبوئ لمسؤولية ما، أن يترك أثرا طيباً مع معيته، قال الشاعر:(إنما المرء حديث بعده فكن حديثاً حسناً لمن وعى)هل تشعر بالاغتراب؟ ومتى؟ *موضوع الاغتراب، مسألة نسبية بالنسبةِ إلَي، ربما التفكير باستمرار به، يرسخ في الذهن والوجدان ويترك آثاراً نفسية، لماذا الاغتراب، أنا مندمج مع مجتمعي وبيئتي المستوطن فيها، لي صداقات وأحبة وزملاء وذكريات في قلب مدينتي (الموصل)، مدارسها، محلاتها، مساجدها، شوارعها، أسواقها، فمن الصعوبة القول إنني اشعر بالاغتراب. يقول الشاعر تقي الدين الهلالي:موصلي أنا ما حييت فان أمت فوصيتي للناس ان يتموصلواويقول عنها الشاعر الموصلي السري الرفاء:ارض يحن إليها من يفارقها ويحمد العيش فيها من يدانيهاعن ماذا تبحث في التاريخ؟ وماذا يعني لك التاريخ؟ * التاريخ سجل حافلٌ بالأحداث المتداخلة سياسية واقتصادية واجتماعية، يقول أحدهم: (ومن وعى التاريخ في صدره أضاف أعماراً إلى عمره). التاريخ قراءة وتمعن في حياة الشعوب للبحث عن الحقيقة، حقيقة الأحداث أسبابها مؤثراتها شخوصها، العوامل المباشرة وغير المباشرة لها. التفسير، الاستنتاج، التأويل، ربط الجزئيات بالكليات وإعادة تشكيل الأحداث كما وقعت ثم قراءتها. إنني أبحث عن حقيقة الأحداث والعمل على أرخنتها كون (الحقيقة بنت البحث) فإنني معنيٌ بكل ما هو بهي وعلامات التألق والعطاء الحضاري والفكري في صفحات تاريخنا الحديث والمعاصر وبخاصة التاريخ المحلي لمدينة الموصل، ضمن المنهج العلمي الأكاديمي في الكتابة التاريخية.هل وجدت نفسك في دراستك للتاريخ؟ * نعم أجد ذاتي في القراءة والمتابعة والكتابة التاريخية، فلا يخلو يوم دون القراءة أو الكتابة أو القراءة على الأقل، فإنني أؤمن (بأن من يقرأ يكتب ومن لا يقرأ لا يكتب) والكتابة التاريخية عندي ليس تزجية للنفس، إنما هي غاية في الكشف عن الجوانب المهمة عن الشخصية الموصلية والأدوار التي ساهم بها أبناء مدينة الموصل، في إطار التاريخ الحديث والمعاصر، وعليه فان ابن خلدون يقول (علم التاريخ فن عزيز المذهب، شريف المهنة).هل تأثرت ببعض الشخصيات التاريخية/ السياسية/ الثقافية……….الخ؟ *الشخصية الملهمة عندي هي شخصية الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) وجرأة وشجاعة وعدل عمر ابن الخطاب (رضي الله تعالى عنه) في التاريخ الإسلامي، ومن الشخصيات السياسية المعاصرة (مهاتير محمد) رئيس وزراء ماليزيا الذي قاد بلاده إلى التقدم والرقي وانتشالها من حظيظ الجهالة والفقر. وغدت اليوم من الدول التي يشار إليها بالبنان وفي تقدمها الصناعي والزراعي، فكان مخلصاً لوطنه وشعبه. ومن الشخصيات العلمية فان الأستاذ الدكتور عماد الدين خليل يبهرني بانجازه العلمي وسعة افقه وعطاءه المتدفق في النواحي المعرفية المتعددة. فضلاً عن أسلوبه الأخاذ في الكتابة.متى يستحق الباحث في التاريخ أن يلقب بالمؤرخ؟ * يمكن إطلاق تسمية مؤرخ على الباحث في التاريخ، على من قضى شطراً من حياته في القراءة والتتبع، وله إسهامات حقيقية أصيلة في أرخنة المزيد من الجوانب التاريخية، والكشف عن حقائق مضافة وجديدة في التاريخ، من خلال المؤلفات العلمية ووصوله لمرحلة الاستقراء العمودي والأفقي للأحداث التاريخية، ووفق المنهج العلمي الأكاديمي في البحث، المرتكز على الاستدلال والاستنتاج والتحليل المفضي إلى جلاء الحقائق التاريخية.هل أعاق عملك الإداري بحثك التاريخي؟ * لم يعيقني عملي الإداري عن مواصلة البحث في التاريخ، وانجاز البحوث العلمية وإصدار المؤلفات التاريخية، فلدي ما يزيد عن (45) بحثاً علمياً منشوراً في المجلات العلمية المحكمة و (10) كتب مؤلفة منها (2) بالاشتراك. وأنا أسعى لمسك العصا من الوسط بين العمل الإداري في قيادة مركز دراسات الموصل، والانجاز العلمي في مجال التاريخ الحديث والمعاصر. وفي ذلك قال الشاعر:لا تكن سُكراً فتأكـلك النـاس ولا حنـظلاً يـذاق فيـرمىإننا في امة جعلها الله وسطـاً والخير كله في هذه الوسطيةوخير الأمور أوسطها.من هو المدير الفعال من وجهة نظرك؟* المدير الفعال في تقديري، منّ يتمكن من تحقيق برنامجه المعرفي وان يكون متجدداً، ومتواصلاً مع معيته ويسعى لخدمة الآخرين بكل السبل المتاحة، فهو وجد في منصبه لتحقيق الخدمة ولتطوير الأداء ووفق إمكانياته وتوظيف خبراته، وان لا يكون موقع المسؤولية هدفه وليتذكر قول الإمام علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه):رأيـت الدنيـا مختلفاً تدور فلا حـزن يـدوم ولا سروروقد بنت الملوك به قصـور فـلم تبق الملوك ولا القصورويقول الشيخ محمد عبده (الرجل الصغير يستعبده المنصب، والرجل الكبير يستبعد المنصب)وقال الشاعر:وأسباب السيادة قيل عشر شمـاء ثـم تـأدية الأمانةكذا صبر وعلم ثم حلـم وصدق والتواضع والصيانةوعقل والعفاف فتلك عشر ورأس الأمر في الكل الديانةهل حققت لك ثقافتك السعادة أم أنها زادتك هما فوق همك؟ * الثقافة تعين المرء على فهم الأمور ودقائق الحياة ومواجهة الصعوبات وإيجاد الحلول لها، أنني هنا سعيد بكل ما أنجزته في حياتي على الصعيد العلمي والاجتماعي والأسري وواجباتي تجاه ربي، الله سبحانه وتعالى. فالسعادة هي شكر النعم. كان أحد السلف أقرع الرأس، أبرص البدن، أعمى العينين، مشلول اليدين والقدمين، وكان يقول: (الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى كثيراً من خلقه، وفضلني تفضيلاً، فمر به رجل وقال له: فيم عافاك؟ أعمى وأبرص ومشلول وأقرع!، فقال له: ويحك يا رجل لقد جعل الله لي لساناً ذاكراًَ وقلباً شاكراً وبدناً على البلاء صابراً). إن الهم هو جزء من تركيب الإنسان، وهناك الكثير من المأثور عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) تفرج الهم منها التحوقل مثلاً 300 مرة يومياً فإنها تفرج الكرب والهم.ما الذي تعنيه لك السعادة؟ * السعادة شعور إنساني ينتشي به الإنسان عند تحقيقه هدف، أو وصوله لغاية سعى لها بكل جد ونشاط، والسعادة صنوان مع الصدق والقناعة، يقول احمد أمين في مذكراته (الحياة لا تُلذ إلا بنسيانها)ما الذي يعنيه لك الأمل؟ * ولابد من الأمل لمواصلة السير في الحياة ومواجهة الغد بكل ما يحمله من تناقضات، فالأمل هو الرجاء، في تحقيق ما يصبو إليه الإنسان على الصعد الإنسانية والاجتماعية وغيرها، قال الشاعر:تأن على الأمور تنل مداها فإن البدر أوله هلالما الذي يعنيه لك الحب؟ * الحب، هناك مثل يقول (من أحب أجاد) ولكي نعمل ونبدع ونطور ونتقن عملنا، يتعين علينا حب الأشياء ومنّ حولنا، والحب غريزة مهمة في الحياة وشعور دافئ يتفيأ به الإنسان وهو نقيض الكره. يقول الإمام علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه):إن أحببت هوناً هوناً وإن كرهت هوناً هوناً وقال الشاعر:قلوب العاشقين لها عيون ترى ما لا يراه الناظروناواجنحةٌ تطير بغير ريش إلى ملكوت رب العالمينوارى من الأهمية على المرء أن يتخلص من أحقاده ويعيش يومه بتفاؤل بالحب مع الآخرين، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من تساوى يوماه فقد غبن)وقال الإمام الشافعي: بعضاً من الأبيات الشعرية يلخص فيها فلسفة إشاعة الحب بين الناس بقوله:إذا شئت أن تحيا سليماً من الأذى وحظك موفور وعرضك صينافلا ينطـق منـك اللسان بسوءة فكلك سوءات وللناس السنوعينك إن أبدت إليك معايباً فصنها وقل يا عين للناس أعينُوعاشر بمعروف وسامح من اعتدى ودافع ولكن بالتي هي أحسنمن هي الأنثى؟* الأنثى هي المرأة، قال احدهم: ولدتني امرأة، وعلمتني امرأة وأحببت امرأة وتزوجت امرأة فكيف لا احترم النساء! وعليه فحينما نذكر المرأة أو الأنثى فهي نصف الكون إنها نصف القدح الممتلئ بيدها، حينما تهز طفلها فإنها تهز نصف الكون! ونصف المجتمع. إنها مبعث الحنان وقد أوصانا الرسول (صلى الله عليه وسلم) بها خيراً فقال: (استوصوا بالنساء خيراً)هل تعاني من الإحساس بفوضى العالم؟ * العالم دوماً في حالة فوضى وصخب، بفعل التطورات التقنية الهائلة والثورة التكنولوجية التي نحيا بين ظهرانيها، وتلاطم الاتجاهات الفكرية والتثاقف والتيارات المتقاطعة في طروحاتها، ويحضرني هنا قول تيسني وليامز، في مسرحية عربة اسمها الرغبة، إذ يقول: (خذوا حذركم وإلا استولى القرود على مقاليد الأمور في هذه الدنيا!). وهكذا يلخص بشكل ساخر تلك الفوضى التي تسود جنبات العالم. وقد قيل أيضا: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظروا الساعة. هل انتابك شعور بلا جدوى؟* الشعور بلا جدوى يتملكنا أحيانا مع كل الخروقات والتجاوزات التي نلحظها ونحيا بينها يوميا، وعدم احترام القوانين وغياب مفردات الوعي البيئي والاجتماعي، وعدم الاكتراث التي تصدر من هنا وهناك لفئات واسعة، في تعاملها اليومي مع الأشياء، مما يعوق فرص كبيرة نحو التقدم والرقي والبناء الحضاري لمجتمعنا ذي الحضارة السامقة.ما معنى الموت؟ ولماذا نموت؟ * الموت حق على كل إنسان، وعلى المرء أن يتأهب لتلك اللحظات والسفر الطويل، بالمزيد من العبادات وأعمال البر والخير، وان يكون الموت حاضراً أمامنا في كل آن (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم).يقول الشاعر: وان مت فالإنسان لا بد ميت وان طالت الأيام و انفسح العمر