19 مايو، 2014
ولاية الموصل العثمانية في ق 16 (دراسة سياسية- ادارية- اقتصادية) (منجز علمي متميز)
في اطار التعريف بأحدث الاصدارات التي تتناول جوانب من التاريخ العثماني في العراق فقد صدر سنة 2011 عن دار غيداء للنشر والتوزيع كتاب ولاية الموصل العثمانية في القرن السادس عشر (دراسة سياسية – ادارية – اقتصادية) وهو بالاصل اطروحة دكتوراه قدمت الى كلية الاداب، قسم التاريخ في جامعة الموصل سنة 1992، اذ أجرى المؤلف أ.د. علي شاكر علي (الذي اهداني نسخة من الكتاب) اضافات ضرورية في ضوء المستجدات العلمية والفكرية التي وجدها مناسبة في اطار استكمال الموضوع بشكله النهائي. وقبيل الولوج في مضامين الكتاب، لابد من القول بان الدكتور علي شاكر علي يعد في طليعة المؤرخين العراقيين الذين تتسم كتاباتهم بالجدية وروح البحث العلمي الاكاديمي القائم على الاستقصاء والتحليل والاستنتاج وربط الاحداث بعضها ببعض وصولاً نحو تشكيل الحدث التاريخي في الزمكان. ومؤرخنا الجليل يمتلك رؤية علمية دقيقة في الوصف والاستقراء وبخاصة ربط الجزئيات بالكليات ضمن منهج بنيوي يرتكز الى الحقائق التاريخية الموشحة بالوثائق والمصادر الاولية في مضانها، فهو مقل في نتاجه العلمي ويعود ذلك باعتقادي الى طول اناته في البحث والاستقصاء واعطاء الموضوع حقه على صعيد تعزيزه بالمصادر المناسبة. وتصديه للموضوعات ذات القيمة العلمية والاضافة النوعية.واتذكر وانا طالب في مرحلة البكلوريوس والماجستير والدكتوراه، كم كان اسلوبه أخاذاً في القاء محاضراته وطريقة مناقشته ودقة تحليله وتشخيصه للأحداث وتناوله للأسباب والمسببات في التاريخ العثماني، بشكل يفضي الى كشف الحقائق ورسم صورة واضحة الابعاد عن الحدث المتناول، وهذا يفصح عن تجاربه العميقة في القراءة والتتبع للمصادر والوثائق العثمانية، وهو يجيد اللغة التركية التي تساعده على تفسير الوقائع وجلي الغامض منها، بالارتكاز الى الوثائق الاصلية وهذا ما نجده في اصداره مع زميله أ.د. خليل علي مراد لدراسة (الموصل وكركوك في الوثائق العثمانية). في اواخر تسعينات القرن الماضي وبنسخ محددة.في الحقيقة اجدني سعيداً في الكتابة عن أحد رموز العلم والمعرفة، مؤرخاً فاضلاً وعالماً جليلاً في مجال التاريخ العثماني للعراق الحديث، فهو صاحب سجايا رفيعة واخلاق عالية، وروح صافية متآلف مع الاخرين محبوباً من قبل الجميع مقبل على الحياة ولا اخفي عميق محبتي له، ادامه الله ومتعه بالصحة والعافية وغزارة معرفته.يؤكد الدكتور علي شاكر علي في مقدمة كتابه على ان صلته بتاريخ العراق في العهد العثماني تعود الى اواسط السبعينات حينما انجز رسالته للماجستير الموسومة (تاريخ العراق في العهد العثماني 1638-1750 دراسة في اوضاعه السياسية) وقدمت الى جامعة بغداد سنة 1976 ونشرت في كتاب سنة 1984. وقد وجد قلة الدراسات التاريخية الجادة عن ولاية الموصل خلال القرن السادس عشر، بسبب ندرة المصادر والوثائق، فضلاً عن ان القرن السادس عشر غير مستقر في احداثه التي اخذت طابعاً دراماتيكياً فعالاً سواءاً في اسبابها او في النتائج التي تمخضت عنها.ويشير مؤرخنا الفاضل ان دراسة احداث الموصل خلال هذا القرن المذكور دراسة علمية تقودنا الى فهم افضل لاوضاع العراق السياسية والاقتصادية والاجتماعية في القرون التالية على نحو ادق وافضل. ومن هنا جاءت دراسته التي بين ايدينا التي تقوم على دراسة الاوضاع السياسية والادارية والاقتصادية في ولاية الموصل خلال القرن السادس عشر، اذ اقتضت طبيعة الدراسة الى تقسيمها لاربعة فصول، خصص الاول منها لدراسة الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مدينة الموصل قبيل السيطرة العثمانية، فكان التركيز على دراسة الموقع الجغرافي للمدينة وتأثيره على مسار الاحداث السياسية والعسكرية، كما بحث في الصراع العنيف الذي وقع بين الكيانات السياسية التي حكمت في جنوب شرق الاناضول والشام والعراق وكان للموصل دورها الواضح في مجريات ذلك الصراع، وتضمن الفصل كذلك الاشارة الى التوسع الصفوي في جنوب شرق الاناضول والعراق خلال السنوات 1502-1508 أي مدة حكم الشاه اسماعيل الصفوي ورد الفعل العثماني، والذي تمثل بسلسلة خطوات لمواجهة ذلك التوسع منها معركة جالديران سنة 1514 ثم موقعة قره غين دده 1516م.اما الفصل الثاني فقد عالج الاوضاع السياسية في الموصل سواء كانت ولاية قائمة بذاتها ام سنجقاً (لواءاً) تابعاً لولاية ديار بكر او بغداد، وقد اشار هذا الفصل الى الوضع السياسي بعيد السيطرة وموقف العثمانيين من القوى السياسية المحلية في المدينة، ولم يغفل التركيز على علاقة الموصل بالولايات العراقية او الولايات المجاورة في الشمال والغرب كذلك وعلاقة الموصل بالامارات العربية والكردية في تلك الحقبة التاريخية.وركز الفصل الثالث الذي حمل عنوان الادارة العثمانية في ولاية الموصل على حدود ولاية الموصل واستعرض الهيئة الحاكمة فيها والمؤسسات الادارية والجهاز الاداري، فضلاً عن ادارة المدينة واثر التطورات السياسية في الوضع الاداري للموصل، وتضمن الفصل الاشارة الى ادارة العشائر ايضاً.ولما كانت التقسيمات الادارية لها دلالات اقطاعية، فقد تناول الفصل الرابع، الاوضاع الاقتصادية في الولاية، وفيه عرض موجز لوضع الاراضي في الموصل قبيل السيطرة العثمانية، ثم حيازة الاراضي في العهد العثماني، واصناف الاراضي في الولاية. وتناول كذلك الزراعة واهم المنتجات الزراعية وتوزيع الثروة الحيوانية في اقليم الموصل. ولم يغفل الفصل ايضاً الانتاج الحرفي او ما يعبر عنه عادة بالصناعة التقليدية، كما اشار هذا الفصل الى تجارة الموصل خلال القرن السادس عشر، والمسالك التجارية التي تربط المدينة مع المناطق المجاورة، كما تناول الفصل الضرائب والرسوم في الموصل، والنقود والاوزان والمقاييس المتداول فيها.وقد نسج مؤرخنا الفاضل فصول هذه الدراسة وفق منهج علمي قويم لايقوم على اساس ذكر الاحداث السياسية والادارية والاقتصادية فقط، بل عمد ايضاً الى تحليلها باستمرار وربطها مع العوامل الاخرى التي اثرت فيها او تأثرت بها. أي دراسة الاسباب والمسببات.كما قامت هذه الدراسة على مجموعة متنوعة من المصادر الاصلية كالوثائق العثمانية غير المنشورة، واخرى المنشورة الى جانب المصادر الاجنبية باللغة الانكليزية كذلك الرسائل والاطاريح الجامعية، والمصادر والمراجع العربية.واعتقد جازماً بأن دراسة كهذه ستسد فراغاً في المكتبة العلمية العربية وتغني الذائقة العلمية والثقافية في مجال الدراسات العثمانية، التي عززت بعدد وافر من الجداول والاحصاءات اعتماداً على المنهج الكمي والاحصائي في الدراسات التاريخية وفق لغة عربية سلسة وسليمة واضحة، تدلل على رصانة المؤلف وجديته في المعالجات التاريخية، متمنياً له المزيد من العطاء العلمي. وهو الآن استاذاً في جامعة كركوك يدرس ويشرف على طلبة الدراسات العليا في قسم التاريخ – كلية التربية. فهنيئاً لطلبته به وبعلمه الغزير.