20 فبراير، 2025

جامعة الموصل: نهضة تُحاكي الأساطير وإبداعٌ يُلامس السماء..

على مدى أيامٍ طويلة شهدت جامعة الموصل حدثًا جللًا ، كشف عن جوهر الإنسانية والإبداع الذي يختزنه أبناؤها. زيارة لجنة الاعتماد المؤسسي لم تكن مجرد محطة روتينية، بل كانت ملحمةً من العطاء والتفاني، رسمت فيها أيادي المخلصين لوحةً من الجمال والتميز، تُعبِّر عن روح جامعةٍ عريقة، نهضت من تحت الرماد كالعنقاء، لتُعلن للعالم أنها ما زالت حيةً في قلوب أبنائها.

لقد كان المشهد مؤثرًا إلى أبعد الحدود. تدريسيون يحملون ألقابًا علميةً رفيعة، ينحني كبارهم لتنظيف القاعات والمختبرات بأيديهم، دون أن يكلِّفوا أحدًا من الطلبة أو الموظفين. بل إنهم فعلوا ذلك بروحٍ عاليةٍ من الفخر والاعتزاز، قائلين بكل بساطة: “ألا نفعل ذلك في بيوتنا؟! المهم أن يظهر بيتنا الثاني بهيًا جميلًا أنيقًا”. هذه الكلمات لم تكن مجرد عبارات، بل كانت تعبيرًا صادقًا عن حبٍ عميقٍ للجامعة، وانتماءٍ لا يعرف الحدود.
ولم يكن الجهد مقتصرًا على التنظيف وحده، بل امتد إلى ساعاتٍ طويلةٍ من العمل الدؤوب، حيث جلس منتسبو الكليات ليُحكموا ملفاتهم، ويُخرجوها في أبهى صورة. بعضهم بقي في الجامعة حتى ساعاتٍ متأخرةٍ من الليل، كل ذلك من أجل هدفٍ واحد: أن تحصل الجامعة على الاعتماد المؤسسي الذي تستحقه. لقد كان العمل الجماعي هنا ليس مجرد شعار، بل واقعًا ملموسًا، جسَّده كل فردٍ في هذه الجامعة العريقة.
ان هذه الجامعة التي بنيت خلال 57 عاما بشكل تراكمي بمعنى كل عام يبنى مختبر او يتم شراء أجهزة كان يتطلب اعادتها وفق الحسابات المنطقية الى 57 عاما أخرى اذا توفر نفس التمويل السابق، بعد ان تدمرت على ايدي عصابات داعش الإرهابية، الا ان منتسبي الجامعة ابوا الا ان يعطوا درساً ان الارداة العراقية قادرة على تحقيق المستحيل وفعلا تم إعادة الجامعة من حيث البنى التحتية افضل مما سبق وفقط بـ(6) سنوات وها هي اليوم تشهدا أولى خطواتها بالسعي للحصول على الاعتماد المؤسسي للعودة الى مكانتها العلمية.

لقد كانت هذه الأيام بمثابة شهادةٍ حيةٍ على أن جامعة الموصل، التي عانت من ويلات الحرب والدمار، قد نهضت من جديد كالعنقاء، لتُعلن للعالم أنها ما زالت تحمل في داخلها روحًا عاليةً من الزهو والرقي. لقد عادت “منارة الحدباء” لتضيء من جديد، وليصدح صوت الأذان في أرجائها معلنًا “الله أكبر”، كرمزٍ لعودة الحياة والأمل إلى هذا الصرح العلمي الشامخ.

بعيدًا عن المجاملة، وبدون أي تحيز، فإن ما شاهدناه خلال هذه الفترة كان إبداعًا حقيقيًا من كل فردٍ في الجامعة. لقد أظهر الجميع أنهم ليسوا مجرد موظفين أو تدريسيين أو طلبة، بل هم عائلةٌ واحدة، تجمعهم رؤيةٌ مشتركةٌ وهدفٌ واحد: أن تبقى جامعة الموصل منارةً للعلم والمعرفة، وأن تظل رمزًا للعطاء والتميز.

لقد نالت جامعة الموصل كل الفخر والاعتزاز عندما اعلن فريق الاعتماد المؤسسي ان ما اتفق عليه كل أعضاء الفريق ان ما يميز جامعة الموصل ولاء منتسبي الجامعة لجامعتهم.
كل كلمات الشكر والتقدير عاجزة عن التعبير عن حجم اعتزازي وفخري بكم منتسبي جامعتنا الأعزاء و بكل الجهود التي بذلتموها.

في الختام، نقول بكل فخر: لقد أبدعتم يا أبناء جامعة الموصل، وقدمتم نموذجًا رائعًا للعمل الجماعي والتفاني.
لقد أثبتم أن الجامعة ليست مجرد مبانٍ وقاعات، بل هي روحٌ تسري في كل من ينتمي إليها. فلتكن هذه النهضة بدايةً جديدةً لعهدٍ من التميز والإنجازات، ولتكن جامعة الموصل دائمًا وأبدًا عنوانًا للعلم والرقي في العراق والعالم أجمع.

الأستاذ الدكتور
وحيد محمود الابراهيمي
رئيس جامعة الموصل
٢٠ /شباط / ٢٠٢٥

مشاركة الخبر